مصر والسعودية مسيرة شراكة تتجاوز الجغرافيا

السبت، 19 يوليو 2025 05:43 م
 مصر والسعودية مسيرة شراكة تتجاوز الجغرافيا
طلال رسلان يكتب:

وسط عالم عربي يموج بالتقلبات والتحديات، تبرز العلاقة بين مصر والسعودية كنموذج فريد لتحالف راسخ يزداد صلابة كلما اشتدت الأزمات. إنها ليست مجرد شراكة بين دولتين، بل هي لقاء بين التاريخ والمستقبل، بين القلب العربي النابض والعقل الإستراتيجي الواعي.
 
هذه العلاقة، التي تغذت على قرون من الروابط الثقافية والدينية والاجتماعية، لم تبدأ فقط منذ إعلان المملكة العربية السعودية عام 1932، بل تعود جذورها إلى أعماق التاريخ؛ حيث كان الحج والعمرة جسرًا روحيًا ربط المصريين بأرض الحرمين. ومع ظهور الدولة السعودية الحديثة، لم تتردد مصر في مدّ يد الدعم، كما جسّدته زيارة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى القاهرة عام 1946، والتي رسّخت بداية مرحلة جديدة من التعاون الثنائي المثمر.
 
لكن ما يميز هذه العلاقة ليس فقط التاريخ، بل تطورها الدائم ومرونتها في مواجهة التحديات. فمصر والسعودية ليستا مجرد قوتين عربيتين، بل هما ركيزتان للنظام الإقليمي، ومحوران متلازمان في معادلة الأمن العربي. وقد أثبتت الأزمات الكبرى في فلسطين وسوريا واليمن وليبيا أن وحدة الموقف بين القاهرة والرياض قادرة على حماية مصالح المنطقة وردع التهديدات.
 
اقتصاديًّا، تسير العلاقات في خط تصاعدي يعكس حجم الثقة المتبادلة. المملكة هي واحدة من أكبر المستثمرين في السوق المصري، باستثمارات تتنوع بين الطاقة، والعقارات، والسياحة، والصناعة. هذا الزخم يُعزّز بفعل مشروعات طموحة مثل "جسر الملك سلمان"، الذي من المنتظر أن يربط القارتين الآسيوية والإفريقية عبر البحر الأحمر، ويفتح آفاقًا ضخمة لحركة التجارة والتكامل الإقليمي.
 
ولا يقف التنسيق المصري السعودي عند السياسة أو الاقتصاد؛ بل يمتد إلى الثقافة، والتعليم، والإعلام، والدفاع، والطاقة النظيفة، في إطار إرادة سياسية واضحة تُدرك أن التحديات العابرة للحدود لا تُواجه إلا بتعاون حقيقي وشامل.
 
أما على الصعيد الشعبي، فثمة دفء لا تخطئه العين. ملايين المصريين يعيشون ويعملون في المملكة، بينما يزور السعوديون مصر طلبًا للراحة والاستجمام والدراسة. التفاعل اليومي بين الشعبين لم يصنع فقط جسرًا إنسانيًا، بل خلق إدراكًا مشتركًا بأن المصير واحد، وأن الاستقرار لا يتحقق إلا معًا.
 
المكانة الإقليمية والدولية التي تحظى بها كل من القاهرة والرياض تمنحهما دورًا محوريًّا في صياغة مستقبل المنطقة. فمصر بتاريخها العميق وجيشها القوي، والسعودية بمكانتها الروحية وثقلها الاقتصادي العالمي، يشكلان ثنائيًّا استثنائيًّا في زمن الاستقطابات. ويكفي أن نضع رؤية السعودية 2030 جنبًا إلى جنب مع مشروعات مصر التنموية الكبرى لندرك حجم الفرص المشتركة للتكامل والنمو المشترك.
 
إن ما يجمع بين مصر والسعودية يتجاوز الدبلوماسية التقليدية، ويتحول إلى علاقة شراكة حقيقية تنبع من إدراك عميق بدروس الماضي ومتطلبات الحاضر وآمال المستقبل. ومع تنامي التحديات الدولية، من تغير المناخ إلى تحولات الطاقة، فإن البلدين يمثلان صوتًا عربيًّا قويًّا ومتزنًا قادرًا على التأثير في المسرح الدولي.
 
باختصار، العلاقات بين مصر والسعودية ليست مجرّد تحالف وقتي، بل هي شراكة قدر ومصير، تزداد رسوخًا عامًا بعد عام، وتقدم نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه العلاقات العربية إذا اجتمع القرار السياسي مع التقارب الشعبي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق