حماية التراث السيناوى بيد أبنائه.. خالد أبو ماشى يعيد الأجواء السيناوية التقليدية ويحيى بيت الشعر التقليدى بعد الاندثار
السبت، 24 مايو 2025 09:03 م
مراسل صوت الأمة في شمال سيناء خلال حواره مع خبير التراث السيناوي خالد أبو ماشى
حاوره - محمد الحر
مشغولات قديمة تفتح أبواب الرزق لـ 250 سيدة من شمال سيناء.. وتطوير مقتنيات قديمة بصوره حديثة
ولد ونشأ خبير التراث السيناوي، خالد سليمان أبو ماشي، في بيئة مرتبطة بكافة مفردات التراث السيناوي الاصيل، فكان تعامله صغيرا ثم شابا داخل منزله مع الأدوات والملابس البسيطة المرتبطة بالبلدية السيناوي، فكان اهتمامه بالحفاظ على هذا الموروث الذي بدأ في التلاشي أمام آلة الحداثة التي انخرطت في فرض بدائل حديثة بعيدا عن الأصالة ومضمونها وأثرها في البادية السيناوية.

"صوت الأمة" ألتقت "أبو ماشى" أحد أبناء قبيلة السواركة بشمال سيناء، وخلال اللقاء أكد أن اهتمامه بالتراث وكل ما هو من مقتنيات البادية القديمة بهدف احيائها وعرضها أمام الجيل الجديد حتى يتعرف على ما كانت عليه حياة الآباء والأجداد من معالم حياتية ومعيشية، مشيراً إلى أنه اكتسب هواية جمع التراث منذ فترة الشباب لارتباطة بالبيئة المحلية في بادية شمال سيناء، وترسخت لديه حينما بدأ العمل بالمجال السياحي، وقال: وجدت الأجانب من جنسيات مختلفة معجبون بالتراث البدوي، فأخذت الفكرة من هنا لتسليط الضوء على مفردات التراث وتسويقه وفتح النوافذ المغلقة عليه، ليصل إلى جميع أنحاء العالم خاصة أن له قبول لدى الجاليات العربية والسياح الأجانب"، مضيفاً: بناء على هذه الفكرة استطعت أن أجمع كمية مميزه ومهمة من التراث القديم، وخلال هذه الفترة فوجئت أن هناك أجيال كثيرة من أبناء البادية تجهل مفردات تراث باديتهم، ومنهم من هم في أعمار تتراوح ما بين الثلاثين والخمسين سنة، ما دفعني إلى الاجتهاد بفكرة جمع التراث خطوه بخطوه، ورغم الصعاب التي واجهتني إلا أنني استطعت تكوين متحف مستقل وثري من المقتنيات القديمة للاجداد والاباء في البادية السيناوية القديمة".

لم يكتف خبير التراث السيناوي خالد أبو ماشي بجمع مفردات التراث السيناوي فقط، بل حرص على التجديد في أحد أهم مفرداته، من خلال تأسيس أو إنشاء "بيت الشعر" الذي يستخدمه البدو في الإقامة واستقبال الضيوف واقامة المناسبات المختلفة بنفس الخامات الأصلية من صوف الأغنام، ويقول عن ذلك: صناعة بيت الشعر كانت على وشك الانقراض، لذلك كان تركيزى على الحفاظ عليها، وواجهتنا صعوبات ليست بالقليلة مثل عدم توافر المادة الخام نهائياً، لذا اضطررت للحصول عليها من محافظات بعيدة وهو أمر مكلف جداً".
وأشار أبو ماشى، إلى أن الأجيال القديمة التي كانت تغزل وتبرم الشعر لإنتاج الصوف أندثرت، ولكي ننشئ جيل جديد ونصل إلى أيدي محترفة ذو معرفة بهذه الصناعه، فقد أستغرق ذلك وقتا ما يقارب الأربع سنوات، وتمكنا من انتاج شيء عبارة عن نسخة طبق الأصل وليست الأصل نفسه، ودخلنا مرحلة ثانية في زينة الإبل، ونجحنا في أشياء كثيرة منها وغطينا أشياء كثيرة بالنسبة للسوق المصري من بينها اكسسوارات الهجن، وكل ما يستخدم في الهرم بالنسبة للخُرج الذي يوضع على ظهور الإبل، والحمد لله لاقت رواج ممتاز وأصبح عليها طلب من دول خارجية مثل الأردن والسعودية وقطر أخذت بعض المنتجات.

أضاف ابو ماشي: "طورنا من المنتجات التراثية لأشياء ممتازة، ولاقت ترحيب بدرجة كبيرة جدًا خارج مصر لأنها اندثرت من العالم العربي كله كالدويرة والخُرج والغُرظة، وكل ما يخص الإبل من المقتنيات التي تلاشت وانتهت أساسًا، وهناك بعض الناس يتحدثون معي عن وجود هذه الأشياء لديهم منذ 40 عاماً، ويربدون منها نسخ جديدة فأخذنا نسخ منها وصنعنا نسخ بجودة أعلى، ما أتاح لنا فتح باب رزق، حتى بات عندنا شق تجاري وشق هواية تراث ووصلنا لمراحل ممتازه في هذا المجال".
وقام "أبو ماشى" بعرض مفردات التراث بعدة معارض في مدينة شرم الشيخ إلى جانب القرى التراثية التي تقام على هامش مهرجانات سباقات الهجن في شرم الشيخ والعريش، وقال: تتضمن معروضاتنا أدوات المعيشة مثل الباطية التي كانت تستخدم في تقديم الطعام، وهى واحدة أهم أدوات الطعام في البادية السيناوية، القدح الخشب، الحنورة، المحلبه، السعن الذي يستخدم لخض اللبن الحليب، أما ركن الأدوات العامة فيشمل الغبيط، الوِثِر، والأدوات القديمة مثل لوح الدراس، المذراة، هذه الأشياء يعجب بها الناس".
وبالنسبة للملابس في البادية وخاصة الثوب البدوي، يقول أبو ماشى "هناك اختلاف بين ثوب المتزوجة وثوب العجوز، حيث تختلف الألوان بالنسبة لأهل سيناء، وعلى سبيل المثال الثوب الأزرق مخصص للبنت، الألوان طبعًا للمتزوجة، أما السيدة المتقدمة في السن يختلف اللون"، مشيراً إلى أن فكرته تقوم على تبسيط الأمور، وسحب التراث القديم للحداثة كشكل قماش أو كشكل مخدة لأننا ليس لدينا قوة إنتاجية لتغطية المكان كله بالطراز القديم، ولذا نضطر لاستسخدام قماش بما يلائم اللون أو القمشة أو درجة الألوان كي لا يكون نشاز عن الموضوع البدوي.
ونجح خالد ابو ماشي في المزج ما بين القديم والحديث بصبغة حضارية دون المساس بالمضمون حيث يقول: "هناك منتجات سياحية دخلناها كالحقائب والخرز، وطورنا منها وعملنا تصاميم جديدة وتلاقي رواج أيضًا كمنتج سياحي"، مشيراً إلى أن التراث اصبح اليوم باب للرزق لبعض العمال الذين يعملون في هذا المجال وخاصة السيدات، لأن كل من يجيد التراث هن سيدات بدويات، وطبيعة البادية أن السيدة البدوية لا تعمل خارج منزلها، وإن كانت في الفترة الماضية تعمل في أرضها أو مزرعتها مع زوجها أو والدها أو مع أهلها، لكن لا يجوز أن تخرج من منزلها كثيراً، لذا جلبنا أدوات تراثية قديمة كالشعر والشُقة كالبساط ووصلناه عن طريق سيدات واشتغلن وأصبح لهن مردود مادي محترم جدًا، حيث يوفر هذا المشروع 250 فرصة عمل لسيدات سيناويات.
ويشير خبير التراث السيناوي خالد سليمان ابو ماشي إلى أن هدفه الأساسي من هذا العمل الشاق وهو الاهتمام بالتراث البدوي بكافة مفرداته وأشكاله، وتعريف الجيل الجديد بمفردات التراث البدوي حتى يعرف التاريخ القديم، ومن باب " من ليس له ماضي ليس له حاضر"، لأن الشباب الجديد معلوماته ومعرفته قليلة عن التراث، لكن عندما يرى هذه الأشياء يعرف ويعلم أن له تراث عظيم يجب حمايته والحفاظ عليه من الاندثار .






9


