إفريقيا بثرواتها للأفارقة.. الرؤية المصرية تحشد خلف وجود صوت إفريقي مؤثر وفعال داخل المحافل الدولية يحقق القدر المطلوب من التوازن

السبت، 05 أغسطس 2023 09:00 م
إفريقيا بثرواتها للأفارقة.. الرؤية المصرية تحشد خلف وجود صوت إفريقي مؤثر وفعال داخل المحافل الدولية يحقق القدر المطلوب من التوازن

شكلت مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة الإفريقية الروسية الثانية حلقة مهمة فى سلسلة متكاملة من التحركات والمشاركات المنسقة، التى تعكس رؤية القيادة المصرية لما يجب أن يكون عليه تموضع إفريقيا كقارة فاعلة فى النظام العالمي الجديد، وتحديدًا فيما يخص نمط علاقاتها مع القوى العظمى التى تسعى كل منها لتعزيز مناطق نفوذها، وجاءت كلمة الرئيس السيسى، فى الجلسة العامة للقمة واضحة وحاسمة، لتؤكد وبوضوح معنى أصيلاً مفاده أن إفريقيا بثرواتها يجب أن تكون للأفارقة، ويجب أن تبقى قارتنا بمنأى عن مساعى الاستقطاب فى الصراعات القائمة.
 
وهناك الكثير من المؤشرات التي تقود للقول إن المتغيرات الحاصلة بالتوازى مع الاتجاه لتشكيل نظام عالمى جديد قد تفرض تحديات وضغوطا على معظم القوى والأطراف الإقليمية والدولية، لكنها يمكن أن تمثل فى الوقت نفسه فرصة كبيرة للقارة الإفريقية بشكل خاص لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية والندية وتنمية شراكات اقتصادية قوية يتم توظيفها لصالح شعوب القارة، لذلك فإن نجاح إفريقيا فى تحقيق هذه الأهداف المشروعة يكتسب- فى هذه المرحلة بالغة الأهمية من تاريخ البشرية- قوة ورشدا أكبر وأعمق فى ظل وضوح الرؤية وحسن صياغة السياسات لدى قادة أفارقة بارزين فى مقدمتهم الرئيس السيسي، الذى يضع كل
يوم النقاط على الحروف فيصيغ كلمات لإنفاذ سياسات وخطط تضع إفريقيا في المكانة المأمولة التى يستحقها أبناؤها.
 
لذلك فإن الدفاع عن حقوق أبناء القارة الإفريقية كان ولا يزال على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية منذ تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم فى البلاد فى 2014، فكانت مصر على مدار السنوات التسع الماضية صوت إفريقيا المسموع والمؤثر أمام المحافل الدولية؛ للدفاع عن حقوق القارة السمراء فى التنمية والأمن والسلام، وفى قضايا مصيرية تتخطى فى تأثيراتها وتحدياتها حدود الحاضر لترسم صفحات المستقبل، فالقارة التى طالما عانت من الحروب والصراعات والفقر والأمراض على الرغم مما تذخر به من ثروات بشرية وطبيعية لم يعد مقبولا أن تظل فى مقعد متأخر بين مقاعد اللاعبين الفاعلين فى ظل نظام عالمى بازغ، بل حان الوقت كى يتوازى إنفاذ إرادتها مع حجم مواردها وطموحات شعوبها.
 
ومن سان بطرسبرج جاءت رسالة السلام المصرية، حيث أكد الرئيس السيسى فى كلمته أن مصر كانت دوماً رائدة وسباقة، في انتهاج مسار السلام، سلام الأقوياء القائم على الحق والعدل والتوازن، فكان هو خيارها الاستراتيجي الذي حملت لواء نشر ثقافته، إيماناً منها بقوة المنطق لا منطق القوة، وبأن العالم يتسع للجميع.
 
كلمة الرئيس السيسى تضمنت أيضا رؤية مصر بشأن الظرف الدولي الراهن، أهم المحاور التي ينبغى التركيز عليها، كأساس لتعميق التعاون القائم تحت مظلة الشراكة الاستراتيجية، حيث أشار إلى أن الدول الإفريقية ذات سيادة، وإرادة مستقلة، وفاعلة في مجتمعها الدولي، تنشد السلم والأمن، وتبحث عن التنمية المستدامة، التي تحقق مصالح شعوبها أولاً، ويتعين أن تبقى بمنأى عن مساعي الاستقطاب في الصراعات القائمة، وجاء ما ذكره الرئيس السيسى فى هذا الصدد بمثابة رسالة بأهمية عدم السعى لاستقطاب القارة السمراء فى ظل ما يشهده العالم حاليا من صراعات مباشرة أو بالوكالة بين قوى عظمى تتنازع مقاعد القيادة دونما اكتراث، لما تسببه هذه الصراعات من أضرار بالغة بمصائر وحياة شعوب أخرى من العالم.
 
وأوضح الرئيس السيسي- في كلمته- أن صياغة حلول مستدامة للصراعات القائمة في عالمنا اليوم، يتعين أن تتأسس على أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي بما في ذلك التسوية السلمية للنزاعات، والحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، بجانب ضرورة التعامل مع جذور ومسببات الأزمات، لاسيما تلك المتعلقة بمحددات الأمن القومي للدول، وكذا أهمية الامتناع عن استخدام الأدوات المختلفة، لإذكاء الصراع وتعميق حالة الاستقطاب، ومن بين ذلك توظيف العقوبات الاقتصادية خارج آليات النظام الدولي متعدد الأطراف.
 
وحدد الرئيس السيسي عناصر أساسية لما يتعين أخذه بعين الاعتبار، وفي المقدمة احتياجات الدول النامية، وعلى رأسها دول القارة الإفريقية فيما يتعلق بالتداعيات شديدة الوطأة على اقتصاداتها جراء الصراعات والتحديات القائمة، وبالتحديد في محاور الأمن الغذائي، وسلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة، وأكد في هذا الشأن أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد إفريقيا على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة تدعم النظم الزراعية والغذائية في إفريقيا، وقال "إنني لأتطلع للتوصل لحل توافقي بشأن اتفاقية تصدير الحبوب يأخذ في الاعتبار مطالب كافة الأطراف ومصالحها ويضع حداً للارتفاع المستمر في أسعار الحبوب"، كما أكد الرئيس السيسي أن التطورات الدولية المتلاحقة وتداعياتها التي باتت تمس كافة أرجاء عالمنا، تحتم وجود صوت إفريقي مؤثر وفعال، داخل المحافل الدولية القائمة، وبما يعمل على إيصال موقف الدول الإفريقية، ويحقق القدر المطلوب من التوازن عند مناقشة القضايا ذات التأثير المباشر على مصالحها.
 
ووجه الرئيس السيسي رسالة للجانب الروسى معربا عن تطلع مصر لأن تحظى المطالب الإفريقية في إطار مجموعة العشرين، وكذا مساعي إصلاح المؤسسات التمويلية الدولية، بدعم الشريك والصديق الروسي.
 
وباتت مصر فى عهد الرئيس السيسى بوصلة إفريقيا نحو العالم وبوصلة العالم نحو إفريقيا، وبينما ينطلق قطار التنمية فى مصر صوب الجمهورية الجديدة، يبقى الدفاع عن مصالح القارة الإفريقية وتحقيق التنمية العمل على تحقيق مصالح شعوبها وتطلعاتهم إلى مستقبل أفضل على رأس قناعات وأولويات مصر فى علاقاتها الخارجية، حيث يحرص الرئيس السيسى خلال جميع المناسبات واللقاءات والمؤتمرات والقمم على التركيز على حشد جهود المجتمع الدولي، من أجل دعم التنمية فى القارة السمراء، ومثلما ظهر هذا الحرص بجلاء فى قمة سان بطرسبرج فقد ظهر كذلك بجلاء خلال مباحثات الرئيس السيسى خلال أعمال القمة الإفريقية الأمريكية التي عقدت بواشنطن فى نهاية العام الماضي، حيث أشار الرئيس السيسي إلى أن القارة الإفريقية تحتاج إلى بنية أساسية قارية مكتملة الأركان، لدعم تنفيذ الجهود التى تستهدفها، وليكن ذلك من خلال مشروع دولي ضخم يحشد الموارد والدعم من الدول الكبرى والخبرات التنموية الدولية لبلورة رؤية شاملة لتلك البنية الأساسية، التي تعتبر حتمية لنجاح جهود التنمية فى القارة.
 
وفي ظل أزمة الغذاء التي يعانى منها العالم بأسره، سلط الرئيس السيسى خلال قمة واشنطن التي عقدت فى الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر الماضي الضوء على القارة الإفريقية، وما تعانيه من نقص فى الغذاء، حيث استعرض رؤية مصر لتعزيز الأمن الغذائي في إفريقيا.
 
رؤية مصرية لتعزيز الأمن الغذائى فى القارة من خلال خمسة محاور تتضمن الحاجة لمراعاة تأثير الأزمات الدولية على اقتصاديات دولنا، خاصة الدين الخارجي، ما يفرض وضع آليات لتخفيف عبء الديون عبر الإعفاء أو المُبادلة أو السداد المُيسر؛ تكثيف الاستثمارات الزراعية الموجّهة إلى إفريقيا لتطوير القدرات الإنتاجية والتخزينية لدولها عبر توطين التكنولوجيا الحديثة بشروط مُيسرة؛ ضرورة الحفاظ على انفتاح حركة التجارة العالمية؛ وتوفر اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية إطاراً لتعزيز التكامل بين دول القارة؛ دعم الدول الكبرى لدولنا لتعظيم الاستفادة منها بالاستثمار في البنية التحتية والمشروعات الزراعية.
 
الرئيس السيسى شدد كذلك على وجود ارتباط وثيق لا شك فيه بين الأمنين الغذائي والمائي، وتنظر مصر لهذا الرابط باعتباره أمناً قومياً، بما يحتم توافر الإرادة السياسية لصياغة أطر قانونية لضبط مسار التعاون بين الدول التي تتشارك الموارد المائية، وبما يسهم في تحقيق التنمية دون إلحاق ضرر ذي شأن، كما أكد أن تحقيق الأمن الغذائي يرتبط بجهود التكيّف المناخي، مشيرا في هذا الصدد إلى مخرجات قمة المناخ التي استضافتها مصر، وقال إن مصر أطلقت عددًا من المبادرات في مجال تمويل التكيف، ومنها إنشاء مركز القاهرة للتعلم والتميز حول التكيف والصمود بالتعاون مع الجانب الأمريكي، بالإضافة لمبادرة "الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام- فاست" مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، كما تم إيلاء أهمية خاصة لمحور الوفاء بالالتزامات بالتأكيد على التزام الدول المتقدمة بتوفير تمويل 100 مليار دولار سنوياً لمواجهة تغير المناخ، كما نجحت قمة المناخ في مصر في إنشاء- ولأول مرة- صندوق لتمويل الدول النامية لتجاوز خسائر وأضرار تغير المناخ معربا عن التطلع إلى بدء مسار تفعيل الصندوق بما في ذلك هيكله التمويلي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق