حمدى عبدالرحيم يكتب: الأكاذيب التي تحمي الحروب

السبت، 24 فبراير 2024 06:00 م
حمدى عبدالرحيم يكتب: الأكاذيب التي تحمي الحروب

ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا قال إنه فى وقت الحرب تكون الحقيقة ثمينة جدا الأمر الذى يتطلب حمايتها بمجموعة من الأكاذيب
 
يتحدث الإعلاميون دائما وكثيرا، عن الحياد والموضوعية والمهنية والاحترافية، وتلك مصطلحات جليلة وخطيرة غاية الخطورة، لكن متى أنزلتَها إلى أرض الواقع المعاش وجدتَها كومة من الكلام المضحك، نعم هو ضحك كالبكاء، لكنه يظل ضحكا.
 
كيف أكون محايدا وموضوعيا ومهنيا ومحترفا وأشقائى يذبحون من الوريد إلى الوريد؟!
 
أنا لست محايدا بحال من الأحوال، بل أرى الحياد مسبَّة ووصمة عار، فلا حياد بين الجلاد والضحية.
 
هذه ساعة من ساعات التحديد الدقيق للخنادق، قل لى فى أى خندق تقف، أقول لك من أنت.
 
الأمر مركب وليس بسيطا، وهو مركب إلى حد التعقيد، فإذا كان الحياد أكذوبة وأضحوكة وسُبّة، فإن الانحياز الأعمى ليس إنجازا وليس علامة على بطولة أو وطنية، وهو لن يكون جزءا من الحل، بل سيفاقم المشكلة.
 
لقد أحسنت الكاتبة الأستاذة رحاب جودة خليفة عندما نقلت عن ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا قوله: «فى وقت الحرب تكون الحقيقة ثمينة جدا، الأمر الذى يتطلب حمايتها بمجموعة من الأكاذيب».
 
عقبت رحاب شارحة: هكذا برر ونستون تشرشل مواقفه خلال حربين عالميتين كوزير للحرب والمستعمرات ثم رئيس لوزراء بريطانيا. وإذا كانت هذه المقولة تنطبق فى عالم السياسة فلا يجب أن تتبعها الصحافة والإعلام، خاصة خلال الأزمات والحروب، أى فى أحوج وقت للحقيقة والحياد.
 
الحقيقة والحياد، هذا هو مربط الفرس، واختبار الحديد والنار والدم والدموع لأى إعلامى، أن تعرف بمعنى أن تحصل على معلومة ثم تتأكد من صحتها فلا تتلاعب بها، ولا تظلل جانبا لتضىء آخر.
 
مَنْ يصمد لاختبار كهذا فى زمن الحروب؟
 
لكيلا أتهم غيرى، فسأكتب عن حالتى التى أظنها حالة الأكثرية.
 
مصدر معلوماتى الوحيد هو ما تبثه الفضائيات العربية وما يجود علينا به الأشقاء من أرض الميدان.
 
الفضائيات العربية معظمها لا يمكن وضعه فى خانة الضد، فهى إن لم تكن مع المقاومة فهى ليست ضدها، أقول أغلب الفضائيات، لأن بعضها يتبنى خطاب العدو كاملا، بل بعضها يزايد على خطاب العدو نفسه.
 
ماذا تقدم لى الفضائيات العربية؟
 
إنها تقدم تصدى المقاومة لجيش العدو، ثم تبث مآسى أهل غزة الذين نفد من بين أيديهم كل شىء، حتى أنهم يصنعون خبزهم من علف الحيوانات، وظهرت طفلة فى فيدو بثته كل الفضائيات تشكو من مرارة طعم الخبز!
 
ثم تقدم الفضائيات انقسامات شارع دولة الاحتلال والتنافر الذى يضرب أركان نظام حكم دولة الاحتلال.
 
سأقول إن كل تلك المشاهد حقيقة لا شك فيها، ولكن هل تصل لغيرى؟
 
هل مواطن دولة الاحتلال يعرف شيئا عن التدمير الكامل الذى تعرضت له غزة؟
 
هل شاهد الطفلة التى خضعت لجراحة بتر لقدميها، وهى تسأل الدكتور بكل براءة الأطفال: «عمو، متى ستنمو قدمى مرة ثانية؟».
 
هل يعرف مواطن دولة الاحتلال والمواطن الأوروبى والأمريكى شيئا عن نفاد الطعام وماء الشرب وتعطل مولدات الكهرباء ونفاد الوقود، بل ونفاد بنج العمليات؟
 
كيف سيعرف ونحن نتحدث مع أنفسنا، وحديثنا موجه للداخل؟
 
مواطن دولة الاحتلال يؤمن أنه على الحق المبين ويؤمن أن المقاومة ما هى إلا إرهاب منظم يجب استئصاله من جذوره ويؤمن أن كل أرض فلسطين هى أرض الرب التى قدمها لشعب الله المختار!
 
مواطن دولة الاحتلال ومعظم المواطنين الأوربيين والأمريكان يشاهدون ويعرفون غير ما أشاهد وغير ما أعرف، ولذا فمن الطبيعى أن تصرخ شابة من شمال أوروبا: «اسحقوا كل العرب اسحقوا كل المسلمين، اسحقوا كل الفلسطينيين».
 
الدودة فى أصل الشجرة كما قال شاعرنا الراحل صلاح عبدالصبور، لن تجد حيادا ولن تجد موضوعية فاستفت قلبك والزم ما تؤمن أنه الحق، أما الباطل فالله كفيل به لأنه عز وجل هو القائل:» بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة