سيد درويش ... 100عام علي رحيل فنان الشعب

الأحد، 03 سبتمبر 2023 05:00 م
سيد درويش ... 100عام علي رحيل فنان الشعب
سيد درويش
ريهام عاطف

100 عام مرت علي رحيل فنان الشعب سيد درويش ، أحد أعظم الموسيقيين في مصروالعالم العربي ، فقد لحن وغنى العديد من الأغاني التي أصبحت جزءًا من التراث المصري مثل "شد الحزام" و "انا هويت" و "قوم يامصري" و "سالمة يا سلامة"، كما أنه هو من لحن النشيد الوطني المصري ، كما قاد نهضة موسيقية في مصر وشارك في حث الجماهير على الثورة ضد الإنجليز عام 1919. 
 
سيد درويش في شبابة
سيد درويش في شبابة
 
حياة سيد درويش
 
ولد سيد درويش في 17 مارس عام 1892، من أبوين فقيرين من عامة الشعب المطحون في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وكانت مصر يومئذ تابعة للخلافة العثمانية، وفي كتاب "سيدي أحمد الخياش" مكث عامين وفيها حفظ القرآن الكريم ثم انتقل إلى مدرسة "حسن حلاوة"، وكان بالمدرسة مدرس مغرم بالغناء، وكانت هواياته تلقين هذه الغنائيات لطلبته في المدرسة ، فكان سيد درويش أشد الطلبة إقبالا علي حفظ واستيعاب تلك الأنغام، وظهرت موهبته الغنائية بما يتفق ويتجاوب مع هذه الهوية التي اكتشفها المدرس، ليصبح سيد درويش رئيسا لفرقته ومدربا لغيره من الزملاء بالمدرسة ممن يحب الغناء ، وكان من أثر ذلك أن شاعت في نفس سيد درويش ثقته بنفسه، انتقل بعد ذلك إلي مدرسة شمس المدارس بحي راس التين وشاءت المصادفة أن أحد مدرسيها يعمل ليلا بفرقة الشيخ سلامة حجازي، ويحفظ قصائده فكان يلقنها لتلاميذه، واستطاع أن يكتشف موهبة سيد درويش من بينهم، فقربه إليه وتعهده بالرعاية الفنية ولقنه مجموعة من الأناشيد والسلامات ثم الألحان وقصائد الشيخ سلامة حجازي وهكذا كان الحظ حليفا لسيد درويش .
 
100 عام علي رحيل فنان الشعب سيد درويش
رحيل فنان الشعب سيد درويش
 
في عام 1905 التحق سيد درويش بالمعهد الديني بمسجد إبي العباس بالإسكندرية، ثم انتقل إلى مسجد الشوربجي ليستكمل دراسته بالسنة الثانية حيث استكمل حفظ القرآن الكريم وجوده، وتفوق علي أقرانه باسلوبه المتميز في تلاوة القرآن الكريم، وظل سيد درويش يؤذن للصلاة في هذا المسجد طيلة ذلك العام الدراسي، ذاعت شهرته بين مشايخ المعهد وطلبته واكتسب ودهم وصداقتهم .
 
وعقب ذلك بعامين توفي والده الحاج درويش البحر تاركا أسرة ليس لها موارد مالية ،ليجد سيد درويش وهو العائل الوحيد لأسرته نفسه مسئول عن أمه وشقيقاته، ففتح حانوتا للعطارة كان مكسبه قليلا، وذات يوم جمعة أغلق حانوته وذهب ليؤدي صلاة الجمعة في جامع إبي العباس، فطلب منه شيخ المسجد أن يقرأ سورة الكهف لتغيب المقرئ فاحسن سيد درويش وأجاد التلاوة ، ومنذ ذلك الوقت بدأت الخطوات الأولي لشهرته كمقرئ .
 
فصل سيد درويش من المعهد الديني 
 
كان إلتحاق سيد درويش بفرقة "جورج دخول" والتي كانت تسمي بفرقة "كامل الأصلي" ليؤدي ألحان الشيخ سلامة حجازي هو السبب في فصله من المعهد الديني ،علي الرغم من عدم أستمراره طويلا لحل الفرقة ، وعندما  اضطرته ظروف الحياة الملحة أن يعمل مناولا لعمال البناء ، كان يحاول في عمله ان يعبر عن آلامه وأحزانه بغناء بعض الألحان الفولكلورية التي كانت شائعة بين الأوساط الشعبية في ذلك الحين، ولاحظ المقاول زيادة الإنتاج ورغبة صادقة من عمال البناء في اقبالهم علي العمل كلما انطلق صوت سيد درويش بالغناء ، مما دفع المقاول الي اختيار سيد درويش ملاحظا للعمال علي ان يكتفي منه بالغناء لهم اثناء العمل .
 
الفنان سيد درويش
الفنان سيد درويش
ليصبح سيد درويش منذ هذه اللحظة مطربا لأول فرقة عمالية من زملائه عمال البناء وأثناء اندماج سيد درويش في غنائه للعمال، تشاء الأقدار أن يستمع اليه الاخوان سليم وأمين عطا الله وهما جالسان علي مقهي مجاورة فأعجب بأدائه الغنائي وصوته وعرضا عليه اتفاقا ليعمل معهما مغنيا في فرقتهما الجوالة التي كانت تستعد للسفر الي الشام فلم يتردد سيد درويش في قبول العرض .
 
سافر سيد درويش مع هذه الفرقة الي الشام مرتين عامي (1909 و 1912 ) وفي الرحلة الاولي لم ينجح سيد درويش بسبب سبق وجود الشيخ سلامة حجازي في الشام قبل رحلته، مما اضطره لمزاولة فن التمثيل في هذه الرحلة، فاكتسب خبرة في الأداء المسرحي كممثل وهذه التجربة والممارسة العلمية لفن التمثيل أفادته كثيرا عندما بدأ نشاطه في التلحين للفرق المسرحية .
 
 أما الرحلة الثانية عام 1912 فقد ساعدته علي استكمال بناء شخصيته الفنية، حيث سنحت له فرص الالتقاء ببعض كبار الموسيقيين أمثال الشيخ صالح الجذبة والشيخ علي الدرويش والاستاذ الكبير عثمان الموصلي وغيرهم ، فأخذ ضروبات وموازين موسيقية كثيرة وموسحات عربية قديمة ، كما تشبع بالكثير من أغانيهم فحفظها واتقنها واستفاد منها، ثم عاد إلى مصر بعد أن زار كل أنحاء الشام والعراق والأناضول وتركيا، وعاد مقتنيا زخيرة من الكتب الفنية والأدبية .
 
وقبل عزل الخديوي عباس حلمي الثاني كان سيد درويش قد تقدم بطلب يلتمس ترشيحه لبعثة فنية إلي الخارج يدرس فيها الموسيقي علي نفقة الحكومة المصرية وأرفق بطلبه دور ( عواطفك دي أشهر من نار ) الذي كانت بداية كل شطرة منه تبدأ بحرف من عباس حلمي خديوي مصر آملا في الموافقة علي طلبه، ولكن لم يستجب الخديوي لطلبه واكتفي بمنحه مكافأة مالية.
 
سيد درويش عبقري عصره
 
في عام 1914 مارس سيد درويش الغناء في المقاهي بالإسكندرية بعد أن تخير لنفسه مجموعة من العازفين ، نذكر منها مقاهي ( شيبان - سلامون - الإسماعيلية - السلام ) وفي عام 1917 انتقل سيد درويش للقاهرة وبدأ يشق طريقه الفني بصعوبة، وما كاد الشيخ سلامة حجازي يعرف بعض متاعب سيد درويش في الحياة حتي بادر الي اقامة حفل عرض فيه رواية( غانية الأندلس ) خصص ايراده له ، إلا أن سيد درويش - وكان عزيز النفس - اشترط ألا يأخذ شيئا إلا إذا قام بعمل يستحق عليه المكافأة، فسمح له الشيخ سلامة بالانشاد والغناء بين فصول الرواية ولكنه قوبل من الجمهور بفتور شديد .
سيد درويش والريحاني
سيد درويش والريحاني
 
في عام 1917 بدأ سيد درويش نشاطه في المسرح الغنائي بالتعاون مع فرقة جورج ابيض ، فلحن له روايتي (الهواري ) و( فيروز شاه )، ثم تعاقد مع فرقة نجيب الريحاني ولحن لها أجمل الأغاني ذات الطابع الشعبي والتي كتب أزجالها بديع خيري وغناها نجيب الريحاني ( كشكش بيه ) .
 
سيد درويش وثورة 1919
 
لم يكن سيد درويش  بعيدًا عما يدور حوله في بلاده فقد كان هو وجيله فنانون لديهم وعي وطني، وانفعل سيد درويش فنان الشعب بثورة شعبه عام 1919، فأوحت له تلك الثورة بألحان وطنية ثورية عاونت علي ايقاظ روح المقاومة الشعبية ضد الاستعمار البريطاني وضد الرأسمالية الأجنبية التي كانت تسعي دائما الي تحطيم القوي الوطنية ، وبالتالي كان أهم أهدافها إضعاف القوي العسكرية للجيش .
سيد درويش وثورة 1919
 
سيد درويش وثورة 1919
 
ومن الأناشيد والألحان الوطنية التي لحنها فنان الشعب: (دقوا الطبول) كلمات عبد الحليم دولار، (يا ناس بلادي ماانسهاشي) كلمات بديع خيري، (قوم يا مصري مصر دايما بتناديك) كلمات بديع خيري، (يا مصر يحميكي لأهلك ) كلمات بديع خيري، (أحسن جيوش في الأمم جيوشنا) كلمات محمود بيرم التونسي، (أنا المصري كريم العنصرين ) كلمات بيرم التونسي ، وغيرها من الألحان التي وصل عددها لأكثر من 22 لحنا.
مسرح سيد درويش
 
مسرح سيد درويش
ورغم عمره القصير إلا أن إنتاجه الموسيقي كان غزيراً جدا ومتنوعا بين القوالب المختلفة، حيث قدم أكثر من 40 موشحاً و100 طقطوقة و30 رواية مسرحية وأوبريت،فقد طور سيد درويش في الموسيقى الشرقية وخلق شخصية للموسيقى المصرية، كانت أساساً لكل ما تلا ذلك من موسيقى وألحان على مدار أكثر من 100 عام.
ومن أشهر أغنياته: "اهو ده اللي صار" و"بلادي بلادي" و"سلمى يا سلامة" و"زوروني كل سنة مرة" و"الحلوة دي قامت تعجن" و"اناهويت".
 
وفاة سيد درويش
 
لا تزال وفاة سيد درويش لغزا محيراً حتى اليوم، حيث توفي فجأه والرواية الأبرز ترجع سبب الوفاة إلى تسمم مدبر من الإنجليز بسبب أغانيه التي حثت الشعب على الثورة ضد الاحتلال.
 
ففي أوائل سبتمبر في 1923 ذهب درويش إلى مسقط رأسه بالإسكندرية لترتيب استقبال عودة الزعيم سعد زغلول من المنفى، إلا أنه بحلول يوم 9 سبتمبر رحل بشكل مفاجئ وغامض عن عمر يناهز الـ31 عاماً.
 
شارع سيد درويش
شارع سيد درويش
ويقول أحد أحفاده، محمد حسن درويش، إنه تم حمل جثمانه بسرعة إلى مثواه الأخير قبل أن يشعر أحد بموته، ويقول: "تم التعتيم على وفاته من الحكومة والاستعمار حتى لا تلتهب مشاعر الجماهير وتزداد ثورة الشعب، ولم يسر في جنازته إلا أقاربه وجيرانه".
 
وقد دفن سيد درويش في مقابر المنارة بالإسكندرية، وكتب على قبره: "يا زائري لا تنسني من دعوة صالحة.. وارفع يدك إلى السما واقرأ لروحي الفاتحة".
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق