الأولويات الأربعة للسياسة المالية
السبت، 17 مايو 2025 11:50 م
هبة جعفر
شراكة حقيقية بين المصالح الضريبية ومجتمع الأعمال عنوانها الوضوح والثقة المتبادلة
بناء سياسة مالية متوازنة ترتكز على دفع النشاط الاقتصادي ومساندة كافة القطاعات
تنفيذ استراتيجية متكاملة لخفض معدلات وأعباء الدين المحلي والخارجي لأجهزة الموازنة العامة
زيادة الحيز المالي الموجه للإنفاق على قطاعات التنمية البشرية والحماية الاجتماعية
"قف على ناصية الحلم وقاتل".. قالها محمود درويش منذ سنوات ويحققها وزير المالية أحمد كجوك الآن، فمنذ توليه لمنصبه وهو يحمل على عاتقه مهمة واحدة وهي تحويل مسار الاقتصاد المصري بشكل تصاعدي وإنهاء كافة الازمات من خلال التركيز على عناصر رئيسية، فى مقدمتها بناء علاقة من الثقة والترابط بين وزارة المالية ومصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال، وبناء نظام ضريبي أكثر عدالة وشفافية يدعم النمو الاقتصادى ويعزز مناخ الاستثمار فى مصر، ولخص "كجوك" علاقته بمجتمع الأعمال والمستثمرين بثلاث كلمات «ثقة.. شراكة.. ومساندة» لكل الممولين.
ولم يضع كجوك على عاتقه تبيسط العلاقات بين الضرائب والمموالين فقط، لكنه يعمل أيضا على تحسين وضع المواطن ويشعر بتحسن ملحوظ فى الأوضاع الاقتصادية وزيادة دعم برامج الحماية الاجتماعية، من خلال زيادة المخصصات المالية فى مجالى الصحة والتعليم والخدمات المقدمة للمواطنين الذي تحمل الظروف الاقتصادية الصعبة خلال السنوات الماضية.
نقطة ومن أول السطر لغة وزير المالية مع مجتمع الأعمال
كانت البداية الحقيقة لبناء شراكة مع مجتمع المستثمرين من انطلاق حزمة التسهيلات الضريبية التي شملت 20 إجراءا، تهدف فى المقام الأول إلى تحسين بيئة الأعمال في مصر من خلال تبسيط الإجراءات الضريبية وتقليل الأعباء المالية على الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، تشجيع الشركات غير المسجلة على التسجيل بشكل طوعي من خلال منحها تسهيلات وحوافز وتضمنت التعديلات إعفاء من ضريبة الأرباح الرأسمالية، وإعفاء من ضريبة توزيعات الأرباح ورسوم الدمغة والتوثيق وإعفاء من تطبيق نظام الخصم أو الدفعات المقدمة.
تضمنت المبادرة أيضًا تسهيلات للشركات التي تأخرت في تقديم الإقرارات الضريبية خلال الفترة من عام 2020 إلى 2023 تم السماح لهذه الشركات بتقديم إقرارات معدلة خلال مدة زمنية محددة دون التعرض للعقوبات القانونية المقررة، مما يمنحها فرصة لتصحيح الأوضاع والامتثال الطوعي لأحكام القوانين الضريبية، وذلك تعزيزًا لمبدأ الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب.
أحد أبرز محاور المبادرة هو تجديد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية وتمت الموافقة على منح وزير المالية صلاحية تمديد العمل بهذا القانون لفترات أخرى، ويجري حاليًا العمل على استصداره عبر مجلس النواب. هذا الإجراء يهدف إلى إنهاء أكبر قدر ممكن من النزاعات الضريبية المتراكمة لتخفيف الأعباء عن الممولين والمساهمة في تسريع تسوية النزاعات.
وركزت المبادرة على تبسيط وزيادة فاعلية منظومة رد الضريبة، خاصة الضريبة على القيمة المضافة تهدف هذه التعديلات إلى توفير السيولة المالية اللازمة للمشروعات بسرعة أكبر من خلال تبسيط الإجراءات، مما يؤدي إلى مضاعفة عدد حالات رد الضريبة وزيادة عدد المستفيدين. كما تم تقليص المدة الزمنية اللازمة لإجراء عملية الرد لتصبح أكثر كفاءة. رفع حد الالتزام بتقديم دراسة تسعير المعاملات بين الأشخاص المرتبطين ليصبح 30 مليون جنيه سنويًا بدلًا من 15 مليون جنيه، لتخفيف الأعباء عن شريحة أكبر من الممولين. تحسين وتطوير منظومة إصدار الفتاوى الضريبية لضمان توحيد الفتاوى وعدم تعارضها، مما يسهم في تسهيل التعامل مع المستثمرين وتحفيز بيئة الاستثمار. زيادة فاعلية دور وحدة دعم المستثمرين في حل المشكلات الضريبية التي تواجه المستثمرين، وتوفير استفسارات قانونية وتنفيذية لضمان حل سريع للشكاوى.
وتسعى المبادرة أيضًا إلى تحفيز الممولين غير المسجلين للانضمام إلى المنظومة الضريبية من خلال فتح صفحة جديدة معهم. سيتم منح هؤلاء الممولين إعفاءات من المستحقات الضريبية عن الفترات السابقة لتسجيلهم في مصلحة الضرائب المصرية، وذلك ضمن إطار تشجيع الثقة والشفافية بين الممولين والجهات الضريبية.
تم إدراج تسهيلات جديدة تتعلق بالفحص الضريبي، حيث تم تبني نظام الفحص بالعينة بدلاً من الفحص السنوي لجميع الممولين. يهدف هذا النظام إلى تقليل العبء على الممولين والمصلحة، وتعزيز الثقة بينهم وبين مصلحة الضرائب من خلال التركيز على الفحص الذكي المعتمد على معايير محددة. كما تم تقليص المتطلبات الخاصة بتقديم المستندات للفحص الضريبي بحيث يتم تقديمها مرة واحدة فقط دون الحاجة إلى تكرار العملية.
أحد المحاور الهامة في المبادرة هو تحسين كفاءة العاملين في مصلحة الضرائب تم وضع خطط متطورة للتدريب المستمر للعاملين الفنيين، وخاصة مأموري الضرائب، لرفع مستوى الخدمة المقدمة للممولين. كما تشمل المبادرة إطلاق منصة إلكترونية للتعليم والتدريب لتوفير الموارد اللازمة للعاملين، تشتمل المبادرة على نظام متدرج للعقوبات الخاصة بعدم تقديم الإقرارات الضريبية، بحيث يتم تصعيد العقوبات تدريجيًا بناءً على حجم الأعباء الضريبية. يهدف هذا النظام إلى تحقيق العدالة بين الممولين وضمان تفعيل العقوبات بطريقة تراعي ظروف الشركات المختلفة.
المبادرة تأتي في إطار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى إلى تعزيز الشفافية، زيادة الامتثال الضريبي، وحل النزاعات القديمة بين الممولين ومصلحة الضرائب ووعد وزير المالية مجتمع الاعمال بنفس التغيرات فى الجمارك والتى ستشهدت طفرة كبيرة من خلال اعداد حزمة من التعديلات الجمركية وتسهيل عملية الافراج الجمركي وتقيل زمن الافراج ورد الضرائب كما وعد ايضا بالعديد من التسهيلات على الضرائب العقارية أيضا ستبدأ مع نهاية العام الجاري موازنة تستهدف دفع النمو والنشاط الاقتصادي ومساندة كافة القطاعات والحفاظ على الاستقرار المالي والاستدامة المالية.
لم يتوقف دور وزير المالية أحمد كجوك على إطلاق المبادرة وتسهيل الاجراءات التشريعية الخاصة بالتسهيلات الضريبية، ولكنه انطلق في زيارات ميدانية ولقاءات مع مجتمع الأعمال والمصنعين والمستثمرين تستهدف فى المقام وقام بجولات ميدانية فى المراكز والمأموريات الضريبية لمتابعة تطبيقة الحزمة الجديدة وتذليل العقوبات أمام المموالين.
كما حرص الوزير خلال إعداد الموازنة الجديدة للعام المالى 2025-2026 على أن تكن موازنة «النمو والاستقرار والشراكة مع مجتمع الأعمال»، ولان لغة الأرقام دائما هي الادق والأكثر تحديدا فلابد أن نرصد الأرقام التى شهدتها الموازنة الجديدة والتى تتضمن تخصيص ٧٨ مليار جنيه «مساندة هى الأكبر» للأنشطة الصناعية والتصديرية لتشجيع القطاع الخاص على القيام بدوره من خلال تنفيذ سياسات مالية ومبادرات وبرامج محددة وأكثر تحفيزًا للنمو الاقتصادي، بتخصيص8.4 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم الاستثمار السياحي وزيادة طاقة الغرف الفندقية لاستيعاب المزيد من السائحين، و44.5 مليار جنيه لتنشيط الصادرات بمعدل نمو سنوي ٩٣٪ وإعداد برنامج جديد طموح وعصري ومحفز لدعم المصدرين وتخصيص ٢٩,٦ مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم الإنتاج الصناعي بمعدل نمو ٦٩٪ عن موازنة العام الحالي لتشجيع توطين وتعميق الأنشطة الصناعية، و٥ مليارات جنيه لدعم الصناعات ذات الأولوية لزيادة الطاقة الإنتاجية من الآلات والمعدات، و٥ مليارات جنيه حوافز نقدية لتمويل عدد كبير ومتنوع من المبادرات الموجهة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، و٣ مليارات جنيه لدعم صناعة السيارات ومستلزماتها ومكوناتها بمصر، و٣ مليارات جنيه لمساندة مبادرات التحول إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة، توفر بدائل أقل تكلفة للجميع تلك الأراقم تكشف بوضوح السياسية المالية للدولة خلال السنوات المقبلة بدعم صغار المستثمرين والصناعات المتطورة بشكل عام من العمل على الهدف الأهم والأكبر تقليل فاتورة الاستيراد وزيادة الصارات من خلال تطوير المنتج المحلى وبالفعل ارتفعت الصادرات المصرية بنسبة 24.1%، حيث بلغـت 4.43 مليـار دولار خـلال شهـر فبراير2025، انخفضت الواردات بنسبة 1.4% حيث بلغت 6.76 مليار دولار خلال ذات الشهر.
الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا على رأس اولويات الدولة
وحرصت الدولة خلال إعداد الموازنة على تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية زيادة الحيز المالي الموجه للإنفاق على قطاعات التنمية البشرية، والحماية الاجتماعية، وبرامج الرعاية الصحية ومن خلال منصبه كوزير للمالية يشارك كجوك فى صياغة السياسية المالية وتوفير المخصصات اللازمة لتنفيذ برنامج "تكافل وكرامة" وضمان توجيه الموارد المالية بشكل مستدام للفئات الأكثر احتياجا كما يعمل على تحقيق التوازن بين متطلبات الحماية الاجتماعية واهداف الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي.
وتضمنت موازنة 2025/2026 انحياز كبيرة لتوفير الاحتياجات الاسياسية للمواطنين وتم تخصيص ٧٤٢,٥ مليار جنيه للحماية الاجتماعية بنمو سنوي ١٦,٨٪، و١٦٠ مليار جنيه لدعم السلع التموينية بنمو سنوي ١٩٪ لتخفيف الأعباء عن المواطنين، و١٥٠ مليار جنيه لدعم المواد البترولية والكهرباء لتأمين قطاع الطاقة وضمان توفر احتياجات المواطنين والتنمية، و٥٤ مليار جنيه للإنفاق على الضمان الاجتماعي «تكافل وكرامة» بنمو سنوي ٣٥٪، و٤٥ مليار جنيه للإنفاق على الأدوية والمستلزمات الطبية بمعدل نمو سنوي ٢٦٪ و١٥,١ مليار جنيه لعلاج المواطنين «محدودي الدخل» على نفقة الدولة بنمو سنوي ٥٠٪ لضمان توفر خدمة صحية متميزة للمصريين ، ٢٧ مليار جنيه نفقات خدمية أخرى تشمل الصرف الصحي والنظافة بنمو سنوي ٣٥٪، و٢٢٧ مليار جنيه «مساهمات» فى صناديق المعاشات، و١٣,٦ مليار جنيه لدعم الإسكان للمواطنين «محدودى الدخل» بمعدل نمو سنوي ١٤,٣٪ و٣,٥ مليار جنيه لدعم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل لزيادة المستفيدين بالمدن والقرى، و٥,٢ مليار جنيه للسكة الحديد و١,٨ مليار جنيه لاشتراكات الطلبة والمترو و٢,٥ مليار جنيه للركاب بالقاهرة والإسكندرية.
تنفيذ استراتيجية متكاملة لخفض معدلات وأعباء الدين المحلي والخارجي لأجهزة الموازنة العامة
خفض أعباء الدين الخارجي والداخلى من أكبر التحديات التي واجهت وزير المالية منذ توليه مهام عمله، وكانت أولى خطواته واضحة من خلال وضع استراتيجة متكاملة تستهدف تقليل اعباء الدين الخارجي واقساطه والالتزام بموالعيد محددة فى سدادها مع رفع معدل النمو وهذا ما استطاع بالفعل تحقيقه بتحقيق أعلى فائض أولي بنحو ٤٣٥ مليار جنيه وبنسبة ٢,٥٪ من الناتج المحلي رغم تراجع إيرادات قناة السويس وقطاع البترول ونمو الإيرادات العامة بنحو ٣٢٪ والمصروفات ٢٤٪ خلال الفترة من يوليو إلى مارس الماضيين
تسجيل أعلى إيرادات ضريبية منذ سنوات بقيمة ١,٤ تريليون جنيه وبنسبة ٣٨٪ دون فرض أعباء جديدة وتراجع العجز إلى ٦,٣٪ وبلغ صافي احتياطي النقد الأجنبي بلغ ٤٧,٧ مليار دولار، وتراجع معدل التضخم من ٣٣,٣٪ فى مارس ٢٠٢٤ إلى ١٣,٦٪ فى مارس الماضى.
كما أنه ولاول مرة يستحوذ القطاع الخاص على ٥٩٪ من إجمالي الاستثمارات خلال النصف الأول من العام المالى الحالى بمعدل نمو سنوي ٨٠٪، وقد شهدت قطاعات السياحة خلال «النصف الأول» نموًا قويًا بنسبة ١٣,١٪ والصناعات التحويلية غير البترولية بمعدل ١٢,٤٪ والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ١٥,١٪
كما أن حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة انخفض بقيمة مليار دولار خلال الثمانية أشهر الماضية، وبدء عودة ثقة المستثمرين الأجانب ساعد في إطالة عمر الدين إلى ١,٨ سنة في ديسمبر ٢٠٢٤
وأكد كجوك أننا نستهدف استمرار خفض معدل الدين للناتج المحلى إلى ٨١٪ بنهاية يونيو ٢٠٢٦، ومواصلة النزول بحجم الدَّين الخارجى لأجهزة الموازنة بنحو ١ إلى ٢ مليار دولار سنويًا، وتنويع مصادر التمويل المحلى والخارجى لخفض تكلفة الدَّين وإطالة عمره، وطرح أدوات تمويل جديدة ومتنوعة، وإصدار سندات التجزئة بالسوق المحلية والصكوك
تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية
رحلات مكوكية ولقاءات ثنائية ومتابعات يقوم بها وزير المالية خلال الفترة الماضية من أجل تشجيع الاستثمار فى مصر وشرح التسيهلات والتيسيرات الضريبية والحوافز والتأكيد على أن مصر اصبحت منتفتحة وترحب بالاستثمار الاجنبية وتمنح القطاع الخاص فرص كبيرة وطموحة من أجل الاستثمار وزيادة الانتاج والعمل على تحريك المصانع والشركات زتحفيز صغار المستثمرين، فلا يمر مؤتمر او ملتقى دولي إلا وأكد كجوك خلاله على أن الاقتصاد المصرى يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة وأنه يتحرك وفقا لرؤية اقتصادية طموحة تستند الى توفير اصلاحات اقتصادية تعزز تدفق الاستثمارات الاجنبية فخلال منتدي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدعم للاستثمار بالقاهرة أكد لممثلي كبرى الشركات الفرنسية إن سياساتنا المالية تدعم بقوة مسار تمكين القطاع الخاص المحلى والأجنبي لتعزيز قدراتنا الإنتاجية والتصديرية، وأن العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا مشجعة لتنامي الشراكة الاقتصادية فى شتى القطاعات ذات الأولوية، موضحًا أننا نتطلع إلى مزيد من الشراكات الاستثمارية بين القطاع الخاص المصري والفرنسي لخدمة أهداف التنمية المستدامة.
وبلغ حجم أن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال عام 2024، 46.6 مليار دولار، والمستهدف لعام 2025 يتراوح بين 12 إلى 15 مليار دولار، في إطار الجهود الحكومية لتعزيز جاذبية مناخ الاستثمار واستقطاب المزيد من التدفقات الرأسمالية الأجنبية.
وتسعي الدولة إلى توحيد منصة لإصدار التراخيص، ونخطط لاستكمال عملية التحول الرقمي بحلول نهاية العام الجاري، ولكن فى النهاية تظل الأهداف الطموحة والضغوط الاقتصادية، تظل السياسة المالية أداة حساسة تتطلب توازناً دقيقاً بين الإصلاح والاستقرار الاجتماعي، مع ضرورة متابعة أثر السياسات على المواطنين، لا سيما في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.