التوقيت والمضمون.. قمة القاهرة للسلام عكست القدرة المصرية للسيطرة على حجم الدور الدولي بالقضايا الإقليمية

الأحد، 22 أكتوبر 2023 04:36 م
التوقيت والمضمون.. قمة القاهرة للسلام عكست القدرة المصرية للسيطرة على حجم الدور الدولي بالقضايا الإقليمية
قمة القاهرة للسلام

 
 
التوقيت والمضمون، هما عنصرا نجاج قمة القاهرة للسلام التي عقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة أمس السبت بحضور دولى لافت، تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى.
 
ففي التوقيت، جاءت القمة تزامنا مع العدوان الإسرائيلي الوحشى الذي ضرب قطاع غزة، في إطار انتقامي، بعد أحداث "طوفان الأقصى"، يساهم في تغييب أي أفق سياسي لحل الأزمة، وهو ما يعكس أهمية الدور الذي تلعبه مصر، في ضوء الاستجابة الكبيرة من قبل العديد من دول العالم لدعوتها، ليتجاوز مجرد "التهدئة" إلى "رعاية" القضية طويلة الأمد، خاصة مع عدم قدرة، أو ربما تقاعس "الرعاية" الأحادية، عن القيام بخطوات ملموسة في تحقيق الشرعية الدولية، وبالتالي احتواء موجات التصعيد المتواتر، الذي يثور بين الحين والآخر، جراء عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، وفي القلب منها، تأسيس دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يستلزم خطوات أكثر جدية في المستقبل القريب، وذلك لتحقيق الاستقرار، وتقويض محاولات جر المنطقة بأسرها إلى حالة من الفوضى.
 
أما المضمون، فإن القمة تتجاوز الحديث عن مجرد التهدئة، بمفهومها التقليدي، والذي اعتمد نهجا في الماضي، يقوم على مجرد وقف إطلاق النار، وتدشين هدنة مؤقتة، قد تطول أو تقصر، ليعود التصعيد مجددا بعد ذلك، وذلك عبر الحديث عن تهدئة "مستدامة" على أساس حل "مستدام"، يقوم على العدالة، واحترام النفس الإنسانية، التي لا يجوز قتلها إلا بالحق، بينما يحظى في الوقت نفسه على "تصديق" دولي، يعيد إلى الشرعية المفقودة اعتبارها، بينما يضع قوى العالم التي طالما رفعت شعارات حقوق الإنسان في وقفة مع النفس، في ظل سياساتهم التي غضت الطرف عن الانتهاكات المتواترة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، إلى حد قصف المستشفيات، ناهيك عن استهدافهم المتواتر للمقدسات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، في استفزاز صريح لمشاعر ملايين البشر من كل حد وصوب.
 
والحديث عن توقيت القمة وأهدافها، يبدو متزامنا مع تغييرات جذرية في النظام العالمي، الذي بات على أعتاب حقبة جديدة، تشهد تنوعا في القوى الصاعدة الطامحة للقيام بدور أكبر على المستوى الدولي، على غرار روسيا والصين، وأوروبا الغربية، التي خسرت قواها الرئيسية قدر كبير من نفوذها في العديد من مناطق العالم، وتسعى لاستعادته، ناهيك عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأقاليم على المستوى الجمعي، عبر منظماته، على غرار الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، وغيرهم، وهو ما يعكس نجاح الدبلوماسية المصرية في استغلال اللحظة المناسبة التي يمكن من خلالها تحقيق أكبر قدر من الزخم، ليس فقط لتحقيق التهدئة ووقف الانتهاكات، وإنما الوصول إلى "استدامة" الاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن ورائهما المنطقة بأسرها.
 
وفى الواقع، فإن القمة تبدو في جوهرها انعكاسا حقيقيا لنجاعة الدبلوماسية المصرية في استغلال اللحظة الدولية، في ظل قدرتها الكبيرة، على السيطرة على حجم الدور الدولي في القضايا المرتبطة بمناطقها الجغرافية، من حيث الاتساع أو التقييد، وهو ما يبدو في احترام الخصوصية الفلسطينية في اجتماع العلمين، والذي انعقد في يوليو الماضي، والذي اقتصر على الفصائل، بحضور الرئيس محمود عباس، بينما اعتمد الدور المصري خلالها على توفير بيئة مناسبة للحوار، من أجل تحقيق المصالحة، إدراكا من القاهرة بأنها تبقى محورية، إذا ما اعتبر الفلسطينيون أن القضية هي أولويتهم القصوى، بينما اتسمت قمة جوار السودان"، بمحدودية الدعوة، لتقتصر على الدول المتآخمة في حدودها مع الخرطوم، وذلك في انعكاس لإدراك الدولة المصرية لمخاطر اتساع دائرة التدخل الدولي، استلهاما لدروس الماضي القريب، إثر حالة الفوضى التي أطاحت بدول المنطقة في العقد الماضي، جراء التشابك بين الداخل في كل دولة، من جانب، والدور الإقليمي من جانب آخر، والتدخلات الدولية من جانب ثالث.
 
بينما الوضع يبدو مختلفا بالنسبة لفلسطين، في أعقاب الهجمات الأخيرة، فكانت الدعوة المصرية أكثر اتساعا، لتصبح القمة "دولية"، وذلك لتحقيق حالة من التعددية، في "رعاية" القضية، لا تتجاهل دور الإقليم، سواء على المستوى الفردي، من خلال القوى الرئيسية في المنطقة، وعلى رأسها مصر، والتي يمكنها تجاوز الدور المرسوم لها منذ عقود، باعتبارها "وسيط تهدئة"، بالإضافة إلى خلق غطاء، عابر للقارات والثقافات، من شأنه ليس فقط حماية الفلسطينيين من الانتهاكات، وإنما أيضا تقديم الحماية لـ"الشرعية الدولية"، والتي كادت أن تتلاشى جراء الأوضاع الإقليمية في العقد الماضي، ثم المستجدات الدولية، خاصة في أوكرانيا، والتي ساهمت في مجملها في تواري القضية خلال السنوات الماضية.
 
وهنا يمكننا القول بأن قمة "القاهرة للسلام" تمثل انعكاسا لنجاح الدولة المصرية، ودبلوماسيتها الناجعة، في استغلال اللحظة الحاسمة، التي يمكنها فيها تحقيق الحشد الدولي، بل وقدرتها الكبيرة في السيطرة على وتيرة الدور الدولي، في القضايا المحيطة بها، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي تبقى في حاجة ملحة إلى استغلال الزخم الحالي من قبل الفلسطينيين أنفسهم عبر إنهاء حالة الانقسام والالتفاف حول السلطة الشرعية، لغلق الباب أمام الذرائع التي يتبناها الاحتلال وحلفاءه من أجل مزيد من المماطلة والتسويف.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق