يوسف أيوب يكتب: صفحة عربية بيضاء تخلو من الخلافات العربية البينية

السبت، 27 مايو 2023 08:00 م
يوسف أيوب يكتب: صفحة عربية بيضاء تخلو من الخلافات العربية البينية

لملمة الشمل وعودة سوريا لمقعدها الخالى مهدت لنجاح قمة جدة.. والعرب فكروا في المستقبل بالاعتماد على الجهود المشتركة لصياغة حلول حاسمة 

الرئيس السيسي حدد أحد أهم الأهداف بتأكيده أن الحفاظ على الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها فرض عين وضرورة حياة لمستقبل الشعوب ومقدراتها
 
 
كل الشواهد التي أحاطت بالقمة العربية الـ32 التي عقدت بمدينة جدة الجمعة الماضية، وكل المعطيات السابقة لها، سارت في اتجاه واحد، أننا أمام بداية جديدة لسياسة عربية بيضاء تخلو ولو جزئياً من الخلافات العربية البينية، وبداية للملمة الشمل العربى يفتح صفحة جديدة لا يعكر صفوها سوى بعض المنغصات التى يمكن تجاوزها بإرادة تأخذ فى حسبانها أن الوقت حان للتجمع وليس لمزيد من الشعارات وانما لتحقيق مصالح غابت عنا لسنوات طويلة.
 
كما لا يقلل مما حدث قبل وأثناء القمة العربية، وجود بعض المؤرقات الداخلية فيما يحدث ببلدان شقيقة مثل السودان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان، فالقمة تستهدف في الأساس تقوية وتدعيم العلاقات العربية العربية، والحفاظ على الأمن القومى العربى والاستقرار الأقليمى. بالطبع فإن ما يحدث في بعض البلدان العربية يؤثر على الأمن القومى الإقليمى، لكن لا يمكن اعتباره تدمير كامل لمنظومة الأمن والاستقرار العربى.
 
في المجمل يمكن القول أن ما جرى مؤخرا كلها إشارات وشواهد ودلائل على أن هذه القمة وقفت طويلاً أمام حجم التحديات، وحاولت أن تضع الحلول للأزمات، منطلقة من الأساس الأول لها، وهو حل الخلافات العربية البينية.
 
ولكى تصل القمة العربية لما وصلت إليه في جدة، كان هناك جهد كبير بذل من كافة الدول العربية، لتنقية الإجواء، وتصحيح مسار العلاقات العربية العربية، وصولاً إلى إعادة سوريا إلى مقعدها الخالى بجامعة الدول العربية منذ 2011، فقد تابعنا على مدار الأسابيع السابقة للقمة تحركات دبلوماسية كبيرة بذلتها مصر والأردن والسعودية، لإعادة دمشق إلى الحاضنة العربية، وهو جهد ترافق أو تزامن مع تغيرات في الأولويات السورية أيضاً، وإعلاء من جانب دمشق للمصالح العربية، وفى نفس الوقت الاستجابة لمطالب السوريين الذين ضاقت بهم السبل، وليس أمامهم سوى الاحتماء ببلدهم.
 
ما انتهت إليه القمة، من قرارات ومقررات، ربما كانت معلومة لنا مسبقاً، فالفضية الفلسطينية لاتزال وستظل القضية المركزية للامة العربية، كما أن العرب مهمومين بأوضاعهم الداخلية، لذلك فإنهم يركزون على الحلول.
 
لكن الذى جد في هذه القمة، أننا لأول مرة ندخل قمة ونخرج منها دون مزيد من الخلافات، بل كان واضحاً منذ البداية تيقن الجميع أن اللحظة الحالية فارقة، ليس فقط في مصير كل دولة على حدا، وإنما في مصير ومستقبل الأمة العربية بأكملها، فخطوة التقارب السعودى الإيراني، يخطئ من يظن أنها شأن سعودى فقط، وإنما هي جزء من الأمن القومى العربى والاستراتيجية المستقبلية، شأنها في ذلك أيضاً شأن المسار الجديد للعلاقات التركية المصرية، فكل هذه المستجدات لا يمكن النظر لها باعتبارها قضايا خاصة بالدول الأطراف فيها فقط، لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشكل المنطقة مستقبلاً.
 
لذلك فالشواهد كلها أكدت أن قمة جدة كانت تركز على المستقبل، وطى صفحة الماضى ولو مؤقتاً.
 
المستقبل هنا يكون له أسس واضحة، ومن هنا وقفت طويلاً أمام كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لإنها للحقيقة كانت تستشرف المستقبل باستراتيجيات واضحة، تأخذ في الحسبان كل المتغيرات المحيطة بنا، وأيضاً احتياجات العرب ومتطلباتهم.
 
الرئيس السيسي، كما سبق وأكد، وضع يديه على لب القضية وهدفها، حينما قال إن الحفاظ على الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها فرض عين وضرورة حياة لمستقبل الشعوب ومقدراتها، مشددا على أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، لذلك فإن الاعتماد على الجهود المشتركة لصياغة حلول حاسمة لقضايانا أصبح ضرورة ملزمة.
 
وقال الرئيس السيسي: "لقد مرت منطقتنا، خلال السنوات الأخيرة، بظروف استثنائية قاسية هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية وأثارت في نفوس ملايين العرب، القلق الشديد، على الحاضر ومن المستقبل، ولقد تأكد لكل ذي بصيرة، أن الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، فرض عين وضـرورة حياة، لمسـتقبل الشـعوب ومقدراتـها فلا يستقيم أبدا، أن تظل آمال شعوبنا، رهينة للفوضى، والتدخلات الخارجية، التي تفاقم من الاضطرابات، وتصيب جهود تسوية الأزمات بالجمود"، مؤكداً أن الاعتماد على جهودنا المشتركة، وقدراتنا الذاتية، والتكامل فيما بيننا، لصياغة حلول حاسمة لقضايانا، أصبـح واجبا ومسـئولية، كما أن تطبيق مفهوم العمل المشترك، يتعين أن يمتد أيضا، للتعامل مع الأزمات العالمية وتنسيق عملنا، لإصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية، وفي القلب منها؛ مؤسسات التمويل، وبنــــوك التنميــة الدوليـة التي ينبغي أن تكون أكثر استجابة، لتحديات العالم النامي أخذا في الاعتبار، أن حالة الاستقطاب الدولي، أصبحت تهدد منظومة "العولمة"، التي كان العالم يحتفى بها وتستدعي للواجهة، صراعا لفرض الإرادات، وتكريس المعايير المزدوجة، في تطبيق القانون الدولي".
 
واستطرد الرئيس السيسي بقوله إنه "مع إدراكنا، أن الأمن القومى العربي، هو كل لا يتجزأ فقد حان الوقت، لأخذ زمام المبادرة للحفاظ عليه بما في ذلك من خلال الخطوات المهمة، التي بادرت بها دولنا في الفترة الماضية لضبط إيقاع العلاقات مع الأطراف الإقليمية غير العربية، التي نتطلع منها لخطوات مماثلة وصادقة بما يسهم، في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة"، مشدداً على أن "مصر، بما عهدتموه عنها على الدوام، ستدعم بكل الصدق والإخلاص، جميع الجهود الحقيقية، لتفعيل الدور العربي إيمانا منها، بأن المقاربات العربية المشتركة، هي الوسيلة المثلى، لمراعاة مصالحنا، وتوفير الحماية الجماعية لشعوبنا، ودفع مسيرة التنمية، خطوات كبيرة للأمام".
 
هذه استراتيجية واضحة لمستقبل المنطقة العربية، يكون الأساس فيه الحفاظ على الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها، وأيضاً الاعتماد على الجهود العربية المشتركة لصياغة حلول حاسمة لقضايانا، والا ننتظر لحلول تأتينا من الخارج.
 
نفس المنطق اقترب منها الرئيس السوري بشار الأسد، الذى قال إن العرب أمامهم فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شئونهم بعيدا عن التدخلات الخارجية، وكان لافتاً أن الأسد حاول توصيل رسالته بخطاب حمل الكثير من التعبيرات الأدبية، خاصة حينما قال إن "علينا نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ولا نغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب"، لكنه في النهاية وصل إلى بيت القصيد وهو "أن التهديدات فيها مخاطر وفرص، ونحن اليوم أمام فرصة بتبدل الوضع الدولي، حيث يتبدل العالم إلى متعدد الأقطاب كنتيجة لهيمنة الغرب".
 
وكرر الأسد الأمر بقوله "إننا أمام فرصة تاريخية لترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي وهو ما يتطلب إعادة وضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزءا فاعلا فيه، مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة، هي فرصة لترسيخ ثقافتنا في مواجهة الذوبان القادم مع الليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان والتي تجرده من هويته، ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري"، مشيراً إلى أن العمل العربي المشترك بحاجة إلى رؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة، ليتم تحويلها لاحقا إلى خطط تنفيذية موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة، عندها سننتقل من رد الفعل إلى استباق الأحداث.
 
هذا بعض مما قيل في القمة، ومن الواضح أننا أمام مستقبل سيشهد كثير من التغيرات في المنطقة بصناعة عربية، يعتمد في الأساس على التفاهم المصرى السعودى، والإيمان من بقية الأشقاء العرب بأن الوقت حان لبدء التفكير في المستقبل بواقعية وحضور عربى، بعيداً عن أية مؤثرات خارجية.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق