فتاوى نسائية.. المفتي يوضح حد البلوغ والسن التي يجب فيها الصوم

الثلاثاء، 12 مارس 2024 12:45 م
فتاوى نسائية.. المفتي يوضح حد البلوغ والسن التي يجب فيها الصوم
منال القاضي

أوضح الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية على سؤال ورد  لجنة الفتوى بدار الافتاء يتضمن ما كيفية صيام الفتاه او الصبى عند سن البلوغ خلال اجابها على سائل يقول ،أو ما هو البلوغ الذي تجب به حقوق الله تعالى مِن صلاة وصوم شهر رمضان المبارك ونحوهما؟

الجواب

البلوغ المعتبر للتكليف شرعًا يُعرف بعلامات، منها: الاحتلام، أو نبات شعر العانة الخشن، أو الحيض، أو الحمل، أو ببلوغ سِن خمس عشرة سَنَةً -على المختار للفتوى- إذا لَم يَظهر شما هو البلوغ الذي تجب به حقوق الله تعالى مِن صلاة وصوم شهر رمضان المبارك ونحوهما؟

يريءٌ مِن العلامات السابقة، ومِن ثَمَّ يصير بالغًا مكلَّفًا يجب عليه الصوم، ذكرًا كان أو أنثى ما دام عاقل بيان وجوب صيام شهر رمضان

مِن المقرر شرعًا أنَّ صوم رمضان واجبٌ، وركنٌ مِن أركان الإسلام الخمسة، والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 183-184].

وقوله سبحانه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾ [البقرة: 185].

بيان أن البلوغ من شروط وجوب الصيام


نظرًا لعظيم شأن الصوم ومكانته، فإن الفقهاء قد تناولوا -عند تعرُّضهم لأحكام الصيام- كلَّ ما يتعلق به مِن شروطٍ وواجباتٍ ومستحباتٍ وسُنَنٍ ومفسداتٍ، فاتفقوا على جملةٍ مِن هذه الأحكام، واختلفوا في البعض الآخَر.

ومِن جملة ما اتفق عليه الفقهاء مِن الشروط التي يجب توافرها في المسلم حتى يجب عليه الصوم: البلوغ، وقد نَصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ مِن الأئمة، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حزم (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية)، و"بداية المجتهد" للإمام ابن رشد (2/ 46، ط. دار الحديث)، و"الإقناع" للإمام ابن القَطَّان (1/ 226)، و"الشرح الكبير" لشمس الدين ابن قُدَامَة (3/ 13، ط. دار الكتاب العربي).

والأصل في عدم التكليف إلا بعد البلوغ: ما روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ» أخرجه الأئمة: الطيالسي وأحمد في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

وفي رواية: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» أخرجها الأئمة: الطيالسي وأبو يعلى في "المسند"، وسعيد بن منصور وأبو داود في "السنن"، مِن حديث أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي رواية عنه رضي الله عنه: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» أخرجها الأئمة: أبو داود والنسائي والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

قال العلامة المُنَاوِي في "فيض القدير" (4/ 35، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» كناية عن عدم التكليف] اهـ.

بيان العلامات التي يعرف بها البلوغ المعتبر شرعا

البلوغ له علاماتٌ يُعرَف بها وتَدُلُّ عليه، ومِن هذه العلامات: الاحتلام، ونبات الشعر حول عورة الذكر أو الأنثى، وبلوغ السن، وهذه العلامات الثلاث يشترك فيها الذكر والأنثى، وتختص الأنثى بعلامتين، هما: الحيض، والحمل، ومِن ثَمَّ فمَن ظهرت عليه إحدى هذه العلامات صار بالغًا مكلَّفًا ذكرًا كان أو أنثى، وتفصيل هذه العلامات
:

أولًا: الاحتلام: وهو "افتعال مِن الحُلْم، بضم الحاء وإسكان اللام، وهو ما يراه النائم مِن المنامات، يقال: حَلَمَ في منامه، بفتح الحاء واللام، واحتلم، وحلمت كذا وحلمت بكذا، هذا أصله، ثم جُعل اسمًا لما يراه النائم من الجماع، فيحدث معه إنزال المني غالبًا، فغلب لفظ الاحتلام في هذا دون غيره مِن أنواع المنام؛ لكثرة الاستعمال"، كما قال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 139، ط. دار الفكر).

وقد أجمع أهل العلم على أن الاحتلام بُلوغٌ أو علامةٌ مِن علامات البلوغ، وهو كناية عن نزول المني، فشمل أيضًا ما كان منه في اليقظة، ومن ثَمَّ فإذا أمنى بجماع أو باحتلام فإنه يكون بالغًا شرعًا تجري عليه أحكام المكلَّفين إذا كان عاقلًا.

قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإشراف" (7/ 227، ط. مكتبة مكة الثقافية): [وأجمع أهل العلم على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل] اهـ.

ثانيًا: الإنبات: والمقصود به إنبات الشَّعر الخشن حول العورة عند الذكور والإناث، وأما الزغب الضعيف، فلا اعتبار به، فإنه يثبت في حق الصغير؛ كما في "نهاية المطلب" لإمام الحرمين الجُوَيْنِي (6/ 435، ط. دار المنهاج)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة (4/ 345).

وقد اعتبر جماعةٌ من الفقهاء الإنباتَ علامةً على البلوغ، وممن ذهب إلى ذلك: القاضي أبو يوسف مِن الحنفية في رواية، والمالكية والحنابلة في المعتمد، واختاره الإمام ابن حزم، وهو المروي عن الأئمة: الليث بن سعد، وإسحاق، وأبي ثور.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (6/ 153، ط. دار الفكر): [لا اعتبار لنبات العانة، خلافًا للشافعي، ورواية عن أبي يوسف] اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 291، ط. دار الفكر، مع "حاشية الشيخ العدوي"): [الإنبات المذكور، هل هو علامة للبلوغ مطلقًا في حقوق الله تعالى مِن صلاة وصوم ونحوهما] اهـ.

قال الشيخ العدوي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: في حقوق الله.. إلخ) بيان للإطلاق، وعلى هذا القول فهو علامة في الظاهر والباطن، والقول بالإطلاق هو المعتمد، وهو الذي صَدَّرَ به المصنف كما أفاده بعضُ مَن حَقَّق] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (3/ 293، ط. دار الفكر) نقلًا عن الإمام المَازِرِي: [الإنبات علامةٌ على البلوغ على المشهور، وقيل: إنه ليس بعلامة له] اهـ.

وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة إذا حاضت "فهو عَلَمٌ على البلوغ"، كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (4/ 346)، و"وَجَبَت عليها الفرائض"، كما قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 42، ط. دار المسلم).

رابعًا: الحمل: وعليه نَصَّ جمهورُ الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو أنَّ المرأة إذا حَمَلَت يُحكم لها بالبلوغ، ووافق الشافعيةُ الجمهورَ في ذلك، إلا أنهم اعتبروا الحَمْلَ علامةً على البلوغ تبعًا لا أصلًا؛ لأن عادة الله جرت ألَّا تَحْمَلَ المرأةُ إلا بالإنزال، وهو التقاءُ ماءِ الرجل مع ماءِ المرأة، ومِن ثَمَّ يكون الحملُ علامةً على الإنزال الذي هو علامةٌ على البلوغ، فإنْ وَضَعَت جنينها احتسب ستة أشهر قبل وَضْعِها، ويكون ذلك وقت بلوغها.

خامسًا: بلوغ السن: وهو أن يتم خمس عشرة سَنَةً -على المختار للفتوى إذا لم يظهر شيءٌ مِن العلامات، ذكرًا كان أو أنثى؛ لما روي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي"، قال نافع: فقَدِمتُ على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، فحدَّثتُه هذا الحديث، فقال: "إنَّ هذا لَحَدٌّ بين الصغير والكبير، وكَتَب إلى عُمَّالِهِ أن يَفرِضُوا لِمَن بَلَغ خمس عشرة" أخرجه الشيخان.

واعتبار سِنِّ البلوغ بخمس عشرة سَنَةً، هو ما ذهب إليه الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن مِن الحنفية، وبعض فقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة في المعتمد، وجماعة مِن السلف: كعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، ووَجْهُ قولهم: "أن المؤثِّر في الحقيقة هو العقل، وهو الأصل في الباب؛ إذ به قوام الأحكام، وإنما الاحتلام جعل حَدًّا في الشرع لكونه دليلًا على كمال العقل، والاحتلام لا يتأخر عن خمس عشرة سنة عادةً، فإذا لم يحتلم إلى هذه المدة عُلِمَ أن ذلك لِآفَةٍ في خِلْقَتِهِ، والآفة في الخِلْقَةِ لا توجِب آفَةً في العقل، فكان العقلُ قائمًا بلا آفَةٍ، فوجب اعتباره في لزوم الأحكام"، كما قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 172، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن البلوغ المعتبر للتكليف شرعًا يُعرف بعلامات، منها: الاحتلام، أو نبات شعر العانة الخشن، أو الحيض، أو الحمل، أو ببلوغ سِن خمس عشرة سَنَةً -على المختار للفتوى- إذا لَم يَظهر شيءٌ مِن العلامات السابقة، ومِن ثَمَّ يصير بالغًا مكلَّفًا يجب عليه الصوم، ذكرًا كان أو أنثى ما دام عاقلًا، كما سبق بيانه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق