صرخة غزاوية في وجه العالم: عجزكم يقتلنا كل يوم
السبت، 10 مايو 2025 08:39 م
محمود علي
وجهت غزة صرخة مدوية فى وجه المجتمع الدولى، مؤكدة أن الصمت والعجز الدولى هما السبب الرئيسى في استمرار ألة القتل والتدمير الإسرائيلية، بعدما وقفت الدول الكبرى عاجزة عن اتخاذ اى موقف يساعد في وقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي يوميا في القطاع.
ورغم حالة الخنوع والصمت الدولى، الا أن القاهرة تسابق الزمن، لوضع حد للمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث تعمل على عدة اتجاهات، سياسية ودبلوماسية، للعمل على ايقاف هذه المجازر وعودة الهدوء إلى القطاع.
ففي الوقت الذى تواصل فيه القاهرة مساعيها بالتعاون مع الاشقاء في قطر، والأصدقاء في الولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق بهدنة طويلة في القطاع، تعمل الدولة المصرية عبر مؤسساتها دولياً لتجريم المجازر الإسرائيلية، ودفع المجتمع الدولى لرفض هذه المجازر والانتتهاكات، وتحميل الاحتلال المسئولية الكاملة عنها، ويتوازى ذلك مع مسار أخر تسير عليه مصر، وهو تثبيت الدعم الدولى للسلطة الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وأعلنت مصر على لسان الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، الرفض الكامل لكل ما يتردد بشأن توسيع العدوان الإسرائيلي على غزة، واعتبرت هذه السياسة "مرفوضة تماماً"، داعية المجتمع الدولي إلى أن يقف بصلابة ويتخذ الإجراءات الحازمة والحاسمة لوقف هذا العدوان وسياسة التجويع الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.
والأسبوع الماضى، نقل الإعلام الإسرائيلي عن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش قوله إن هناك خطة يجرى تنفيذها لتدمير غزة بالكامل، خلال بضعة أشهر. ستُدمر غزة بالكامل، وسيُركز سكانها من محور موراج جنوبًا - ومن هناك سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة.
وبحسب القناة الـ12 العبرية، أضاف سموتريتش: "إن نتنياهو تقرر الذهاب نحو عملية قوية لإخضاع حركة حماس واستعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة"، وأكد وزير المالية الإسرائيلي، أن إسرائيل لن تنسحب من قطاع غزة حتى في حال التوصل إلى اتفاق آخر بشأن الرهائن، داعيًا الإسرائيليين إلى تبني "الاحتلال".
وكشف عبد العاطى، في تصريحات صحفية، عن مواصلة مصر للاتصالات المكثفة مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لممارسة أقصى درجات الضغط على الجانب الإسرائيلي، للتوقف عن هذه السياسات غير الإنسانية وغير القانونية، وقال إن الجهود المصرية تتواصل للعمل على الدفع في اتجاه وقف المذابح وأعمال القتل والتدمير اليومية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في غزة، مع ضرورة العودة إلى اتفاق 19 يناير، وهو وقف إطلاق النار، ووقف الانتهاك الممنهج للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من خلال سياسة التجويع كسياسة ممنهجة للعقاب الجماعي على الشعب الفلسطيني.
وأشار عبد العاطى، إلى أنه منذ ما يزيد على 60 يوما لم تدخل شاحنة واحدة تحمل المساعدات الإنسانية والطبية لأهالينا داخل قطاع غزة، وأن هذا الأمر "مخجل" للمجتمع الدولي ولا يمكن لنا أن نقبل ونحن في القرن الحادي والعشرين بهذه السياسات المذرية التي تنتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان وحق الإنسان في الحياة والمأكل والمشرب، فضلا عن كون إسرائيل هي قوة احتلال طبقا لاتفاقيات جنيف وعليها مسؤولية ليست فقط أخلاقية وإنسانية ولكن مسؤولية قانونية أيضا لتوفير المواد الأساسية والمواد الغذائية للسكان الخاضعين للاحتلال.
وسبق أن دعت، أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، جميع الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، سواء باستخدام الأسلحة العسكرية، أو سياسات التجويع التي جعلت القطاع "خاليا تمامًا من الطعام"، كما دعت كالامار هذه الجهات إلى الضغط على إسرائيل، من أجل إدخال المواد الغذائية والمياه والأدوية إلى قطاع غزة، والعمل على محاسبة المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب.
وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن نحو مليون و950 ألف مليون فلسطيني من أصل 2.2 مليون، يعاني مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي.
وقال أنور العنوني، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إن "الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق إزاء توسع الحرب على غزة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح ومزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني"، داعيا الاحتلال إلى التراجع عن خطته الرامية إلى توسيع عدوانه على القطاع، كما دعا إلى إتاحة الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية وتوزيعها، فضلا عن إعادة الكهرباء إلى غزة واستعادة الخدمات الأساسية.
وجدد الدكتور بدر عبد العاطى، دعم مصر الكامل للسلطة الفلسطينية، وذلك باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ووقوف مصر إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في هذه الفترة التاريخية الحرجة.
وأشاد عزام الأحمد، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالمواقف المصرية الداعمة للشعب الفلسطيني في نضاله للحصول على حقوقه المشروعة، وجهود مصر لاستئناف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع.
التحركات المصرية المتواصلة، منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، يعكس المكانة والدور الذي تلعبه الدولة المصرية في سبيل استقرار هذه الأمة ثوابتها ومصالحها التي لا تقبل النقاش حولها، وتجسّد هذا الدور خلال الشهور الماضية في الكثير من التحركات والمواقف البارزة، كان أبرزها المرافعة التاريخية التي قدمتها الدولة المصرية أمام محكمة العدل الدولية، خلال الأسبوع الماضي، وهي استكمال لمرافعة كانت قد ألقتها مصر قبل نحو عام حول القضية ذاتها، والتي كشفت من خلالها أولا كذب وتدليس إسرائيل وجرائمها في القطاع المحاصر، وثانياً مخالفة تل أبيب لالتزاماتها القانونية كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
وجاءت كلمات ممثلو مصر في لاهاي لتؤكد أن ما تقوم به إسرائيل من حصار وتجويع واستهداف للمدنيين، ومحاولات تهجير قسري، لا يمكن اعتباره سوى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والإنساني، حيث ركزت المرافعة المصرية على استعراض الدفوع القانونية التي "تُثبت وجود التزامات على عاتق إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك الاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات أجهزة الأمم المتحدة، فضلاً عن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بضمان وتسهيل توفير الإمدادات والمساعدات العاجلة دون عوائق، وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وشدد الوفد المصري خلال المرافعة على "ضرورة إعلان المحكمة أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يشمل حقه في السعي لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرضه، بما في ذلك الحق في تلقي مساعدات التنمية من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وعدم تهجيره أو طرده من أرضه"، كما شدد على أن "الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة تمثل جزءاً من إجراءات واسعة النطاق وممنهجة وشاملة تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع وتحقيق ضم فعلي للأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن هذه السياسة مُثبتة بالتصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين وكذلك تشريعات الكنيست، فضلاً عن الإجراءات الإسرائيلية المستمرة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتجفيف مصادر تمويلها".
وذكر الوفد المصري أن "الانتهاكات الإسرائيلية تهدف إلى عرقلة حق العودة للشعب الفلسطيني، والذي يشكل ركناً أساسياً من حقهم في تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، موضحا أن ذلك تزامن مع مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات الإخلاء القسري والتهجير المتكرر تحت ذريعة ما يسمى بـ"أوامر الإخلاء"، مما أدى إلى نقل الفلسطينيين قسراً إلى مناطق لا تتمتع بالمقومات الأساسية للمعيشة، وعرقلة وصول الإمدادات والخدمات الأساسية اللازمة للحياة".
وكشف الوفد المصري أن "ما تفعله إسرائيل يأتي ضمن سياسة ممنهجة لخلق ظروف تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة"، وأشار خلال المرافعة إلى أن "إسرائيل دأبت منذ أكتوبر 2023 على استخدام سياسة التجويع والحصار الكامل على غزة كسلاح موجه ضد المدنيين بالقطاع، وأمعنت في استخدام ذلك السلاح بإغلاقها كافة المعابر إلى غزة بشكل متعمد وتعسفي، مما حال دون دخول الغذاء والمياه الصالحة للشرب والوقود والإمدادات الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية".
وأوضح أن "إسرائيل استأنفت عدوانها الوحشي على غزة، والذي أسفر عن مقتل 52 ألف مدني بريء منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال، مشيرا إلى استمرار استهداف إسرائيل للمدنيين والبنية التحتية الضرورية لبقاء السكان الفلسطينيين على قيد الحياة، يُضاف إلى ذلك تكثيف إسرائيل لهجماتها ضد العاملين في المجالين الطبي والإنساني، الأمر الذي دفع بغزة إلى كارثة إنسانية".
تعكس هذه المرافعة التاريخية، دور مصر المحوري في السعي لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة، من خلال العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعيش بكرامة على أرضهم، في إطار التزامها الدائم والثابت بدعم القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية.
ورغم مشاركة عدد من الدول في تقديم مرافعاتها أمام محكمة العدل الدولية، فإن الحضور المصري كان مختلفًا في رمزيته وأثره، مصر بثقلها السياسي، لم تكن مجرد طرف يسجل موقفًا تقليديًا، بل جاءت باعتبارها ركيزة أساسية في هذا المسار القانوني، بما تمثله من مصداقية وشراكة طويلة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. كانت رسالتها واضحة: قد لا يكون للكلمات القدرة على وقف العنف، لكن لها القوة على كشف الحقيقة، وفضح الجريمة، وتثبيتها في ذاكرة القانون الدولي.
ما قدمته القاهرة لم يكن إجراء دبلوماسيا روتينيا، بل كان تعبيرا عن رؤيتها التاريخية في هذه قضية العرب الأولى، رؤية مرتكزة على أن القانون وسيلة للرد عندما تعجز السياسة، وفعلا أخلاقيا حين تتراجع المعايير، ففي اللحظة التي خذل فيها العالم المبادئ التي يدعي الدفاع عنها، اختارت مصر أن توجّه إليه محاسبة رمزية أمام منبر العدالة، لتكشف تواطؤ الصامتين وتسجل شهادة الحق.
ورغم أن القضية تعرض أمام محكمة دولية مهمة، فإن الرسالة كانت موجهة إلى العالم بأسره، إلى الضمير الإنساني الذى يكاد يختفي وسط صخب المصالح، لتذكيره بأن هناك قضايا لا زالت تعبر عن المعاناة الإنسانية فحجم المجازر والجرائم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين خلال أقل من عامين تكشف حجم المأساة والكارثة.
الدور المصري لم يتوقف عند أروقة العدالة الدولية، بل امتد ميدانيًا إلى دعم سكان غزة، رغم حملات التشويه الإسرائيلية التي حاولت النيل من مكانة القاهرة ودورها، فمنذ بداية العدوان، لم تدخر مصر جهدًا في تقديم المساعدات الإنسانية، وفتح معبر رفح لنقل الغذاء والدواء والوقود، إلى جانب جهودها السياسية المستمرة لوقف إطلاق النار وتهدئة الأوضاع في القطاع المنكوب، الذي يتعرض فيه أكثر من مليوني فلسطيني لقصف يومي يستهدف كل مقومات الحياة.
وبينما واصلت إسرائيل انتهاكاتها، حتى ضد كل ما هو مدني في قطاع غزة وفلسطين بصفة عامة، كانت مصر تؤكد أنها "الأم الكبرى لهذا الشرق المضطرب"، حيث لم تدخر أيضاً أي جهد في توفير الأجواء من أجل وقف إطلاق النار في غزة، حيث نجحت الوساطة المصرية وجهود مصر الحثيثة في نوفمبر 2023 بالفعل في وقف إطلاق النار بغزة لمدة 4 أيام، وتمديدها يومين آخرين بنفس الشروط السابقة، في هدنة إنسانية شملت الإفراج عن بعض الأسرى والمحتجزين وادخال شاحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة، فضلا عن ذلك وبرعايتها بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع ذاته يناير الماضي، لكن تل أبيب استأنفت جرائمها دون النظر إلى ما سيسفر عنه هذا التصعيد من مجازر يومية تزيد من أعداد الضحايا والمصابين.
في الوقت نفسه تستمر القاهرة في بذل كل ما في وسعها من أجل تهيئة الأجواء واستضافة اجتماعات التفاوض بهدف التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل ووقف الحرب الدائرة بشكل دائم في القطاع، ما يعكس عمق المسؤولية التي تتحملها القاهرة لتحقيق الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة بصفة عامة.