ثورة 30 يونيو الملهمة.. الحفاظ على "الدولة الوطنية" شعار حارب من أجله المصريين وسار على خطاه العرب

السبت، 17 يونيو 2023 07:30 م
 ثورة 30 يونيو الملهمة.. الحفاظ على "الدولة الوطنية" شعار حارب من أجله المصريين وسار على خطاه العرب
محمود علي

نجاح الثورة المصرية دفع الأشقاء إلى التصدي لكل المشروعات الدولية والإقليمية في المنطقة.. فنجحت تونس وليبيا وسوريا والعراق في مواجهة الجماعات الإرهابية

دعم المؤسسات فرض عين وضـرورة حياة.. ورفض ترك آمال الشعوب رهينة للفوضى والتدخلات الخارجية

"لقد تأكد لكل ذي بصيرة، أن الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، فرض عين وضـرورة حياة، لمسـتقبل الشـعوب ومقدراتـها فلا يستقيم أبدا أن تظل آمال شعوبنا رهينة للفوضى والتدخلات الخارجية، التي تفاقم من الاضطرابات، وتصيب جهود تسوية الأزمات بالجمود".. تلك كانت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الأخيرة التي انعقدت مايو الماضي في مدينة جدة السعودية، والتي أشارت بوضوح إلى مدى الوعي المصري بما يحاك ضد الدول الوطنية في منطقتنا العربية والإقليمية؛ من مؤامرات أرادت لأوطاننا ومؤسساته السقوط في فخ الفوضى والاقتتال الداخلي، الانشغال دائماً بالأزمات حتى لا تنهض مجتمعاتنا، وتستمر في العيش تحت رحمة التدخلات والتسلط الخارجي.

وخلال العقد الماضي ومنذ أن تولى الرئيس السيسي منصبه، نجحت مصر في أن تحافظ على مفهوم "الدولة الوطنية" عبر نشر الوعي بين مواطنيها مرسخة الكثير من المبادئ التي كانت من ضمن أولوياتها الحفاظ على الدولة واستقرار أركانها ومؤسساتها، ومواجهة كافة المخططات التي تسعى إلى بث الفتنة بداخلها، والنيل من إنجازاتها والتقليل من حجمها، لتصبح التجربة المصرية ملهمة للكثير من التجارب المشابهة في الدول العربية والتي عانت هي الأخرى من انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.

ونجحت التجربة المصرية في استغلال قوة الدفع التي تلقتها من ثورة 30 يونيو للتصدي لكل المؤامرات الخارجية ليكون لديها القدرة في تثبيت أركان الدولة الوطنية، ما دفع الدول العربية إلى الاستلهام بالتجربة ونجاحها وبدلاً من أن تستسلم هي الأخرى للمخططات الهادفة إلى الانقسام والهدم ونشر الإرهاب، واجهت كل ذلك بضراوة حتى انتصرت بالفكر والوعي لتبقى "الدولة الوطنية" هي السائدة، وأي حديث حول التشكيك في هذا المفهوم كان محل رفض واستنكار من المجتمعات قبل الساسة والمسؤولين في تلك الدول.

ودائماً ما يلقي الرئيس السيسي الضوء في المحافل الدولية والعربية والإقليمية على هذا الملف مطالباً بمزيد من "الوعي العربي" بما يحاك ضد الأمة من مخططات لطالما ركزت على تشتيت جهودنا والانشغال عن قضايانا المركزية، فقال الرئيس السيسى خلال القمة العربية الأخيرة "لقد مرت منطقتنا، خلال السنوات الأخيرة، بظروف استثنائية قاسية هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية وأثارت في نفوس ملايين العرب، القلق الشديد، على الحاضر.. ومن المستقبل".

وهنا حديث الرئيس يأتي من واقع الخبرة المصرية في التعامل مع الداخل المحلي خاصة بعد ثورة 30 يونيو، مباشرة والتعامل المميز من القيادة المصرية مع الأوضاع، فبخلاف نشر الوعي لدى المجتمع ومعرفته بخطورة المرحلة في معركة "الفهم"، تحركت القاهرة على كل المحاور من أجل إفشال كافة المخططات الساعية إلى تحويل المناطق الحدودية إلى نقطة تمركز للإرهابيين، وذلك جاء بالتوازي مع التحرك خارجياً لمنع تدفق الجماعات المسلحة والإرهابية إلى ساحات القتال بالمنطقة العربية، سواء كان الأمر فى سوريا وليبيا والعراق واليمن.

كل ذلك، ساهم بشكل مباشر في قطع أواصر الإرهاب، وتجفيف منابعه، حيث ساعدت التحركات المصرية الهادفة بالأساس إلى الحفاظ على "الدول الوطنية" إلى حرمان جماعات الإرهاب من التعاون فيما بينها، وذلك بضرب خطوط اتصالها من المنبع عن طريق الأجهزة المعنية، وكانت لدى مصر الكثير من العمليات الناجحة التي قبضت من خلالها على قادة تلك الجماعات وبعض أفرادها ومموليها السريين، مما حرمها من تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقسيم المنطقة، بالإضافة إلى ذلك كانت الدولة ملهمة في نشر الوعي لدى المجتمع بخطورة تلك الجماعات، خاصة وأن مثل هذه الكيانات تستغل الحماسة الشبابية المغيبة في جذب أكبر عدد من المخزون البشري لاستخدامهم في عملياتهم.

وكانت هناك محاولات عديدة من جماعة الإخوان لاختطاف الدولة المصرية بالتخلي عن ثوابتها ومبادئها بترسيخ مفهوم الدولة الوطنية وحماية الحدود، لكن الشعب كان داعما بكل قوة للدولة المصرية وأجهزته ومؤسساته الوطنية وعلى رأسها الجيش والشرطة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الدولة واستقرار اركانها ومؤسساتها، لتصبح الدولة من أكثر النماذج الديمقراطية والحضارية.

ونجحت الدولة بعد ثورة 30 يونيو، بشكل كبير في إعادة الثقة بمفهوم الدولة الوطنية، مقدماً الجيش المصرى ومن خلفه كل أجهزة الدولة وكل فئات المجتمع أن يقفوا أمام كافة المخططات التي وضعتها أجهزة أجنبية من أجل تشوية الدولة ومؤسساتها والتشكيك في قدرتها على عودة الاستقرار من جديد، ولعل محاربة جماعة الإخوان في مصر والقضاء على أنشطتها الإرهابية خير دليل على ذلك وهو دفع شعوب دول الوطن العربي، وتحديداً في دول الأزمات سوريا وليبيا والعراق أن تنظر إلى التجربة المصرية باستلهام مستطيعة هي الأخرى أن تواجه الإرهاب في دولها وأن تحقق الأمل بطرد جماعات التطرف للحفاظ على الهوية العربية وتثبيت أركان الدولة الوطنية، كما نجح الأمر فى مصر.

حتى أن نجاح الثورة المصرية في 30 يونيو، كان دافع قوي لكل الدول العربية للتصدي لكل المشروعات الدولية والإقليمية في المنطقة، ونجحت ليبيا ثم سوريا والعراق أيضاً في التصدي لتنظيم داعش  وجميع الكيانات الإرهابية المنضمة تحت رايته، التي تلقت لطمة قوية جراء تأكدها بأن مخططاتها ومساعيها لن يكتب لها النجاح بعد ما شهدته مصر من سقوط لجماعة الإخوان الإرهابية.

لم تقف مصر هنا، فبعد نجاحها في معركة الحرب على الإرهاب وتثبيت أركان الدولة الوطنية، أصبحت جراء تحركاتها ومواقفها الثابتة تجاه تطورات الأحداث في المنطقة؛ الواجهة الرئيسية التي من خلالها تحل جميع القضايا والملفات العالقة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث دأبت القاهرة على جمع الأشقاء من فلسطين وليبيا وسوريا والعراق بمختلف توجهاتهم من أجل السعي إلى التوافق في الرؤى ووضع صوب أعينهم مصلحة دولهم في المقام الأول.

ومن خلال هذه الاجتماعات التي استضافتها القاهرة، بين الأشقاء العرب، ساعدت مصر في الحفاظ على مفهوم "الدولة الوطنية" ليصبح شعارا ترفعه شعوب المنطقة العربية، ففي سوريا نجحت الدولة الوطنية في القضاء على أوهام خفافيش الظلام وذلك بفرض إرادتها بدعم عربي ومحلي داخلي ساعد في تهيئة الأجواء بين الأطراف المختلفة، وكان عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، خير دليل على أن السوريين يسيرون في الاتجاه الصحيح، وعلى الرغم من صعوبة المرحلة القادمة حيث تحتاج إلى تضافر الجهود والتنسيق بين جميع الأطراف من أجل خروج البلاد من محنتها بشكل كامل، إلا أن المؤشرات الحالية تشير بوضوح إلى أن الخير قادم لبلد شهدت خلال أكثر من عقد حرب ضارية ضد الإرهاب.

في ليبيا أيضاً رغم تعقيدات المشهد والانقسام الذي تشهده البلاد بين الشرق والغرب، لكنها على الأقل تشهد استقرارًا نسبياً، وذلك بعد نجاح وقف إطلاق النار للعام الثالث على التوالي والقضاء بشكل نسبي على الإرهاب في الكثير من المناطق التي كان يرتكز فيها بالجنوب والشرق والغرب، ما يجعل البلاد أقرب من أي وقت مضى لإجراء الانتخابات، ومن ثم القضاء على الميليشيات والجماعات المسلحة وإيقاف تدفق الأسلحة وطرد المرتزقة والمقاتلين الأجانب.

ومن أكثر الدول التي كانت شبيهة في أحداثها لمصر، هي تونس التي اتخذت من التجربة المصرية نموذجاً للتطبيق الفعلي على الأرض، حيث شهدت البلاد مرحلة خطيرة عرفت بأكثر الفترات صعوبة في تاريخها الحديث خلال حكم جماعة الإخوان، التي كانت تسيطر على البرلمان، وسطت على الحكومة غير مهتمة بالدولة ولا حدودها ولا المواطن ولا الديمقراطية كما تدعي، معتمدة في قيادتها للسلطة التشريعية والتنفيذية على قمع المواطنين والمعارضة وفتح المجال للمتطرفين والإرهابيين ومنحهما حرية التنقل على حدود الدولة ما جعلها خطراً على المنطقة العربية بأكملها.

لكن كان الشعب التونسي لها بالمرصاد، آخذاً في الاعتبار ما شهدته مصر من أحداث في أعقاب 30 يونيو، وما أعقبها من قرارات حافظت على أمن البلاد في إطار تثبيت أركان الدولة الوطنية، حيث كان 30 يونيو دافعا قوياً للتونسيين للنزول إلى الشوارع من أجل إسقاط جماعة الإخوان وذرعها السياسي حركة النهضة، ما أدى إلى اتخاذ الرئيس التونسي قيس سعيد يتخذ قرارات مصيرية والتي قطعت الطرق على الجماعة من أجل وقوع الدولة في فخ الفوضى. ولاقت قرارات الرئيس التونسي على مر العامين الماضيين ترحيبا واسعاً في الداخل التونسي، ففلم يكن نزول التونسيون بالآلاف في الشوارع، وما صاحبها من أفراح و"زغاريد" سوى تأكيد على التأييد الشعبي الواسع لما اتخذ، لما لها من تأثير إيجابي على الدولة التونسية نراه بأعيننا في الوقت الراهن من صياغة دستور أقيمت على أساسه انتخابات تشريعية أعادت للدولة هيبتها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة