لسنا مهزومين ما دمنا نقاوم
الأحد، 14 سبتمبر 2025 09:00 ص
سيكون يوم الأحد الحادي والثلاثين من شهر أغسطس من عامنا هذا 2025 يومًا فارقًا في مسيرة الضمير الإنساني، ففي صباحه انطلق من مدينة برشلونة الإسبانية الشهيرة "أسطول الصمود العالمي" الذي يحمل مساعدات إنسانية وناشطين في محاولة لكسر الحصار القاتل الذي لا يستند لأي قانون الذي يفرضه كيان الاحتلال على قطاع غزة.
كون أن ذلك اليوم سيكون فارقًا ليس به من المبالغة شيء، فنحن ـ وللمرة الأولى ـ أمام عمل منظم جاد تشارك فيه دول العالم الأول بممثلين لهم وزنهم العالمي.
من حسن حظنا أن يكون الكاتب والسينمائي المصري باسل رمسيس واحدًا من أعضاء الأسطول، باسل يكتب يوميات الإبحار بكل ما يغلفها من مشاعر، وعنه أنقل.
كتب باسل موضحًا أن الفكرة ليست وليدة اليوم، بل قد استغرق ظهورها وتحقيقها على أرض الواقع وقتًا طويلًا، فهناك اجتماعات للتدريب!
يقول باسل: "القاعة الواسعة التي تلقينا فيها التدريب، هي جزء من القاعة الرئيسية القديمة والهائلة لنقابة UGT، خصصت في سنوات الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939 لهؤلاء المتطوعين الذين شكَّلوا الفوج العالمي الآتي من أنحاء العالم للنضال المسلح ضد الفاشية الإسبانية. لكن بعد عقود طويلة، ها هي تضم متطوعين دوليين آخرين، جاءوا لمحاولة كسر الحصار عن غزة، وقف الإبادة والتجويع، وأن يقولوا فلسطين من النهر إلى البحر. لكن بعد أن تغير العالم كثيرًا، ولم تتغير الفاشية".
وعند لحظة الانطلاق نظم الأسطول مؤتمرًا صحفيًا قال فيه أعضاء اللجنة التوجيهية: "إنهم يعملون على تأسيس حركة تضامن عالمية مع الشعب الفلسطيني، وأكدوا أن 30 ألف شخص انضموا إليهم لكسر حصار غزة.
وشددوا على ضرورة التحرك وعدم الصمت لإنهاء التواطؤ العالمي مع "دولة الإبادة الجماعية"، واعتبروا أن أي اعتداء محتمل للجيش الإسرائيلي على الأسطول سيُعد جريمة حرب.
وأشاروا إلى أن الأسطول من اتحاد أسطول الحرية وحركة غزة العالمية وقافلة الصمود ومنظمة صمود نوسانتارا الماليزية، ويضم الأسطول ناشطين من 44 دولة ونوابا أوروبيين وشخصيات من بينها رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو النائبة اليسارية البرتغالية ماريانا مورتاغوا وستنطلق من تونس ودول أخرى قوارب وسفن لتنضم إلى الأسطول الرئيسي".
هذا العمل الجاد والمنظم نشهده لأول مرة فالأمر لم يعد أمر فردي يقوده الحماس أو التضامن الإنساني الفردي، بل هو أمر جماعات كبيرة تمثل دولًا لها نفوذ وسيادة والمس بمواطنيها لن يمر بسهولة.
الجدية والتنظيم الدقيق جعلت قيادات عمال المواني في إيطاليا يفوضون رجلًا منهم يصعد على منصة مهيبة تحلق حولها الآلاف ليخطب بكل ثقة وحسم موجهًا رسالة لم نسمع بمثلها من قبل.
كان الرجل يملأ الشاشة ويتدفق إصرارًا وحزمًا، قال القائد العمالي: "إذا انقطع الاتصال بقواربنا ورفاقنا - حتى ولو لعشرين دقيقة فقط - فسنمنع أوروبا بأكملها.
يجب أن يعود شبابنا وشاباتنا سالمين، ويجب أن تصل كل هذه البضائع، التي هي ملك للشعب وستذهب إليه، إلى وجهتها، حتى آخر صندوق. تغادر من هذه المنطقة سنويًا ما بين 13,000 و14,000 حاوية متجهة إلى إسرائيل. ولن يخرج منها مسمار واحد بعد الآن".
لم يكن الرجل يمثل نفسه، إنه يمثل تجمعًا عالميًا بدأ يصحو ويغادر غفوة الضمير التي طالت، فمجازر جيش الاحتلال لا تهدد أهل غزة فحسب إنها تهدد الضمير الإنساني، من حيث كونه ضميرًا يعرف الحق من الباطل.
ترى ما هو موقف كيان الاحتلال من أسطول الصمود؟
الموقف نطق به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي قال "إن القوارب في الأسطول ستتم مصادرتها، وإن الأشخاص الموجودين على متنها سيُعتقلون وسيُعاملون على أنهم مشتبه بهم بالإرهاب".
أوربا التي انطلق منها الأسطول تعلم أن بن غفير جاد وينفذ ما يهدد به، ولذا سارعت ثلاث دول هي ايطاليا واسبانيا ومن اسكتلندا بإطلاق تصريحات قوية قالت فيها لدولة الاحتلال:" لا تقتربي من اسطول الصمود الذي يحاول كسر حصار غزة".
الوقائع التي على الأرض تقول: إن السفن لن تدخل إلى غزة، لسبب بسيط، وهو أن غزة ليس بها لا ميناء ولا حتى رصيف بحري يسمح برسو السفن، ثم هناك قوات الاحتلال التي بدأت في مضايقة السفن والقوارب بإرسال مسيرات استطلاع تحلق فوق الأسطول ليل نهار، وفي ساعة الجد قد يتم اعتقال كل المشاركين، وهذا ما فعله الاحتلال مع كل المحاولات السابقة.
ولكن هذه الوقائع لا تعني أن المشروع ولد فاشلًا، بل لقد ولد ناجحًا لأنه بمثابة صرخة ضمير، هزت العالم وستواصل هزه حتى ينكسر هذا الحصار اللعين.
نحن الذين يدمي الحصار قلوبنا علينا أن نؤمن بأننا لسنا مهزومين ما دمنا نقاوم.