ترتيب البيت الفلسطيني.. أبو مازن يرسم ملامح التغيير السلمى في السلطة بتعيين «حسين الشيخ» نائبا للرئيس

السبت، 03 مايو 2025 09:00 م
ترتيب البيت الفلسطيني.. أبو مازن يرسم ملامح التغيير السلمى في السلطة بتعيين «حسين الشيخ» نائبا للرئيس
محمود علي

- تجديد حيوية مؤسسات منظمة التحرير لمواجهة خطط التصفية والتهجير ولدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة 

- فلسطينيون لـ «صوت الأمة»: المرحلة الحالية تتطلب تحركاً سريعاً لصياغة خطة وطنية لمجابهة العدوان والدفاع عن حقوق شعبنا 
 
في لحظة دقيقة ومفصلية تمر بها القضية الفلسطينية، حيث تتكثف التحديات وتتزايد الضغوط السياسية والميدانية على الشعب الفلسطيني، صادقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأسبوع الماضى، على تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة ونائباً لرئيس دولة فلسطين. بناءً على ترشيح من الرئيس محمود عباس، ووفق قرار المجلس المركزي في دورته الـ32، في خطوةٌ طال انتظارها محلياً وإقليمياً ودولياً، وتحمل في طياتها دلالات عميقة تتجاوز البعد الإداري إلى ما هو أعمق؛ استباق الفراغ السياسي، وضمان استمرار المرجعية الوطنية، وفتح باب الإصلاح السياسي الذي طالما طالب به الجميع.
 
القرار الذي أُعلن عنه خلال اجتماع للجنة التنفيذية، جاء استناداً إلى قرار المجلس المركزي الفلسطيني، والذي استحدث المنصب لأول مرة في تاريخ المنظمة. وبتزكية من أبو مازن، تم ترشيح الشيخ الذي يشغل مواقع متقدمة في النظام السياسي الفلسطيني، وتمت المصادقة بالإجماع عليه.
 
يمثل هذا التعيين منعطفاً مهماً في بنية النظام السياسي الفلسطيني، حيث طالما كان غياب نائب للرئيس يُعد ثغرة كبيرة، في ظل تقدم عباس في السن (89 عاما) واستمرار الاحتلال والانقسام الداخلي، وقد جاء القرار انسجاماً مع مطالب متكررة من قوى فلسطينية طالبت بترتيب البيت الفلسطيني تحسباً لأي طارئ سياسي أو صحي.
 
وجاء هذا القرار بعد نحو شهرين من إجراء إصلاحي أول قرر خلاله رئيس السلطة الفلسطينية إعادة توحيد الفصيل السياسي الذي يرأسه، إذ أصدر خلال مشاركته في القمة العربية الطارئة المخصصة لغزة، التي عقدت في القاهرة، 4 مارس الماضى، عفواً عاماً عن جميع المفصولين من حركة فتح، ما فتح الباب أمام الكثير من الإجراءات التي تعيد ترتيب البيت الداخلي وتمهد الطريق إلى توحيد الجبهة لمواجهة التحديات الواسعة على رأسها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة الذي راح ضحيته أكثر من 50 ألف شهيد وعشرات الآلاف  من الجرحى والمفقودين.
 
وتُعد خطوة تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائبًا لرئيس دولة فلسطين محطة بالغة الأهمية في سياق توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، بما ينسجم مع الجهود الإقليمية، وعلى رأسها الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة. فهذه الخطوة التنظيمية، التي حظيت بتوافق داخل المجلس المركزي، تأتي في لحظة حرجة تمر بها القضية الفلسطينية، وتشكّل مدخلاً عمليًا لإجراء إصلاحات داخل مؤسسات منظمة التحرير، وتجاوز حالة الانقسام، بما يعزز وحدة القرار الفلسطيني.
 
ويرى محللون أن توحيد الصف الوطني وترتيب البيت الداخلي شرط أساسي لإنجاح المبادرة المصرية، التي لا تقتصر على إعادة البناء فحسب، بل ترتكز أيضًا على توافق وطني شامل يضمن الاستقرار ويمنح العملية السياسية والإنسانية زخماً داخلياً حقيقياً. ويُنظر إلى هذه الخطوة كترجمة مباشرة للتحركات العربية والإقليمية بضرورة تفعيل مؤسسات السلطة والمنظمة، وتوحيد الموقف الفلسطيني، في ظل شلال الدم النازف في غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
 
ويعزز هذا القرار من قدرة القيادة الفلسطينية على التعامل بشكل موحد مع الأطراف الدولية والعربية، ويمثل عامل ثقة إقليميًا، وشرطًا أساسيًا للمضي قدمًا في تنفيذ رؤية مصر الشاملة لإعادة إعمار غزة.
 
وبحسب محللين، فإن هذه الخطوة لا تُعد مجرد ملء فراغ تنظيمي، بل هي تمهيد فعلي لمرحلة ما بعد القائمين على السلطة، ورسم ملامح لتغيير سلمي في السلطة داخل أطر منظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
 
الشيخ، من مواليد رام الله عام 1960، أمضى أكثر من عشر سنوات في السجون الإسرائيلية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبرز لاحقاً خلال إدارته للهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية. يجيد اللغة العبرية، ويمتلك شبكة علاقات داخلية وخارجية، وكان قد عُيّن عام 2022 أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، وتولى مسؤولية ملف المفاوضات بعد وفاة صائب عريقات.
 
ويعد الشيخ من المقرّبين من الرئيس عباس، وتم تعيينه مؤخراً على رأس لجنة السفارات الفلسطينية في الخارج، ما يضيف إلى دوره السياسي بُعداً دبلوماسياً يؤهله للعب دور محوري في المرحلة المقبلة.
 
وعكست ردود الفعل العربية عمق الرهان على هذا القرار. حيث رحبت مصر بقرار تعيين حسين الشيخ، نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائبا لرئيس دولة فلسطين، مؤكدة دعمها لهذه الخطوة والتي تأتي في سياق جهود السلطة الفلسطينية للإصلاح والتي تم الإعلان عنها في القمة العربية غير العادية في القاهرة، 4 مارس الماضي، وبما يستهدف تدعيم الجبهة الداخلية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في هذه المرحلة الفارقة والتاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية.
 
وشددت مصر أنها ستواصل تقديم الدعم الكامل للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق في إطار نضاله ومسعاه المشروع لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط 4 يونيو 1976 وعاصمتها القدس الشرقية، كما ستواصل جهودها الحثيثة لاستئناف اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة والعمل على نفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع، بما يسهم في بدء عملية التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني.
 
كما وصفت السعودية تعيين الشيخ بأنه جزء من «إجراءات إصلاحية تعزز العمل السياسي الفلسطيني»، وأكدت أن هذه الخطوة تصب في اتجاه دعم استعادة الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها إقامة دولة مستقلة على حدود 1967، كما هنّأت الإمارات الشيخ، وأكدتا التزامهما بدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية.
يحمل القرار أيضاً رسائل داخلية للفصائل والقوى السياسية الفلسطينية، مفادها أن القيادة الحالية مستعدة للدخول في حوار وطني شامل، كما أعلن الرئيس عباس خلال الاجتماع، عبر لجنة مشتركة من منظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، خطوة قد تفتح الباب أمام مصالحة طال انتظارها، وتمنح الشرعية لترتيبات انتقال السلطة.
 
على المستوى الإقليمي، تزامن القرار مع تحولات كبرى في الإقليم، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وتنامي الضغوط الدولية لبلورة قيادة فلسطينية موحدة وفاعلة. في هذا السياق، يبدو أن تعيين نائب للرئيس هو إشارة استباقية بأن فلسطين الرسمية مستعدة للإجابة على أسئلة المستقبل، وليس فقط إدارة أزمات الحاضر.
 
ورغم الترحيب العربي والدولي، فإن المستقبل لا يخلو من التحديات، فغياب التوافق الفلسطيني الداخلي، واستمرار الانقسام بين الضفة وغزة، قد يحدّ من قدرة الشيخ على ممارسة صلاحياته بشكل فعلي، إضافة إلى أن مستقبل هذا التعيين سيظل مرهوناً بخطوات سياسية لاحقة، أبرزها استكمال التعيينات القيادية، وإطلاق حوار وطني حقيقي، وربما الذهاب نحو انتخابات طال تجميدها.
 
مع ذلك، فإن هذه الخطوة تفتح نافذة جديدة في مسار طالما وعد بإصلاحه، وتُعيد تنظيم الهرم القيادي الفلسطيني بما يتماشى مع منطق الدولة والمؤسسات.
قد لا تكون هذه الخطوة كافية وحدها، لكنها بالتأكيد ضرورية. وإذا ما اقترنت بإصلاحات حقيقية وبإرادة سياسية جامعة، فإن تعيين حسين الشيخ قد يكون بداية لتدشين مرحلة جديدة، تتجاوز أي أزمات وقعت للنظام السياسي الفلسطيني، وتُمهّد لتجديد الشرعية، وتعزيز التمثيل الوطني، والاقتراب أكثر من أفق التحرر والاستقلال.
 
من جانبه أكد عبد الفتاح دولة، المتحدث الرسمي باسم حركة «فتح» الفلسطينية أن مصادقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على ترشيح حسين الشيخ لتولي منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس دولة فلسطين، جاءت في لحظة وطنية فارقة تمر بها القضية الفلسطينية، وفي ظل تحديات جسيمة تهدد مصير المشروع الوطني.
 
وأضاف دولة في تصريحات خاصة لـ «صوت الأمة»، أن هذا القرار يعكس إدراكاً عميقاً لأهمية توحيد الصف الوطني، وترتيب البيت الداخلي، واستنهاض مؤسسات منظمة التحرير لمواجهة مشاريع التصفية، والعدوان المفتوح على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، مشيراً إلى أن حسين الشيخ، المناضل الذي واكب مختلف محطات النضال، يُعد امتداداً لجيل من القادة الذين حافظوا على القرار الوطني المستقل، موضخاً أن الشيخ أثبت عبر مسيرته التزامه الثابت بالثوابت الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني، وتحمل اليوم مسؤولية جسيمة إلى جانب الرئيس محمود عباس، بما يتطلبه الظرف الراهن من وعي وشجاعة وكفاءة عالية.
 
وأشار إلى أن الثقة التي أوليت له تعكس إيمان القيادة الفلسطينية بقدراته، وإدراكاً لحجم المهام الوطنية التي تستدعي أقصى درجات الالتزام والعمل الجماعي، مؤكداً أن هذه الخطوة تمثل استمرارية لمسيرة النضال الوطني، وتجديداً حيوياً لمؤسسات منظمة التحرير، في ظل التحديات الوجودية التي تواجه شعبنا.
 
من جانبه، قال عمر حلمي الغول، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة لا يمثل تحوّلاً نوعياً جديداً، بل يأتي في سياق سياسي وتنظيمي طبيعي، حيث طُرح هذا الملف منذ سنوات طويلة، على الأقل منذ عقدين من الزمن، وأضاف الغول أن هذا المنصب ليس مستحدثاً كلياً، فقد شغله سابقاً المناضل الراحل إبراهيم بكر في سبعينيات القرن الماضي خلال وجود الثورة الفلسطينية في عمان، ورفض آنذاك مغادرة الأردن بعد أحداث سبتمبر (أيلول) 1970، ما يؤكد أن هذا الدور جزء من التقاليد التنظيمية لمنظمة التحرير.
 
وأوضح الغول لـ «صوت الأمة»، أن تعيين حسين الشيخ جاء في إطار دعم الرئيس أبو مازن ومساندته في أداء المهام، ولتجنب أي فراغ في السلطة السياسية والتنظيمية، مشدداً على أن القرار جاء انسجاماً مع الحاجة إلى توزيع المسؤوليات بشكل فعّال ضمن المؤسسة القيادية الفلسطينية.
 
أما الدكتور مراد حرفوش، خبير الشؤون الإسرائيلية، فأكد أن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الأخير جاء في لحظة بالغة الحساسية، تزامناً مع التصعيد الخطير في قطاع غزة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي من قبل حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، وسط دعم أمريكي وتواطؤ دولي.
 
وأضاف حرفوش لـ «صوت الأمة»، أن الاجتماع ناقش سبل مواجهة هذه التحديات المصيرية، وجرى خلاله تعديل المادة (13) من النظام الداخلي للمنظمة، بما يسمح باستحداث منصب نائب الرئيس، وهو ما صادق عليه المجلس المركزي، معتبراً أن هذه الخطوة جاءت أيضاً استجابة لضغوط عربية وإقليمية تهدف إلى تفعيل مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، موضحاً أن هذا القرار يمثل محطة هامة لإعادة تفعيل دور ومكانة منظمة التحرير، ويفتح الباب أمام حوار وطني شامل بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، والوصول إلى استراتيجية وطنية موحدة تشمل الضفة الغربية وغزة والشتات.
 
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتطلب تحركاً سريعاً لصياغة خطة وطنية فلسطينية قادرة على مجابهة العدوان، ووقف شلال الدم النازف، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة