رغم الصراعات المحيطة.. مصر قادرة على التحدي
الأربعاء، 17 يوليو 2024 04:00 ص
حالة من الاضطراب المستمر، والصراع المتصاعد، تتخبط بدول العالم، وتحيط بمصر وسط دائرة من التوتر، يشهدها الشرق الأوسط لأول مرة في تاريخه، فما بين حرب أوكرانيا، وحرب الإبادة في غزة، والتصعيد الإيراني الإسرائيلي، ومايدور في البحر الأحمر من توترات، تقف مصر صامدة في وجه التحديات التي تهددها، وتتخذ خطوات جادة لإقرار إصلاح اقتصادي شامل وحقيقي يمكنها من العبور إلى بر الآمان وتجاوز الأزمات
الإدارة المصرية عملت منذ اللحظة الأولى لتوليها قيادة الدولة الأهم على خارطة الشرق الأوسط على إجراء تحليل للآثار الاجتماعية ونشر السياسات على نطاق واسع كأساس للإصلاح، وعززت مظلة الحماية الاجتماعية، كما عملت على الحد من عدم المساواة، وتبنت برنامجا طموحا لإصلاحات سوق العمل ومعالجة البطالة والقضاء على سلبيات الاقتصاد غير الرسمي، وتأهبت سريعا وبإجراءات دبلوماسية صحيحة لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد المصري، والأمن القومي للبلاد.
وتشهد مصر تداعيات في مختلف المجالات وضغوطا اجتماعية واقتصادية نتيجة الأحداث التي تشهدها المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بدول الجوار، وأبرزها انعكاس حرب غزة على مصادر قناة السويس نتيجة للهجمات في منطقة البحر الأحمر وما تلاها من تداعيات على النقل البحري، وحذر البنك الدولي من أن أسعار النفط قد ترتفع إلى أكثر من 150 دولارًا للبرميل إذا تصاعد الصراع في الشرق الأوسط. وفي ظل أسوأ السيناريوهات، قد يتطور الوضع إلى أزمة نفطية مشابهة لأزمة السبعينيات، مما قد يدفع بأسعار النفط إلى الارتفاع لما بين 140 و157 دولارًا للبرميل.
وسعت الدولة المصرية إلى مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية المتلاحقة وما فرضته من تحديات من خلال اتخاذ خطوات إصلاحية عميقة وحاسمة لخفض التضخم، وتقليل نسبة الدين من إجمالي الناتج المحلي، ودعم مرونة الاقتصاد المصري عبر زيادة تنوع الهيكل الإنتاجي وزيادة الصادرات وترشيد الواردات، بالتوازي مع دعم قدرات القطاع الخاص في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة، وإصدار قانون المنافسة، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات محدودة الدخل، فضلاً عن توفير مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتعمل الحكومة المصرية الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي على خلق اقتصاد مرن قادر على مواجهة التقلبات والتغيرات العالمية المتسارعة والانطلاق نحو النمو المستدام. تستهدف الحكومة تمكين القطاع الخاص، وضبط الأسعار والحد من التضخم، وتركز اهتمامها على تطوير الصناعة الوطنية كأحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. تضمنت الجهود المبذولة تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات البيروقراطية لدعم المستثمرين المحليين والأجانب، وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا في قطاع الصناعة. تم إطلاق مبادرات لتعزيز قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية، بالإضافة إلى تحديث البنية التحتية الصناعية وتوفير التدريب المهني المتقدم للعمال، بهدف خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الإنتاجية. تسعى من خلال هذه الجهود إلى تحقيق نمو اقتصادي متوازن وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي. وضعت الحكومة برنامجًا لتحفيز وزيادة الإنتاجية وتنمية القطاعات الرائدة كثيفة العمالة، وتتبنى تنفيذ برنامج قومي بقيادة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بالتنسيق مع الجهات المعنية؛ لزيادة مستويات الإنتاجية وفق مستهدفات واضحة بالتركيز على القطاعات الاقتصادية الرائدة.
كما تستهدف الحكومة في العام الأول من برنامج عملها تحقيق معدل نمو يبلغ 4.2%، على أن تحقق معدلات نمو تتجاوز 5% كمتوسط خلال فترة البرنامج. تسعى إلى تحقيق نمو احتوائي قادر على خلق المزيد من فرص العمل اللائقة، ومواصلة دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، فضلاً عن خلق اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، ومنع الممارسات الاحتكارية.
ويقوم البرنامج الحكومي الجديد على إصلاحات اقتصادية كلية من خلال الانضباط المالي وتعزيز الاستدامة المالية. تسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات العامة بنحو 16% في المتوسط سنويًا حتى عام 2026/2027، وترشيد ورفع كفاءة الإنفاق العام، وخفض إجمالي الدين العام، وتعزيز الشفافية المالية، كما سيعمل البرنامج على ضمان التمكين الاقتصادي والتنمية المكانية المتوازنة؛ فمن المستهدف خفض فجوة النوع في سوق العمل ورفع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 19% بحلول عام 2026/2027، وزيادة معدلات التشغيل إلى ما لا يقل عن 37% في محافظات الوجه القبلي، و45% في المحافظات الحدودية.
بفضل هذه الإصلاحات والجهود، يسير الاقتصاد المصري نحو تحقيق استقرار مستدام قادر على مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.