المفتى يوضح الحد الفاصل بين العيب اليسير والكثير في أضحية العيد

الخميس، 23 مايو 2024 12:00 م
المفتى يوضح الحد الفاصل بين العيب اليسير والكثير في أضحية العيد
منال القاضي

أوضح الدكتور شوقى علام مفتى الجمهوريه  خلال رد ه  على سائل يقول ،  ما هو الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية؟ فقد اشتريت خروفين لأضحي بهما، لكني اكتشفت بعد الذهاب إلى المنزل أن أحدهما به عرج يسير، لكن هذا العرج لا يعيق حركة مشيه، فأخبرني أحد إخوتي أن هذا الخروف الأعرج لا يجزئ في الأضحية، فلما رجعت به إلى التاجر لأستبدله أو أسترجع ثمنه وجدته قد غادر مكانه، وأخبرني جيرانه أنه باع المواشي التي عنده كلها وسافر إلى بلده، فهل يجوز لي أن أضحي بهذا الخروف الذي به عرج يسير؟ وما الحكم الشرعي تجاه عيوب الأضحية؟ وكيف نفرق بين اليسير والكثير؟

الجواب
يجوز شرعًا أن تضحي بالخروف الذي فيه عرج يسير لم يظهر لك وقت الشراء، وتكون الأضحية حينئذ صحيحة ومجزئة؛ لأن التفرقة بين العرج اليسير والكثير، يكون بمدى ظهور هذا العرج وتمكنه من الحيوان المُعدِّ للأضحية، فإذا كان هذا العرج ظاهرًا وفاحشًا ويؤثر على حركة الحيوان مثلًا؛ بحيث لا يستطيع أن يسير مع باقي حيوانات جنسه ويتأخر عنهم ولا يشارك في طيب العلف فلا يجوز حينئذ أن يضحى به، أما إذا كان عيبًا خفيفًا وغير ظاهر إلَّا بالنظر الدقيق، ولا يؤثر في حركة الحيوان فقد نص جمهور الفقهاء على أنه يجوز الأضحية به.
 

 فضل الأضحية
المقرر شرعًا أن الأضحية شعيرة من الشعائر التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى، حيث يقول سبحانه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۝ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36-37].
 
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/ 431، ط. دار طيبة): [يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا، لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق، لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه.. ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾؛ أي: يتقبل ذلك ويجزي عليه] اهـ.
 
وقد بينت نصوص السُّنَّة النبوية أنَّ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى ذبح الأضاحي أيام عيد الأضحى؛ لما يترتب على ذلك من مغفرة الذنوب والحصول على الثواب للمضحي؛ فقد أخرج الإمام الترمذي في "جامعه"، عن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
 
 
الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية
يشترط في الأضحية بعض الشروط من أهمها: أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة كالعور أو العرج أو المرض الظاهر، ونحو ذلك من العيوب التي تقلل من قيمتها؛ فقد أخرج الإمام أبو داود في "سننه"، عن عبيد بن فيروز، قال: سألت البراء بن عازب رضي الله عنه ما لا يجوز في الأضاحي. فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله فقال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي». قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ. قَالَ: «مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ».
 
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1085، ط. دار الفكر): [«العرجاء البين»؛ أي: الظاهر. «ظلعها»؛ أي: عرجها، وهو أن يمنعها المشي.. «والمريضة البين مرضها»: وهي التي لا تعتلف. قال ابن الملك: والحديث يدل على أن العيب الخفي في الضحايا معفو عنه] اهـ.
 
فإذا كان في الحيوان الذي يُعدّ للأضحية عيبٌ فاحشٌ فإنه حينئذ لا يجزئ في الأضحية؛ فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز في الأضحية وجود أحد هذه العيوب المذكورة في الحديث وكذا ما كان في معناها.
 
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (13/ 120، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو: المرض، والعجف، والعور، والعرج البيِّن لا تُجْزِئُ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح؛ كالعمى، وقطع الرِّجْل وشبهه] اهـ.

أما إذا كان العيب يسيرًا وغير ظاهر فقد نص العلماء على جواز أن يضحى به، وتكون الأضحية صحيحة ومقبولة.
 
قال الإمام الخطابي عند شرح الحديث المذكور- في "معالم السنن" (2/ 230، ط. المطبعة العلمية): [وفيه دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه ألَا تراه يقول بيِّن عورها وبيِّن مرضها وبيِّن ظلعها فالقليل منه غير بيِّن فكان معفوًّا عنه] اهـ.
 
وقد قرر جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن الأضحية إذا أصابها العرج وكانت بينة العرج فإنها لا تجزئ عن الأضحية، أما إن كانت غير بينة العرج بأن كانت تسير به مع الغنم الصحيحة وتشارك معها في طيب العلف فإنها تجزئ.
 
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (5/ 215، ط. دار الكتب العلمية): [وفي هذا الحديث: دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا، والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «البيِّن مرضها والبيِّن ظلعها»، وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة؛ لقوله «العوراء البيِّن عورها»، وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال؛ لقوله «والْعَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي» يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم، والنِّقِيُّ: الشحم] اهـ.
 
الخلاصة
بناءً على ذلك: فالتفرقة بين العرج اليسير والكثير، يكون بمدى ظهور هذا العرج وتمكنه من الحيوان المُعدِّ للأضحية، فإذا كان هذا العرج ظاهرًا وفاحشًا ويؤثر على حركة الحيوان مثلًا؛ بحيث لا يستطيع أن يسير مع باقي حيوانات جنسه ويتأخر عنهم ولا يشارك في طيب العلف فلا يجوز حينئذ أن يضحى به، أما إذا كان عيبًا خفيفًا وغير ظاهر إلَّا بالنظر الدقيق، ولا يؤثر في حركة الحيوان فقد نص جمهور الفقهاء على أنه يجوز الأضحية به.
 
وفي واقعة السؤال: يجوز شرعًا أن تضحي بالخروف الذي فيه عرج يسير لم يظهر لك وقت الشراء، وتكون الأضحية حينئذ صحيحة ومجزئة.
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق