«صوت الأمة» تفتح ملف اخطر فرقة إرهابية فى التاريخ..

الحسن الصباح.. كبير الحشاشين الذي علمهم القتل (الحلقة الأولى)

السبت، 16 مارس 2024 10:00 م
الحسن الصباح.. كبير الحشاشين الذي علمهم القتل (الحلقة الأولى)
محمد الشرقاوي

- «الحشاشين».. المعين الفاسد الذى استقت منها الجماعات الإرهابية افكارها وسارت «الإخوان» على نهجها
 
 
«الحشاشين» ليسوا مادة للسخرية، بكلمات من باب «يعني شربوا كام سيجارة؟»، فلا ذنب للتاريخ فيما تعارف عليه العقل الجمعي، مع أن اللغة المليئة بمئات المترادفات مطاطة درجة أن تعرف اسمك انت كقارئ بعشرات التعريفات، فقبل أن تتهكم تعالى نتعرف على واحدة من أشرس الجماعات التي عرفها التاريخ.
 
من هم الحشاشين؟ الذين يتناولهم المسلسل الدرامي الذي أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والذي تدور أحداثه في إطار تاريخي في القرن الحادى عشر، بشمال بلاد فارس، حول طائفة تتبع الطائفة الإسماعيلية، بل إنهم أكثر المخلصين لمذهبها العقائدي.
 
"الفدائيين"، هكذا عرفوا، كونهم رجال لا يهابون الموت في سبيل تحقيق هدفهم، يلقون الرعب في قلوبهم الحكام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جدًا، وقبل أن تستهويك شجاعتهم، توقف لحظة للتاريخ كي يحكي، ويعرفك ماذا عليك أن تعرف؟
 
فكم من قاتل قتل نفساً باسم الدين؟ أولئك الخوارج، خوارج قدامى، وجدد، فلم يسلم عصر من العصور من استغلال الدين، فقديما خرجوا على علي بن أبي طالب، مروراً بالحشاشين والحسن الصباح، وصولاً للإخوان وحسن البنا، وتنظيم داعش الإرهابي وأبي بكر البغدادي.
 
 
الحلقة الأولى:

عارض أهل السنة وحاربهم في دينهم حتى أسس أخطر الفرق السرية في العالم لقتلهم

الحشاشين ليسوا فقط أتباع الحسن الصباح بل كل سار على دربه حتى ولا كانت بمسمى جديد وحفيد جديد اسمه حسن البنا 
 
بداية عليك أن تعرف أن المسلسل صاحب الإنتاج الدرامي الأضخم من بطولة كريم عبدالعزيز، وفتحى عبد الوهاب، ونيقولا معوض، وميرنا نور الدين، وأحمد عيد، وإسلام جمال، ومحمد رضوان، وسامى الشيخ، وعمر الشناوى، ونور إيهاب، وسوزان نجم الدين، وياسر علي ماهر، وبسنت أبو باشا، وعدد كبير من الفنانين، وضيوف الشرف، وهو من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمى، وإنتاج شركة سينرجى.

الحلقة الأولى: من هو الحسن الصباح؟
 
سنبدأ بهذه المعلومة حتى تستسيغ معلومات أكثر دسامة فيما سيأتي، فنحن سنبدأ سوياً رحلة بدأت من الصفر، أو الصغر، كلاهما مرتبط بشخص الحسن بن الصباح، المختلف عليه حتى في ميلاده.
 
يختلف المؤرخون حول تحديد العام الذى وُلد فيه الحسن الصباح ، فقيل سنة 432 هـ ، بينما قال آخرون إن مولده سنة 438 هـ / 1037 م- رجما بالغيب أي أنه الأقرب-، وقال ثالث إن مولده سنة 445 هـ، وفق ما تشير أوثق المراجع التي استند لها الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، في كتابه "حركة الحشاشين – تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، والصادر عن دار ابن سينا للنشر والتوزيع، بتاريخ 10 يوليو 1988.
 
بدأ الخشت في كتابه بالحديث عن الأحداث الخارجية المواكبة لنشأة الحركة وتطورها، لكننا سنرجأ الحديث عنها، لنعرف من هو الحسن الصباح «المؤسس»، لنتدرج على مدار الشهر الكريم حتى نهاية الحكاية.
 
ولد الصباح في مدينة (قم) الإيرانية مركز الشيعة الإثنى عشرية، بينما تشير مصادر أخرى تطرق لها «الخشت» إلى أنه وُلِد في بلدة (معصوم) من مقاطعة الري بالقرب من طهران، وقيل مولده في (مرو)، غير أنه يرجع أصله إلى ملوك اليمن – أهل حمير، وكان أبوه يقطن الكوفة بالعراق، وانتقل بعدها إلى (قم)، حيث ولد الحسن حيث مولد الحسن على الأرجح.
 
وسافرت أسرته إلى مدينة (الرى) التي كانت من محاور اهتمام الدعاة الإسماعيليين، حيث كان لهم نشاط بارز بها، ومنذ فترة مبكرة من حياة الحسن كان أبوه يهتم بتعليمه عقائد الشيعة الاثنى عشرية، بالإضافة إلى تشجيعه له على الاطلاع على مختلف العلوم في عصره، لاسيما تلك العلوم ذات الصبغة الفلسفية، وظل على الدرب الذي رسمه أباه حتى بلغ سن السابعة عشرة.
 
يقول الحسن في شذرة ذكرها المؤرخ الفارسي علاء الدين الجوينى في كتابه «جهان کشای»: «منذ طفولتي، بل منذ السابعة من عمرى، كان جل اهتمامي تلقى العلوم والمعارف والتزود بكل ما أستطيعه منها في سبيل توسيع مداركي، وكنت كآبائي قد نشأت على المذهب الاثني عشري في التشيع، ولم أكن أرى في غيره طريقاً للخلاص من آفات العالم».
 
7e22795e40b947572387973f3fa7e2e2.png
 

من هنا ضل الطريق
 
وفق عثمان الخشت، فإن الحسن ظل على مذهب الشيعة الإثنى عشرية حتى بلغ السابعة عشرة، وفى تلك الأثناء تعرف على أحد دعاة الإسماعيلية الفاطمية، ودار بينهما جدلاً متواصلاً محاولاً كل منهما أن يقنع الآخر بصحة مذهبه، وكان هذا التقليد الجدلي منتشراً في أرجاء فارس، حيث كانت مرتعاً خضباً لمختلف التيارات الدينية والعقائدية، وكان أنشط تلك التيارات: تيار الدعوة الإسماعيلية.
 
وكان الحسن حتى هذه اللحظة ـ كما سبق القول ـ يؤمن بالله والإسلام كما يفهمه الإثنى عشرية بوجه خاص، وكان تصوره عن الإسماعيلية أنها من قبيل المذاهب الفلسفية، ولكن لقاءه مع الداعية الإسماعيلي الكبير كان له أبلغ الأثر في تطوره الروحي، ثم وجهه وجهة نظرية وعملية لم تكن تخطر بباله يوماً من الأيام".
 
تطرق كتاب "الحشاشين" للخشت إلى كيفية التحول في أيدلوجية "الحسن"، فيقول: "یروى الحسن في شذرة متبقية تفاصيل ذلك المنعطف الجوهري في أيديولوجيته فيقول ما تعريبه: ما حدث أن تعرفت في شبابي إلى أحد دعاة الإسماعيلية الفاطميين، فكنت أجادله جدالاً عنيفاً، وأخذ كل واحد منا يشيد بما هو عليه من عقائد مذهبية وآراء دينية، ولم يكن لدى أى شك أو زعزعة في إيماني بالإسلام، وفى اعتقادى بوجود إله حى، باق، قدیر، سميع، بصير، وفي وجود نبى وإمام، وفى وجود مباحات ومحظورات، وجنة ونار، وأوامر ونواهي، وكنت أفترض أن الدين والشريعة هما ما يؤمن به الناس بوجه عام والشيعة بوجه خاص، ولم يدر بخلدى أن الحقيقة يمكن البحث عنها خارج الإسلام، وكنت أعتقد أن آراء الإسماعيلية من قبيل الفلسفة وأن حاكم مصر فيلسوف وكان عميرة زاراب [يقصد الداعي الإسماعيلي ] ذا شخصية قوية، وعندما ناقشني لأول مرة قال: "إن الإسماعيلية يقولون كذا وكذا. فقلت له: لا ، يا صديقي لا تردد كلماتهم لأنهم كفرة وما يقولونه ضد الدين، وكانت هناك خصومات ومناقشات بيننا تمكن خلالها من تدمير عقيدتى وإثبات بطلانه . ولم أشأ أن أعترف له بذلك، ولكن في أعماق كانت لكلماته أكبر الأثر... ثم افترقت عن الداعى قبل أن أعتنق مذهبه، وبعد قليل أصابني مرض الزمنى الفراش، فخشيت أن تختطفنى يد المنون قبل أن أتطهر باعتناقى المذهب الإسماعيلي؛ إذ اعتزمت اعتناقه بعد مناقشاتي الداعي".

الصدام الأول: مع نظام الملك في بلاط السلاجقة
 
كان "نظام الملك" أحد الوزراء بدولة السلاجقة، وكان قد تعاهد هو وصديقه الحسن الصباح، أن يشد أحدهما الآخر إذا نال منصبا مبكراً، وهو ما حدث مع نظام، والذي أدخل صديقه إلى القصر السلجوقي، بينما يقول "الخشت": "إنه عندما التحق الحسن بالعمل في بلاط السلاجقة كموظف ومستشار إداري عند السلطان ملکشاه، ولفت نظر السلطان، ويبدو أنه كانت تظهر عليه سمات المنافسة للوزير الشهير نظام الملك ؛مما أوغر صدر الوزير عليه، لاسيما وأن نظام الملك كان سنياً، فيما الحسن الصباح كان شيعياً، ومن هنا بدأ الصدام بين نظام الملك وابن الصباح الذي استمر بعد ذلك أمداً طويلاً وكانت له عواقب بالغة الأثر".
 
فقد تآمر نظام الملك على الحسن وهي رواية تدعمها روايات الشيعة، حيث هرب من القصر إلى مصر، بينما قالت روايات أخرى عن ابن الأثير في (الكامل) ما يفيد أنه لم يكن يوجد مثل هذا الصدام في تلك الفترة بين نظام الملك والحسن، بل كان نظام الملك يكرم الحسن. 
 
ويعلل الأثير هروب الحسن بأنه جاء نتيجة انزعاج رئيس الرى "أبى مسلم" من نشاط الحسن وإيوائه لمجموعة من الدعاة الفاطميين المصريين، حيث حاول أبو مسلم معاقبته ففر منه، بعدما اتهم بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه، فخافه ابن الصباح، وكان نظام الملك يكرمه، وقال له يوماً من طريق الفراسة: "عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام! فلما هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه".
 
Asabah2

الذهاب إلى مصر
 
وفق عثمان الخشت، فإن سبب خروجه إلى مصر هو تنفيذ التوجيه الذى وجهه إليه الداعي الكبير عبدالملك بن عطاش، بضرورة الوفود على القاهرة، وخروجه من "الرى"، بعد تضييق السلطات عليه نظراً لنشاطه الملموس في الدعوة إلى الإسماعيلية، وعندما رأى الداعي المحنك ذلك نصح تلميذه، بالتوجه إلى مصر حتى يحضر دروس العلوم الباطنية التي كان يلقيها أكبر الدعاة في مصر، ويقابل الإمام المستنصر معلناً له ولاءه بشكل مباشر.
 
بعدما خرج الحسن الصباح إلى مصر قادماً من "الري" سنة (٤٦٧ هـ = ١٠٧٦م) توجه إلى أصفهان حيث قضى بها فترة يدعو إلى المذهب الإسماعيلي الفاطمي، ثم توجه إلى أذربيجان، ومنها إلى ميافارقين التي طرده منها قاضيها السنى، لأنه ينفى سلطة علماء أهل السنة والجماعة في تفسير نصوص الإسلام، ويقول بأن صاحب السلطة الوحيد في التفسير هو الإمام الشيعي، فتوجه الحسن إثر ذلك إلى الموصل، ثم إلى سنجار، ثم الرجبة، فدمشق، فصيدا، فصور، فعكا، ونظراً لأن الطريق البرى كان حينئذ غير مأمون لما فيه من مناوشات حربية، بعدها إلى مصر عن طريق البحر، ثم توجه إلى القاهرة فوصلها في 30 أغسطس (٤٧١) هـ = ۱۰۷۸م) وكان في استقباله أبو داؤود داعى الدعاة وجمع من كبار رجال الدولة، ثم استقبله بحفاوة الإمام المستنصر في قصره، وتحدثا في شئون الدعوة وكيفية إقامتها ببلاد العجم، وقال الحسن للمستنصر: من إمامي بعدك؟ فقال : ابنى نزار . وقد أكرمه المستنصر وأعطاه مالاً، وأمره أن يدعو إلى إمامته الناس.
 
قبل قدوم الحسن إلى مصر كان يتطلع أشد التطلع لأخذ العلوم الباطنية عن هبة الله الشيرازي حجة الإمام وداعى الدعاة، وعندما وصل الحسن مصر كان هبة الله قد مات، ولكن هذا لم يحل بينه وبين التلمذة عليه بشكل غير مباشر، عن طريق الاطلاع على مصنفاته التي خلفها والنقاش المتواصل مع تلاميذه، وقد أظهر الحسن أثناء تلك المناقشات علماً واسعاً بالمذهب فلفت الأنظار إليه.

الطريق إلى الاغتيال الأول
 
كان شيئاً محتملاً جداً أن يحدث صدام بين الحسن الصباح الأيديولوجي الثوري وبين بدر الجمالي القابض على شئون الحكم والمدبر لأمور الدولة في عهد المستنصر بالله، وكان بداية الخلاف أن الحسن أيد نزار في حين أن بدر الجمالي كان مناهضاً ومؤيداً لأخيه الأصغر أحمد المستعلى كخليفة للمستنصر. وكان سبب كره الجمالي لنزار: أنه ركب مرة فرسه أيام المستنصر ودخل دهليز القصر من باب الذهب راكباً، ونزار خارج، والمجاز مظلم فلم يره الجمالي، فصاح نزار: أنزل يا أرمنى كلب عن الفرس، ما أقل أديـك ! فحقدها عليه الجمالي. ومن هنا توترت العلاقة بينهما، وخشي الجمالي أن يعزله نزار عندما يتولى الحكم، فكان يحبذ ولاية المستعلى بدلاً من نزار.
 
وكانت الفترة التي قضاها الحسن في مصر حوالي 3 سنوات، ولكن بعض المؤرخين يذكر أن مدة بقائه بمصر حوالى ثمانية عشر شهراً، قبل أن يأمر الجمالي بنفيه من مصر إلى المغرب العربي عن طريق البحر، وقد تعرضت السفينة التي كان يركبها إلى الخطر أثناء إبحارها حتى كادت تغرق أكثر من مرة، وساقتها الأمواج إلى عكا، ومنها اتجه إلى حلب، ثم بغداد، وبطبيعة الحال كان يمارس نشاطه فى الدعوة إلى الإسماعيلية الفاطمية أثناء تنقلاته من مدينة إلى أخرى بشكل سرى، وقد حقق بعض النجاح، وواصل رحلته إلى بلاد فارس، فبلغ أصفهان في سنة (473هـ =1081 م) في العاشر من يونيو، وبعد أن مكث بأصفهان بعض الوقت سافر إلى كرمان ويزد، وبعد ذلك رجع الحسن مرة أخرى إلى أصفهان، ثم إلى خوزستان في الجنوب.
 
ظل الحسن حوالى تسع سنوات متواصلة بعد رحيله من مصر بمارس الدعوة، ويكتسب أنصاراً جدداً، وينتقل من مكان إلى مكان، طبعاً بشكل سرى جداً وأسلوب حذر إلى أبعد الحدود، وكان هو وأنصاره لديهم الاستعداد لفعل أي شيء في سبيل تأمين أنفسهم، وكانت أول عمليات الاغتيال التي قاموا بها، قتل مؤذن من أهل ساوة كان مقيماً بأصفهان؛ ذلك أنهم دعوه إلى مذهبهم، فلم يستجب لهم، فخشوا أن يكشف أمرهم فقتلوه.
 
ولما بلغ خبره إلى نظام الملك الوزير السلجوق أصدر أوامره بالقبض على من تدل القرائن على أنه هو القاتل، فحامت الشبهات حول نجار اسمه "طاهر"، فحُكم عليه بالإعدام ومثلوا به وجروه من رجله سائرين به في الأسواق.
 
من هنا أدرك السلاجقة خطورة أتباع الحسن بعدما تأكد أنهم ليسوا مجرد جماعة عقائدية فقط، وإنما لهم توجهات توسيعة ذات خطر على استقرار وأمن السلطة. وبناء عليه صدرت الأوامر بتعقبهم؛ مما دفع الحسن بن الصباح للتفكير الجدى في ضرورة الحصول على حصن منيع يحميه هو وأتباعه، ويعطى لهم الفرصة في نشر الدعوة.
 
20171215035200520

الاستيلاء على قلعة ألموت وبداية عصر الدماء
 
وفق كتاب الحشاشين لعثمان الخشت، اتجهت أعين الحسن الصباح نحو الشمال حيث هضبة الديلم، ويرجع اختياره لهذه المنطقة إلى سببين، لأن سكانها ذو طباع جبلية يميلون إلى التشيع؛ بل أكثرهم شيعة، ولذا فإنهم أكثر استعداداً من غيرهم لاعتناق المذهب الإسماعيلي، ناهيك عن أن لديهم أصول خلاف مع السلطات السنية وذو بأس شديد.
 
كان السبب الأخر أن طبيعة تلك المنطقة الجغرافية تختلف تماماً عن سائر المناطق الفارسية، فهى تقع في الناحية الشمالية من الجبال المحيطة بهضبة فارس الرئيسية، وتشتمل تلك المنطقة على هضاب وعرة وطرق عسيرة المسالك؛ ويوجد بها كثير من القلاع والحصون التي يصعب على الأعداء والمهاجمين اقتحامها.
 
لهذين السببين عقد الحسن بن الصباح العزم على التوجه نحو الشمال نحو مازندران والديلم، وجيلان، وقزوين. فخرج من خوزستان الجنوبية متجهاً إلى مازندران عبر الصحارى والجبال متلاشياً المدن وأماكن تجمع السكان خشية أن يقبض عليه، وبعد ذلك سافر إلى دمغان التي مكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات واتخذها كمركز للدعوة، حيث كان يبعث رجاله المدربين إلى الجبال المحاولة جذب سكانها، وعندما ضيق نظام الملك الخناق عليه ذهب ناحية الغرب إلى قزوين التي كانت قريبة من هضبة الديلم التي تمثل بدورها ـ كما قلنا - الهدف الأساسي الذي كان يتطلع إلى السيطرة عليه.
 
أعد الصباح العُدة بعد دراسة متأنية للمنطقة وحصونها وقلاعها ووديانها وجبالها، للحصول على قلعة ألموت، التي تعتبر أحصن القلاع في المنطقة وأقدرها على تحقيق الحماية لحسن وأتباعه وبناها ملك من ملوك الديلم، إذ كان مغرماً بالصيد، فأرسل ذات يوم عقاباً وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة، فوجده موضعاً استراتيجياً حصيناً، فأمر ببناء قلعة عليه، سماها "أله موتا" ومعناه باللغة الديلمية "تعليم العقاب".
 
v2_0

المكيدة وتجنيد الأنصار بدعوى الدين
 
يشير كتاب الحشاشين إلى أن الحسن الصباح أطلق رجاله في المنطقة المحيطة بالقلعة، بل في داخل القلعة ذاتها، واستطاع هو ورجاله جذب مزيد من الأنصار، بل استطاعوا التأثير على صاحب القلعة نفسه، واستطاع الدعاة تحويل صاحب القلعة العلوى إلى الإسماعيلية، الذي تظاهر بالانضمام إليهم. ولكنه عمل على إخراج جميع المنضمين إلى خارج القلعة، ثم أغلق أبوابها، ورفض دخولهم قائلاً أنها ملك السلطان، ولكنهم استطاعوا التأثير عليه بعد مناقشات طويلة، فسمح لهم بالدخول.
 
وعندما قدم الحسن بن الصباح إلى المنطقة تمكن من استمالة أهلها إليه بقدرته الكبيرة على الإقناع وإظهاره الزهد والتقوى، حتى أن العلوى صاحب القلعة أعجب به وأحسن الظن فيه، لدرجة أنه كان يجلس إليه يتبرك به . ولما أحكم الحسن أمره دخل يوماً على العلوى بالقلعة، فقال له ابن الصباح: أخرج من هذه القلعة، فتبسم العلوى وظنه يمزح ، فأمر ابن الصباح بعض بإخراج العلوى، فأخرجوه إلى دمغان، بعد أن أعطاه ثمن القلعة وسمح له بأخذ متعلقاته منها.
 
الحشاشين ليسوا فقط أتباع الحسن الصباح، بل كل من نهج نهجه، وسار على دربه، حتى ولا كانت بمسمى جديد وحفيد جديد، اسمه حسن البنا الصباح. 
في الحلقة القادمة نتناول: كيف سار الإخوان على درب أسلافهم، من خلال رحلة بين الماضي والحاضر على "صوت الأمة".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق