تحذير للأسر وأولياء الأمور قبل انطلاق الماراثون السنوى للموضوع الثانوى

السبت، 10 يونيو 2023 06:25 م
تحذير للأسر وأولياء الأمور قبل انطلاق الماراثون السنوى للموضوع الثانوى
أشرف ضمر

الضغط النفسى على طالب الثانوية يدفعه للجنون لا النجاح.. وأكذوبة كليات القمة أكبر خطر يلاحق مستقبل الطلاب

 

أيام قليلة تفصلنا عن ماراثون امتحانات الشهادة الثانوية، وكلنا نعرف أن "الثانوى"، فى اللغة، هو اسم منسوب إلى كلمة "الثانى"، وهذا الثانى، هو ما يعقب الأول فى الدرجة والمكانة والأهمية، كما أن كلمة "الثانوى" تطلق على كل أمر تقل خطورته وأهميته عن الأمر الأساسى والأول.

وهو ما يكاد أن ينطبق تمام الانطباق على تلك المرحلة "الثانوية" فى حياة أبنائنا من طلاب تلك المرحلة - العادية - التى بالغ الكثيرون فى أهميتها وخطورتها، لدرجة إعلان حالة الطوارئ وشد الأعصاب لدرجة إتلافها وتدميرها، فى أى منزل به طالب يستعد لإتمام شهادته الثانوية.

هناك قاعدة تقول إن حياة الإنسان هى ناتج جمع وتراكم كل قراراته، الخاطئ منها والصحيح، تلك القرارات الناجمة بدورها عن مفاهيم وأفكار، تؤدى لاختيار ما، وتفضى بصاحبها لاتخاذ هذا القرار الذى من شأنه أن يدفع حياته دفعا لمسار بعينه، يرفعه أو يضعه.

وعليه فمفهوم الإنسان عن شيء ما، أى شيء، هو ما يجعله يتصرف ويتحرك للأمام أو للخلف، هو ما يجعله ناجحا أو فاشلا، سعيدا أو تعيسا، وذلك هو مربط الفرس، ولب القضية برمتها، فالمسألة ليست امتحانات مثل غيرها مضت ومرت على طالب الثانوية فى سنوات تعليمه الأولى، بداية من الحضانة، مرورا بالابتدائية والتعليم الأساسى، ثم الإعدادية، وصولا - وليس انتهاء - بالشهادة الثانوية، فالمسألة لدى البعض أعمق وأخطر واعقد من هذا التصور بكثير.

 وهذا هو مفهومهم وفكرتهم، عن تلك السنة التى يرونها مفصلية ومصيرية، مسألة حياة أو موت، بالنسبة لهم، وبالتالى يبدأون التخطيط لها ليس قبل الامتحانات، بل قبل الدراسة نفسها، فى إجازة الصيف، ليبدأوا السباق مبكرا جدا، آملين فى قطع أشواط النجاح وبلوغ الهدف قبل غيرهم بكثير، وما إن تبدأ الدراسة، فيتعاقدون مع سناتر الدروس الخصوصية، ومافيا الملازم والملخصات، ومنصات التعلم الإلكترونى عن بعد، التى تتيح لزبائنها كتيبة من المدرسين فى كل مجال، ولكل مادة مبلغ شهرى كبير يفوق إمكانيات رب الأسرة التى قد يبلغ عددها خمسة أو ستة أفراد، مع وعد بتقديم خصم تافه لا يتعدى الـ3% على مجموع المبلغ المطلوب إجماليا لو تم التعاقد على المواد كلها، بشرط الاشتراك  الفورى والدفع المسبق حتى لا تضيع الفرصة الخزعبلية ويندمون عليها، علاوة على شحن باقة إنترنت شهرية غير محدودة لتصمد أمام استهلاك غير طبيعى للميجا بايتس، ومتابعة دروس تلك المنصات على اليويتيوب بالساعات، وإعادتها، وتكرارها، مع المواظبة على فعل ذلك يوميا طوال السنة، إضافة إلى مصروفات الدراسة نفسها، وتكاليف الذهاب والحضور، والتحصيل والتجميع، كل هذا مع الاستمرار فى سير البيت بمصاريفه الجنونية التى لا تنتهى، وفى ظل ارتفاع فلكى فى أسعار السلع والخدمات بعل تأثرات اقتصادية لا تخفى على أحد، وموجة تضخم عالمية ضربت الأسعار فى عشرة أضعاف.

أولياء الأمور – بدورهم – يضعون خطة قاسية للتقشف، ويطبقون فيها مبدأ الحرمان على أنفسهم من كل شىء من أجل طالب الثانوية الذى سيأتى بما لم يأتى به الأوائل، وحتما سيعتقل ديب القمة من ذيله، وبالتدريج يمتد هذا الحرمان إلى أبنائهم أنفسهم، فهم فى ثانوية عامة، ومطلوب منهم أن يقدروا حجم تضحيات أهاليهم الكبيرة، ومطلوب منهم لا أن ينجحوا مجرد نجاح واجتياز فحسب، بل أن يتفوقوا على الجميع، ويا حبذا لو اتصل بهم الوزير ليهنئهم بالنجاح الكبير، وكرمهم المحافظ لإنجازه غير المسبوق، والوزير لا يتصل إلا بالأوائل على مستوى الجمهورية، والمحافظ لا يلتقى إلا بالنوابغ من أبناء محافظته.

 كل هذا الضغط النفسى على طالب الثانوية يدفعه للجنون لا النجاح، للنفاق لا التفوق، للغش والتحايل واتخاذ أى وسيلة، مشروعة احيانا، وغير مشروعة كثيرا، لتحقيق الغاية الغالية التى فى سبيلها ضحى الجميع بالغالى والنفيس، فتظهر جروبات الغش وتسريب الامتحانات، مهما بلغت درجات الحيطة الأمنية، والترهيب من سوء مصير من يفعل وضياع مستقبله وحرمانه من شرف الوصول للكلية، ومهما بلغ حرص الوزارة على محاربة الغش ومكافحته بشتى القوانين المغلظة والعقوبات المشددة، فالهدف كبير والمخاطرة مطلوبة، والطيش متوافر بغزارة فى طلاب الثانوية، المراهقين بطبيعة سنهم، المغامرين وفقا لمعايير تفكيرهم الجامح، فصورة الأب الكادح فى مخيلتهم لا تفارقها، لكن المناهج ثقيلة وكثيرة ومتشعبة وجامدة وتحتاج لعباقرة للإلمام بها، لا إلى تلاميذ فى مقتبل عمرهم مطالبون بالتفوق ومقابلة المحافظ وانتظار اتصال الوزير.

وهنا يضع خبراء التعليم، أياديهم على وهم كليات القمة، فينسفون تلك الأكذوبة التاريخية من أساسها، نافين وجود شىء بهذا المسمى، "كليات قمة"، ملخصين المسألة كلها، فى وجود طالب متفوق فى دراسته - أيا كانت تلك الدراسة - التى يجب أن يدرسها بشغفه نحوها، وبدافع المعرفة والتعلم الحقيقى، ففى هذ الحالة سيبدع ويضيف ويبتكر فى دراسته، ويكون مصدر فخر لأهله ولنفسه، ووطنه ومجتمعه، فى ظل جمهورية جديدة تستثمر فى الإنسان وتراهن على المستقبل الخالى من العاهات الذهنية التى ما زالت تعتنق مفاهيم عفا عنها الزمن، جمهورية العلم والتقدم والتكنولوجيا الفائقة والإنتاج الغزير، لا العاطلين من ذوى المؤهلات والباحثين عن فرصة عمل حكومية، دون أن يعلموا أن الميرى الذى بعانى من تخمة وترهل إدارى، لم يعد بحاجة للمزيد من المتمرغين فى ترابه.

أما خبراء التربية فيرون أن العقل الجمعى لأولياء الأمور يقع فى خطأ فادح، خطأ جماعى، فدون قصد منهم يرتكبون جريمة عظمى فى حق أجيال تستشرف المستقبل، عندما يربط هذا العقل الجمعى مكانة الفرد فى المجتمع بنوع الدراسة والكلية التى يلتحق بها وهو ما يجعل كليات معينة تشتهر بكليات القمة ويرتفع الإقبال عليها وهى بالتالى بها أماكن محدودة فى فرقتها الأولى، ووفقا لقانون العرض والطلب، يرفع التنسيق درجات القبول بها حتى يكاد يلامس سقف المجموع النهائى، لأنها كلية قمة، وحين يلتحق الطالب بغيرها، سيشعر بالخزى والخجل، وربما بالعار المجتمعي، وهذا قطعا يدل على مجتمع أبوى، متسلط إلى حد كبير، لا يعطى الفرصة لأبنائه للتعبير عن رغباتهم وأحلامهم وطموحاتهم، مجتمع يعامل أبناءه معاملة الوصى للسفيه.

وكلنا نذكر المثال الشهير، للطالب الذى حصل على مجموع عال يؤهله لدخول كلية الطب، لكنه يرغب فى الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لأن موهبته تناديه من أعماقه فى كل لحظة، ويرى نفسه فنانا لا طبيبا، لكنه يواجه بتقريع لا مثيل له من القريب قبل البعيد، من الأباء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء، ناهيك عن نظرة المجتمع لذلك المخبول التافه الذى يرفض الطب ليدرس الرسم.

قديما قالوا: "على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح"، فبالتالى على طالب الثانوية الأخذ بكل أسباب النجاح والعمل الجاد فقط، دون النظر لنتيجة التنسيق، ودون توتر أو ضغط فهى فى النهاية مرحلة "ثانوية" فى حياته العملية التى تنتظره مستقبلا، لذا عليه أن يستثمر فى نفسه ويحقق أحلامه هو، لا أحلام أبيه ولا أمه، وألا يلتفت لنظرة المجتمع إليه طالما لم يجانبه الصواب أو يضل الطريق، فالنجاح الحقيقى هو أن يكون الإنسان نفسه فقط.  

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة