«ذاكرة بايدن» تهز عرش الديمقراطيين وتقلق الأمريكيين

السبت، 17 فبراير 2024 09:00 م
«ذاكرة بايدن» تهز عرش الديمقراطيين وتقلق الأمريكيين
محمد فزاع

- تقرير المحقق في قضية الوثائق السرية ينفجر في وجه ساكن البيت الأبيض بعد وصفه بـ «رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة»

- جو لم يتذكر متى توفي ابنه ومتى كان نائباً للرئيس وأخطأ في أسماء زعماء العالم.. واستطلاع رأي: 76% من الناخبين يرونه مفتقر للصحة العقلية 
 
قلق بل خوف شديد، ينتاب الأمريكيين اليوم، السبب يعود إلى عمر الرئيس الأمريكي جو بايدن، صاحب الـ82 عاماً، والمصمم على خوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل، على أمل البقاء في البيت الأبيض أربع سنوات جديدة.
 
المخاوف انتابت الأمريكيين بسبب ظهور بايدن مؤخراً ضعيفاً أو متعثراً بأماكن مختلفة، ما دفع غالبية الناخبين للتعبير عن قلقهم بشأن لياقته العقلية والبدنية مع سعيه للبقاء بالبيت الأبيض حتى يبلغ 86 سنة.
 
أضاف إلى المخاوف تقدير أصدره المدعي الخاص روبرت هور، بشأن الوثائق السرية التي كانت بحوزة بايدن، تعود لفترة عمله نائباً للرئيس بين "2009 – 2017" في منزله ومكتبه، حيث جاءت الوثائق لتشكل ضربة قوية وضرراً سياسياً للرئيس الديمقراطي قد يمتد أثره إلى مدى بعيد، بخاصة وصف "هور" بصورة رسمية حالات عدة يعاني فيها الرئيس فقدان الذاكرة، بما يشكل أخطاراً جسيمة على الأمن القومي للولايات المتحدة، وجاءت زلات بايدن مع تقرير هور لتدفع عدداً من الجمهوريين بالكونجرس للمطالبة بتفعيل التعديل الـ25 من الدستور لإزاحة الرئيس من منصبه.
 
وأعلن هور النتائج التي توصل إليها بالقضية المتعلقة بتعامل جو بايدن مع الوثائق السرية، وتضمن تقريره 388 صفحة، لمعلومات عن كيفية وصول الوثائق إلى منزله في ويلمنجتون بولاية ديلاوير خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس، لكن المحقق قرر أن بايدن احتفظ بالوثائق "عن عمد" لكنه لم يوجه إليه أي اتهامات، ووصفه بأنه "رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة"، مستشهدا بأنه لم يتذكر متى توفي ابنه بو بايدن، ولا حتى بالتقريب، ولا يستطيع يتذكر متى كان نائباً للرئيس أو تفاصيل المناقشات بشأن إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان.
 
تؤكد مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، أنه في حين يشكل عمر بايدن مصدر قلق كبير للناخبين باستطلاعات الرأي، التف كبار الديمقراطيين حول المسألة، وأبقوا مخاوفهم لأنفسهم في الغالب، لكن وصف هور لبايدن في تقرير رسمي بأنه "رجل مسن حسن النية ذو ذاكرة ضعيفة" يفرض على الرئيس حسابات جديدة.
 
ويكمن الخوف في البيت الأبيض وحملة إعادة انتخاب بايدن، إذ يعزز التقرير الشكوك بين مجموعات كبيرة من الناخبين حول قدرات الرئيس 81 سنة في وقت يسعى فيه إلى الفوز بولاية ثانية في مواجهة المرشح الجمهوري المحتمل الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي باتت ترتفع أسهمه بشكل كبير باستطلاعات الرأي.
تعرض المسؤولون في البيت الأبيض لصدمة وهم يتسابقون لاحتواء تداعيات تقرير هور الذي عينه الرئيس السابق دونالد ترمب ليكون المدعي العام الأمريكي في ولاية ماريلاند خلال فترة رئاسته، قبل أن يعينه المدعي العام الحالي ميريك غارلاند للإشراف على قضية وثائق بايدن.
 
وتعقدت الأمور بعدما تحدث بايدن للصحفيين بغضب عقب نشر التقرير، محاولاً تخفيف وطأة الصدمة وإثبات أن ذاكرته جيدة، ولكنه أثبت وجهة نظر المحقق حينما خلط بين الرئيسين المصري والمكسيكي، ما أكد الاعتقاد أنه يعاني مشكلة متفاقمة، خصوصاً أنه أخطأ خلال الأسبوع نفسه ونطق أسماء قادة عالميين راحلين تولوا السلطة في ثمانينيات القرن الماضي مثل الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، والمستشار الألماني الراحل هلموت كول، بدلاً من يذكر أسماء القادة الحاليين للبلدين اللذين التقاهما وهما إيمانويل ماكرون وأولاف شولتز.
 
هدية للجمهوريين
 
وكانت انتقادات المحقق الخاص المتكررة لذاكرة بايدن بمثابة "هدية للجمهوريين" قبل أقل من تسعة أشهر من الانتخابات، فيما تظهر استطلاعات الرأي أن العديد من الناخبين يشعرون بالقلق بالفعل إزاء قدرة بايدن على تولي فترة ولاية ثانية، بحسب صحيفة "ذا هيل". 
 
ووجه الجمهوريون انتقاداً لاذعاً لبايدن، وقال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون وزعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس ستيف سكاليز، والنائب الجمهوري من ولاية مينيسوتا توم إيمر، ورئيسة المؤتمر الجمهوري إليز ستيفانيك في بيان مشترك، إن التعليقات المتعلقة بذاكرة بايدن كانت من بين "الأجزاء الأكثر إثارة للقلق" في التقرير.
 
وأضافوا: «الإنسان العاجز عن الخضوع للمساءلة عن سوء التعامل مع معلومات سرية هو بالتأكيد غير مناسب للمكتب البيضاوي». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن قرار المحقق الخاص عدم توجيه اتهامات جنائية ضد الرئيس بايدن؛ بسبب «سوء التعامل مع وثائق سرية»، كان من المفترض أن يشكل تبرئة قانونية لا لبس فيها، لكنه بدلاً من ذلك، تحول إلى «كارثة سياسية».

أزمة في الديمقراطيين
 
ويسود حالة من القلق بين الديمقراطيين بالدائرة المقربة من بايدن، إذ تؤكد تقارير أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة للتغلب على الأمر وتحويله من سلبي إلى إيجابي لأنه لن يختفي. 
 
وحذر المقال الافتتاحي لصحيفة "نيويورك تايمز" حلفاء بايدن من العمل وفقاً لقواعد اللعبة المعتادة في واشنطن المتمثلة برفض تقرير المدعي الخاص باعتباره حزبياً، مشيرة إلى أن التفاصيل التي قدمها تعكس المخاوف التي كانت لدى الناخبين بالفعل، وأنه يتعين على الرئيس طمأنة الجمهور وبناء الثقة معه من خلال عقد مزيد من الاجتماعات العامة والظهور على التلفزيون الوطني، وعقد مؤتمرات صحافية منتظمة لإثبات قيادته واتجاهه لقيادة البلاد.
 
ويشعر بعض الديمقراطيين بأن الجمع بين عمر الرئيس بايدن وغيابه عن المسرح العام أدى لتآكل ثقة الجمهور، وبدا بايدن كما لو كان مختبئاً، ولن تؤدي التفاصيل الواردة في تقرير "هور" إلا لتفاقم المخاوف، التي تستغلها حملة ترامب بالفعل.
 
ورغم استطلاعات الرأي المثيرة للقلق والمخاوف في شأن عمره، فإن بايدن لا يفكر في التخلي عن إعادة انتخابه، بينما لا تشير الحملة والبيت الأبيض إلى استراتيجية جديدة، بل يخططون لمواصلة البحث عن طرق للتناقض مع ترامب البالغ 77 سنة، والذي ارتكب أيضا أخطاء واضحة مثل الإشارة أخيراً إلى منافسته في الحزب الجمهوري نيكي هايلي بدلاً من رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي أثناء حديثه عن هجوم السادس من يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي.
 
استغل الجمهوريون الفرصة وبدأوا باستخدام تقرير هور لمهاجمة بايدن على الفور، إذ قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، إن المدعي الخاص قرر عدم توجيه اتهامات ضد بايدن لأنه يعتقد أنه مصاب بالخرف المرتبط بالعمر.
 
وقالت العضوة الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي كلوديا تيني في رسالة إلى المدعي العام إن لديها مخاوف خطرة في شأن بايدن، ودعته لتفعيل التعديل الـ25 لإقالة الرئيس من منصبه بعد التقرير والتي وصف فيها ممارسات الرئيس بأنها شكلت أخطار جسيمة على الأمن القومي.
 
وقارنت قرار هور في تحقيقه في شأن بايدن وقرار المدعي الخاص جاك سميث الذي وجه اتهامات إلى ترمب في قضية الوثائق السرية، وقالت إن وزارة العدل لا يمكنها من الناحية الأخلاقية توجيه اتهامات ضد الرئيس الجمهوري السابق لأنه يتمتع بحدة عقلية وشخصية قوية، بينما ترفض توجيه اتهامات ضد بايدن بسبب تدهوره المعرفي.
 
هل يتم عزل بايدن؟
 
رسم تقرير هور صورة لبايدن كرجل مسن يعاني مشكلات بالذاكرة وتضاؤل القدرات، وأدى هذا لمناقشة "التعديل 25" بين الحزب الجمهوري، ودعا ممثلون، بمن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون، ومارجوري تايلور غرين، والسيناتور ريك سكوت، لعزل بايدن بموجب البند الرابع، والذي لم يتم تنفيذه من قبل في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه جرى مناقشته خلال رئاسة ترامب.
 
وينص التعديل على ما يحدث حال توفي رئيس أو نائب رئيس الولايات المتحدة أو استقال أو أصبح عاجزاً أو غير قادر على أداء واجباته الرئاسية، ويعود تاريخه بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي، إذ أدى الارتباك حول ما إذا كان نائب الرئيس ليندون غونسون قتل بالرصاص في ذلك الوقت إلى تساؤلات حول خلافة المنصب الرئاسي، وأقره الكونغرس في السادس 1965، وصدقت عليها الولايات الأميركية في الـ10 من فبراير 1967.
 
وأضفى التعديل طابعاً رسمياً على ممارسة نائب الرئيس لتولي المنصب الرئاسي في حالة وفاة الرئيس أو استقالته، ويمنح الرئيس والكونغرس سلطة استبدال نائب الرئيس. ويتطلب لتفعيل التعديل بعض الخطوات للحصول على موافقة أطراف متعددة، لكن نائب الرئيس هو المنطلق الأساسي لتفعيل التعديل وتحديداً القسم الرابع منه، إذ يجب على نائب الرئيس بالاشتراك مع غالبية مجلس الوزراء الرئاسي أو هيئة محددة يعينها الكونغرس، استدعاء التعديل.
 
ويتولى نائب الرئيس مهامه بمجرد أن تقدم الأطراف إعلاناً رسمياً مكتوباً للكونجرس، ولكن إذا دحض الرئيس الإعلان، يمكنه العودة للسلطة لمدة 4 أيام، وفي هذه الأثناء يمكن للأطراف الأخرى تقديم إعلان يتذرع بإقالة الرئيس مرة أخرى، وإذا حدث ذلك يتولى نائب الرئيس منصبه مرة أخرى ويجب على الكونجرس الحصول على غالبية الثلثين لمجلسي النواب والشيوخ خلال 21 يوماً لإقالة الرئيس بصورة دائمة.

أزمة البند الرابع
 
وينص البند الرابع بأنه إذا شعر نائب الرئيس وغالبية مجلس الوزراء الرئاسي أو هيئة المراجعة المعينة من قبل الكونجرس، أن الرئيس لم يعد قادراً على أداء واجباته، فيمكنهم تقديم هذا الاعتقاد كتابياً إلى الكونجرس، ما يؤدي إلى استبدال الرئيس، لكن يمكن للرئيس أن يقدم إعلاناً بخلاف ذلك ويطرح الأمر للتصويت في الكونجرس.
 
ويعد البند الرابع الأكثر إثارة للجدل ولم يجري استخدامه بنجاح، وكان أقرب استخدام فعلي خلال رئاسة رونالد ريجان، عندما كان يخضع لعملية جراحية بعد إطلاق النار عليه في مارس 1981، وأعدت إدارته الأوراق اللازمة لجعل نائب الرئيس جورج أتش دبليو بوش يتولى مهام منصبه، لكن لم يتم التوقيع عليه قط. 
 
كما اقترح عديد من أعضاء فريق ريغان ذلك مرة أخرى في عام 1987، بحجة أن الرئيس كان غير قادر من الناحية العقلية على ممارسة مهامه الرئاسية بصورة سليمة، لكن رئيس موظفي البيت الأبيض اعترض ولم تتم متابعة هذا الاقتراح.
 
وينص البند الأول من التعديل الـ25 على أنه في حالة عزل الرئيس من منصبه أو وفاته أو استقالته، يتولى نائب الرئيس منصب الرئيس، وينص البند الثاني على أنه كلما كان هناك منصب شاغر في منصب نائب الرئيس، يرشح الرئيس نائباً للرئيس يتولى منصبه بعد تأكيد تعيينه بغالبية أصوات مجلسي الكونجرس.
أما البند الثالث فينص على أنه عندما يرسل الرئيس إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانه الكتابي بأنه غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، وحتى يرسل إليهما إعلاناً مكتوباً بخلاف ذلك، يمارس نائب الرئيس هذه الصلاحيات والواجبات بصفته رئيساً بالنيابة.
 
ينص البند الرابع على أنه عندما يرسل نائب الرئيس وغالبية المسؤولين الرئيسين في الوزارات التنفيذية أو أي هيئة أخرى يحددها الكونجرس بموجب قانون، إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانهم المكتوب بأن إذا كان الرئيس غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، يتولى نائب الرئيس على الفور صلاحيات وواجبات منصبه كرئيس بالنيابة، لكن إذا أرسل الرئيس إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانه الكتابي بعدم وجود عجز، فإنه يستأنف صلاحيات وواجبات منصبه ما لم يرسل نائب الرئيس وغالبية أي من المجلسين أو أي هيئة أخرى قد ينص عليها الكونغرس بقانون، في غضون أربعة أيام إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانهم الكتابي بأن الرئيس غير قادر على القيام بسلطاته ومهام مكتبه.
 
ويجب على الكونغرس أن يقرر هذه المسألة، وينعقد في غضون 48 ساعة لهذا الغرض إذا لم يكن منعقداً، وإذا قرر الكونغرس، في غضون 21 يوماً بعد تسلم الإعلان المكتوب الأخير، بغالبية ثلثي أصوات كلا المجلسين أن الرئيس إذا كان غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، يستمر نائب الرئيس في أداء نفس مهام الرئيس بالنيابة وبخلاف ذلك، يستأنف الرئيس صلاحيات وواجبات منصبه.
 
وفقاً لمتطلبات الدستور لا يمتلك الجمهوريون غالبية الثلثين في مجلسي الشيوخ والنواب، ما يعني أن تصورات حول إقالة بايدن غير واقعية، كما أن نائبة بايدن كامالا هاريس لن تقود هذا التحرك بحسب دفاعها الشرس عن بايدن، وحتى لو فعلت ذلك، فسيكون من الصعب أن تجمع نصف أعضاء المجلس الوزاري الرئاسي.
 
ومع ذلك، يظل هذا السيناريو وارداً فقط في حالة تدهور الصحة العقلية أو البدنية للرئيس بايدن إلى درجة خطرة لا يتحملها أحد، وهو ما لا تبدو له مؤشرات قوية على الأرض بينما يستعد الجميع للانتخابات المقبلة.
 
استطلاعات الرأي
 
وأظهرت استطلاعات رأي مخاوف عميقة بين الناخبين بشأن عمر جو بايدن، إذ ذكر استطلاع جديد أجرته شبكة "NBC" أن 76% من الناخبين يقولون إن لديهم مخاوف كبيرة بنسبة 62% أو معتدلة بنسبة 14% بشأن افتقار بايدن إلى الصحة العقلية والجسدية اللازمة ليكون رئيساً لولاية ثانية.  ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للرئيس هو أن 81% من المستقلين، و54% من الديمقراطيين يقولون إنهم تساورهم مخاوف كبيرة أو معتدلة بشأن مدى أهلية بايدن لولاية ثانية.
 
وبشأن ما إذا كانت تساورهم نفس المخاوف بشأن منافس بايدن المحتمل من الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، وجد الاستطلاع أن 48% من الناخبين الذين قالوا إنهم يخشون ذلك.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق