محمد نجم.. ساخر لا يغيب عن سماء الضحك
الخميس، 05 يونيو 2025 09:49 ص
في مثل هذا اليوم، منذ سنوات ست، خفتت إضاءة خشبة المسرح، وودّعت الكوميديا واحدًا من أنقاها وأصدقها... محمد نجم، الرجل الذي لم يكن ممثلًا فحسب، بل كان حالة... نادرة، لا تتكرر، تفيض بسخرية ذكية، وخفة دم فطرية، جعلت منه وجهًا مألوفًا في ذاكرة الضحك العربي.
ولد محمد نجم بملامح مصرية خالصة، تحمل بين قسماتها خفة ظل تلقائية، كانت كافية لتمنحه مكانًا في قلوب المشاهدين. بدأ رحلته الفنية في أوائل السبعينيات، بشغف العاشق، عبر أدوار صغيرة في السينما والتلفزيون، لكن قلبه لم ينبض إلا للمسرح... هناك، حيث يعلو صوت الجمهور ضحكًا، وتتقاطع الأرواح مباشرةً بلا مونتاج ولا مؤثرات.
أسّس فرقته المسرحية الخاصة، وقرر أن يبني عالمه فوق الخشبة، عالمًا من السخرية الراقية والجنون المنظّم، فصار "نجم المسرح" بحق، لا باللقب.
حين وقف على خشبة المسرح في مسرحية "عش المجانين"، لم يكن يعلم أن جملةً عفوية ستتحوّل إلى واحدة من أشهر العبارات في تاريخ الكوميديا المصرية.
"شفيق يا راجل!" لم تكن مجرد نكتة، بل أيقونة اختزلت بها أجيال من الضحك، واختزن بها الناس روح محمد نجم المميزة: ساخرة، مباشرة، طازجة كأنها قيلت للتو.
رغم عشقه الأبدي للمسرح، لم تخلُ مسيرته من بصمات سينمائية لافتة، حيث شارك في عدد من الأفلام خلال السبعينيات، أبرزها: "مولد يا دنيا"، "بمبة كشر"، "احترسي من الرجال يا ماما"، "قمر الزمان"، وصولًا إلى فيلمه البارز "حكايتي مع الزمان"، بجوار وردة الجزائرية ورشدي أباظة، حيث تألق بأسلوبه المختلف وسط عمالقة الشاشة.
وفي التسعينيات، عاد للظهور السينمائي بفيلم "عقلي طار" مع الفنان محمد عوض، في لحظة سينمائية جمعت بين جيلين من فناني الضحك، قبل أن ينسحب مجددًا نحو خشبة المسرح، حيث كان بيته الأثير.
في فجر أول أيام عيد الفطر لعام 2019، أسدل القدر الستار الأخير على حياة محمد نجم. دخل في غيبوبة قصيرة، ثم غاب الجسد، لكن بقيت ضحكته صاخبة في الأذهان، وجمله تتردد في بيوت المصريين، على المقاهي، في النوستالجيا، وفي "ميمز" السوشيال ميديا.
وكأن المسرح قد قرر أن يحتفل بعيده بطريقته، فغاب النجم... وترك للضوء ذكرى.
لم يكن محمد نجم نجمًا بالاسم فقط، بل بالبسمة التي زرعها في القلوب، وباللون المسرحي الذي أخلص له حتى النهاية. ورغم مرور السنوات، لا تزال مقاطع مسرحياته تُشاهد بالملايين، ولا تزال كلماته تُقال في لحظات المزاح، وكأنه لم يغب أبدًا.
في ذكرى رحيله، نُرددها كما اعتاد هو أن يردّدها: "شفيق يا راجل... هو الضحك بينتهي؟"