تحركات مصرية في كل الاتجاهات لإعادة السودان إلى خط الاستقرار

الأحد، 07 مايو 2023 02:00 م
تحركات مصرية في كل الاتجاهات لإعادة السودان إلى خط الاستقرار
الازمة في السودان
محمود علي

 

 

جهود كبيرة تبذلها مصر في الأسابيع القليلة الماضية، من أجل إعادة السودان على خط الاستقرار، بعد أن تعقد الوضع العسكري على الأرض، على خلفية استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في محاولة من القاهرة بالتنسيق مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية لانتشال السودان من كارثة إنسانية وصراع لا يحمد عقباه، لاسيما وأن الحفاظ على أمنه وهدوءه واستقراره أمن قومي مصري.

وتتزامن تحركات القاهرة النشطة في ملف دفع السودان إلى لغة الحوار والعودة إلى طاولة المفاوضات، مع استمرار المتابعة الدقيقة واللحظية للقيادة السياسية المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لعملية إجلاء المصريين من السودان بالتنسيق المباشر والمستمر مع الجانب السوداني لتوفير ممرات آمنة، وتذليل كافة الصعاب التي تواجهها الجالية هناك.

وتتحرك مصر وفق مبادئ ثابتة، أهمها الحفاظ على وحدة السودان، ورفض أي تدخل خارجي في شؤونه، والسعي نحو تقارب وجهات النظر بين الأطراف السودانية لتفويت الفرصة على كل الساعيين والطامحين إلى تحويل السودان إلى بؤرة صراع، يكون نقطة انطلاق لعودة قوى التطرف والإرهاب في منطقة شديدة الحساسية، من خلالها تشكل شوكة في حلق المنطقة مهددة الأمن القومي العربي ومنطقة القرن الإفريقي.

الثلاثاء الماضي، علق الرئيس السيسي  في حوار أجراه مع رئيس تحرير صحيفة "أساهي" اليابانية العريقة، على هامش زيارة رئيس حكومة اليابان، "فوميو كيشيدا" للقاهرة على الأوضاع في السودان، وقال إن السياسة الخارجية المصرية تقوم على رفض التدخل في شؤون الدول واحترام مبدأ السيادة وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، عارضاً موقف مصر من التطورات السودانية، موضحاً أن الجهود التي تبذلها مصر لوقف وتثبيت إطلاق النار وتهيئة المناخ للحوار السلمي واستكمال المرحلة الانتقالية، وتجنيب الشعب السوداني الشقيق المخاطر الإنسانية المتفاقمة للنزاع.

وفى نفس اليوم، تلقى الرئيس السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الكيني "ويليام روتو"، تم خلاله التباحث حول آخر تطورات الأزمة في السودان، حيث توافقت الرؤى على مواصلة بذل الجهود للتوصل لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار، مع دعم مساعي الحوار السلمي واستئناف المرحلة الانتقالية، بما يؤدي إلى حقن دماء الشعب السوداني الشقيق وتجنيبه المخاطر الهائلة للنزاع إنسانياً واقتصادياً، وصولاً إلى تحقيق تطلعاته في المستقبل الآمن المستقر، وتعزيز مسار التنمية والبناء.

واستقبل وزير الخارجية سامح شكري السفير دفع الله الحاج علي مبعوث الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني الثلاثاء الماضي، وأعاد شكري التأكيد خلال اللقاء على موقف مصر الثابت والمُعلن منذ اليوم الأول للأزمة السودانية، والداعي إلى ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار حفاظاً على دماء أبناء الشعب السوداني الشقيق، وأهمية التزام جميع الأطراف بتثبيت الهدنة وعدم خرقها، لإتاحة الفرصة لعمليات الإغاثة الإنسانية وتضميد الجراح وبدء حوار جاد يستهدف حل الخلافات القائمة.

كما أكد شكري أن مصر حريصة على التعامل مع الأزمة الحالية في السودان باعتبارها شأناً داخلياً، ومن هنا تأسس موقفها خلال الاجتماعات التي تناولت الوضع في السودان في جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن، على ضرورة احترام جميع الأطراف الدولية والإقليمية لسيادة السودان وعدم التدخل في الأزمة بشكل يؤدي إلى تأجيج الصراع وإراقة المزيد من الدماء.

واستعرض وزير الخارجية مجمل الاتصالات التي أجراها مع نظرائه بعدد من الدول الفاعلة والمؤثرة دولياً وإقليمياً، مؤكداً وحدة رسالة المجتمع الدولي الداعية إلى ضرورة وقف الاقتتال الدائر حمايةً لمقدرات الشعب السوداني الشقيق، وحفاظاً على سلامة السودان ووحدته ومؤسساته الوطنية.

ونقل وزير الخارجية إلى المبعوث السوداني قلق مصر البالغ من استمرار الوضع الحالي في السودان، مشيرا أن القاهر لن تألو جهداً في سبيل مساعدة الأشقاء في السودان على تجاوز تلك المحنة انطلاقاً من إيمانها الراسخ بوحدة المصير والتاريخ المشترك بين شعبي وادي النيل.

ولم تتوقف مصر للحظة عن تقديم كل ما في وسعها من أجل حل الأزمة السودانية، ووقف الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تمردت على الجيش، فبعد أيام قليلة من بدء الاقتتال، أطلق الرئيس السيسي نداء دعا خلاله الأطراف السودانية إلى وقف الحرب، مؤكدا استعداد مصر للعب دور وساطة، بهدف إنهاء الاقتتال الذي يشهده السودان حالياً، ولاقت دعوة الرئيس للأطراف السودانية لحقن الدماء والاحتكام للمفاوضات وإعلاء المصلحة العليا للوطن، ردود أفعال إيجابية على المستوى الدولي والمحلي، نظراً لأن الموقف المصري لم يخضع لأي حسابات أو مصالح آنية ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وتغلب عليه العقل والحكمة في التعامل مع الأشقاء من دول الجوار، والهدف منه العمل علي تقريب وجهات النظر من أجل الحفاظ على وحدة الدولة وقوة مؤسساتها.

الدور المحوري المصري أشاد به الداخل السوداني أيضاً، حيث قال المستشار خالد محمد علي، القائم بأعمال السفارة السودانية في العاصمة البريطانية لندن، إن دور مصر أساسي في التوصل إلى حل للأزمة الراهنة في السودان، مؤكداً أن القاهرة تدرك أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في السودان.

وأظهرت أفعال القاهرة وتصريحاتها خلال الأزمة السودانية أنها تقف على "مسافة واحدة من الجميع"، حيث أكد الرئيس السيسي خلال اتصال تلقاه من رئيس جنوب السودان سيلفا كير، أنه "أجرى اتصالات مستمرة بالجيش السوداني وقوات الدعم السريع، من أجل حثهما وتشجيعهما على وقف النار وحقن دماء السودانيين، وصولا إلى تفاوض يؤدي إلى استعادة الاستقرار".

نجحت مصر خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ وصول الرئيس السيسي إلى الحكم، في رعاية الكثير من العديد من المصالحات السياسية في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة، كخطوات يمكن البناء عليها من أجل تسويات شاملة، وهو ما كشف مدى ثقل الدولة المصرية بالمنطقة كقوة لا يمكن الاستهانة بها وتجاهلها في ظل ما تعيشه المنطقة من فوضى وانتشار للسلاح والإرهاب.

ومن هنا تعول القاهرة على نجاح وساطتها السابقة في الكثير من النزاعات، وتنسيقها مع عدد من الجهات دولية والإقليمية والعربية جهودها، للضغط على الأطراف المتحاربة في السودان لوقف المعارك المنتشرة في عموم البلاد.

من ناحية أخرى، تستمر الدولة في تسخير كامل طاقاتها لإعادة مواطنيها من السودان بالتنسيقِ مع السلطات في الخرطوم، وذلك عن طريق متابعة دقيقة واجتماعات مكثفة متتالية لخلية الأزمة التي تم تشكيلها للعمل على إجلاء المصريين من السودان، حيث نجحت الدولة والجهات المعنية في إجلاء نحو 7 آلاف مواطناً مصرياً من خلال المعابر البرية بين مصر والسودان.

وعملت الدولة على توفير كافة الإمكانيات لتسهيل عملية عبور القادمين من السودان، سواء كانوا مصريين أو يجملون جنسيات أخرى، وهو ما ظهر في معبر "أرقين" البرى بين مصر والسودان، حيث تم توفير خدمات طبية وإنسانية قدمت لكل المتواجدين داخل المعبر.

وقال أحد الشباب المصريين العائدين من السودان مؤخراً: "الرئيس عبد الفتاح السيسي إنسان وبطل، وجميع العائدين من السودان يتقدمون بكل الشكر له وللجيش المصري، السفارة والجميع لم يقصروا معنا وأرسلوا لنا الباصات ومنها إلي المطار، والحمد لله علي سلامة وصولنا".

وأوضحت سيدة عائدة من السودان: "أنا مبسوطة جدًا علشان رجعت بلدي ووطني مصر، ومكنتش مصدقة إني هرجع تاني، وأشكر الرئيس السيسي الإنسان الذي لا يفرق بين أحد في أبناء الوطن، وربنا يخليه لمصر ويطول في عمره".

وتحركت أجهزة الدولة من أجل منح استثناءات عديدة للعائدين من السودان، وهو ما كشفه الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، خلال اجتماعه عقده الثلاثاء الماضي، مؤكدا أن الوزارة اتخذت عدد من القرارات اللازمة لتيسير الإجراءات على طلاب الثانوية العامة في مدارس البعثة التعليمية المصرية في السودان والعائدين منهم لمصر.

ووجه الوزير باستقبال طلاب الثانوية العامة المصريين العائدين من السودان لتسهيل كافة الاجراءات الخاصة بتسكينهم في مدارسهم السابقة لتأدية امتحانات نهاية العام الدراسي الجاري، كما وافق الوزير على السماح للطلاب الذين يرغبون في تأجيل امتحانات نهاية العام إلى الدور الثاني مؤكدًا على أنهم سيحصلون على الدرجات الفعلية كاملة.

وأكدت وزارة التربية والتعليم أنه يجب على الطلاب العائدين من السودان الراغبين في الالتحاق بمنظومة التعليم المصرية إجراء معادلة بالإدارة العامة للامتحانات بديوان عام الوزارة، حيث فتحت الوزارة باب التسجيل لطلاب نظام التعليم السوداني لأداء الامتحانات نهاية العام الدراسي الجاري واستثنائهم على الرغم من انتهاء موعد التسجيل.

في سياق متصل، فتحت مصر ذراعيها للأشقاء السودانيين الفارين من الحرب، لتستقبلهم بكل ترحاب، حيث وجهت إحدى السيدات السودانيات المتواجدة في معبر "أرقين" الشكر إلى "مصر والرئيس السيسي والقوات المسلحة المصرية على الجهد الكبير لإعادة جميع العالقين بالسودان إلى بلدها الثاني مصر"، مشيرة إلى أنه  تم توفير المياه والأكل والشرب لهم واستقبالهم بالورود في المطار.

وأوضح حامد الحلفاوى، مواطن سودانى، أنهم نجوا بأنفسهم من الموت في السودان، لأن الضرب والنيران كانت محيطة بهم في كل مكان، وتحديداً في الخرطوم العاصمة، مؤكدا أن " الأهالي أضطرت للنجاة بأرواحهم واصطحاب أسرهم وأطفالهم الصغار والنزوح بهم إلى مصر عبر الطريق البرى بأسوان، فهي أول البلاد اليى خطرت على بال أهل السودان لأن مصر هي وطن السودانيين الثاني وأهلها هم أشقاء السودانيين وتربطهم بهم أنساب وصهر خاصة فى جنوب مصر وشمال السودان".

وأكد المواطن السودانى، أن أشقائهم المصريين استقبلوهم أفضل استقبال والمسؤولين في المعابر الحدودية لم يقصروا في الترحيب والسماح بدخول السودانيين والجنسيات المختلفة القادمة من السودان في ظل الظروف الراهنة، موضحاً أن المواطن السوداني شعر بالأمان لحظة دخوله الأراضي المصرية لأنه بلدهم الثاني، متمنياً من الله أن يعود الاستقرار والهدوء إلى بلادهم السودان مرة أخرى حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وأرضهم.

هذا الاستقبال والترحاب المصري بالأشقاء السودانيين، قابله رسائل  شكر وتقدير رسمية من الجانب السوداني إلى الحكومة المصرية؛ فخلال زيارة المبعوث السوداني إلى القاهرة نقل إلى وزير الخارجية رسالة شفهية من رئيس مجلس السيادة السوداني للرئيس عبد الفتاح السيسي، قدم خلالها الشكر لمصر حكومةً وشعباً على استقبالها بكل مودة وترحاب للمواطنين السودانيين الفارين من نيران الحرب، وهو ما عقب عليه وزير الخارجية بأن توجيهات رئيس الجمهورية لجميع أجهزة الدولة المعنية منذ اليوم الأول، هي توفير أكبر قدر من الرعاية وحسن الضيافة للأشقاء السودانيين.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق