استعدادات ضخمة للافتتاح العالمى للمتحف المصري الكبير
السبت، 27 سبتمبر 2025 10:30 م
لأول مرة.. تحقيق الحياد الكربوني للمتحف وإعلانه متحف أخضر صديق للبيئة
5 آلاف قطعة أثرية من مقتنيات الملك الشاب توت عنخ آمون جاهزة للعرض الكامل أمام الزائرين
يترقب العالم أجمع، وعشاق الحضارة المصرية القديمة على وجه الخصوص، الأول من نوفمبر المقبل ليشهدوا افتتاح أضخم مشروع ثقافي وحضاري في القرن الحادي والعشرين: المتحف المصري الكبير.
هذا الصرح ليس مجرد متحف تقليدي للعرض والزيارة، بل يمثل منظومة متكاملة تجمع بين العلم والتاريخ والثقافة والفنون، ليصبح واحدًا من أبرز المعالم العالمية، ومنصة رئيسية تليق بمكانة مصر وحضارتها التي تمتد لآلاف السنين.
فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير لم تكن وليدة اللحظة، بل هي ثمرة تخطيط ورؤية طويلة الأمد بدأت منذ مطلع الألفية الجديدة، ففي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لهذا المشروع الضخم، قبل أن تبدأ أعمال البناء فعليًا في مايو 2005، ليجري تمهيد الموقع وتجهيزه على مساحة هائلة بالقرب من أهرامات الجيزة، ومع عام 2006، برزت أولى ملامح هذا المشروع الفريد، حيث تم إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، مخصص لمعالجة وصيانة وتأهيل القطع الأثرية التي ستعرض لاحقًا داخل المتحف، وقد جرى افتتاح هذا المركز رسميًا عام 2010، ليصبح منذ ذلك الحين مؤسسة علمية رائدة في مجال الترميم، ومرجعًا عالميًا في حفظ التراث.
وفي إطار استكمال البنية المؤسسية، أصدر رئيس مجلس الوزراء في عام 2016 القرار رقم 2795 بإنشاء هيئة المتحف المصري الكبير، لتتولى الإشراف الكامل على المشروع، ثم جاء عام 2020 ليشهد نقلة جديدة بإصدار القانون رقم 9 الذي أعاد تنظيم الهيئة كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشؤون الآثار، ما منحها مرونة أكبر في الإدارة، ووفّر لها إطارًا تشريعيًا يواكب حجم المشروع وضخامته.
وكان 2021 علامة فارقة في مسيرة المتحف، حيث تم الانتهاء من المبنى العملاق الذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، ليضم قاعات عرض هي الأكبر على الإطلاق مقارنة بالعديد من المتاحف العالمية، ويكفي أن قاعة واحدة من قاعات العرض فيه تفوق في مساحتها العديد من المتاحف القائمة داخل مصر وخارجها، ويحتوي المتحف على كنوز أثرية لا تقدر بثمن، يأتي على رأسها المجموعة الكاملة للملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته الشهيرة في نوفمبر 1922.
كما يضم مقتنيات الملكة حتب حرس، والدة الملك خوفو باني الهرم الأكبر، بالإضافة إلى متحف مراكب خوفو، ومجموعة واسعة من الآثار التي تمتد من عصور ما قبل الأسرات وصولًا إلى العصرين اليوناني والروماني.
وللتأكد من جاهزية المتحف قبل الافتتاح الرسمي، بدأت الدولة منذ أكتوبر الماضي التشغيل التجريبي له، حيث استقبل المتحف ما يقارب أربعة آلاف زائر يوميًا كحد أقصى.
وهدف التشغيل التجريبي إلى اختبار كافة مرافق المتحف، من قاعات عرض وخدمات سياحية وتنظيمية، وكذلك المرافق الخارجية من مواقف سيارات ومناطق استقبال، لتحديد أي نقاط تحتاج إلى تطوير أو تحسين، وخلال هذه الفترة، تم فتح 12 قاعة رئيسية أمام الزوار، ضمت ما يقارب 24 ألف قطعة أثرية، على مساحة تعادل نحو ستة أفدنة، بخلاف القطع الأخرى التي جرى تجهيزها لمراحل لاحقة.
ومع التدرج في التشغيل التجريبي، قدّم المتحف المصري الكبير تجربة متحفية غير مسبوقة؛ إذ جرى عرض آثار تغطي جميع الفترات التاريخية للحضارة المصرية القديمة، فمن عصور ما قبل التاريخ وعصور ما قبل الأسرات، مرورًا بعصر بداية الأسرات والدولة القديمة والوسطى والحديثة، وصولًا إلى العصر المتأخر واليوناني الروماني، صيغ سيناريو العرض المتحفي بعناية ليحكي ثلاث قصص كبرى تمثل جوهر الحضارة المصرية: الملكية، والمجتمع، والمعتقدات.
وبهذا، لا يقتصر المتحف على مجرد عرض قطع أثرية متفرقة، بل يروي قصة متكاملة لتاريخ مصر القديمة من خلال قطع أصلية مرتبة وفق رؤية علمية حديثة.
ولعل أبرز ما يميز هذا الصرح هو تخصيص قاعة كاملة للملك الشاب توت عنخ آمون، حيث سيتم افتتاحها رسميًا بالتزامن مع الافتتاح الكبير للمتحف.
هذه القاعة ستضم حوالي 5400 قطعة أثرية من مقتنيات الملك، كثير منها يُعرض لأول مرة على الإطلاق، مما يجعلها حدثًا استثنائيًا في عالم الآثار والمتاحف، ويضع المتحف المصري الكبير في مقدمة المؤسسات المتحفية عالميًا.
وفي إطار الاستعدادات للحدث العالمي المنتظر، أعلنت إدارة المتحف عن غلق قاعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير اعتبارًا من 20 أكتوبر، لاستكمال أعمال نقل آخر القطع الأثرية الخاصة بالملك الذهبي إلى المتحف الكبير، وبذلك، ستُعرض مجموعة الملك الشاب لأول مرة مجتمعة في قاعة واحدة مخصصة، وهو ما يمثل حدثًا غير مسبوق في تاريخ علم الآثار، أما المتحف المصري بالتحرير فسيستمر في استقبال الزوار كالمعتاد، باستثناء هذه القاعة فقط.
ومن المقرر أن يغلق المتحف المصري الكبير أبوابه بالكامل أمام الجمهور ابتداءً من 15 أكتوبر، لتنفيذ أعمال تنظيمية ولوجستية استعدادًا للافتتاح الرسمي، بحضور عدد من قادة وملوك ورؤساء العالم، وسيُعاد فتح أبوابه للزوار بدءًا من الرابع من نوفمبر، وهو الموعد الذي يتزامن مع الذكرى 103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، في دلالة رمزية تعكس الترابط بين الماضي والحاضر.
وفي موازاة الاستعدادات التنظيمية والفنية، تسعى الدولة المصرية إلى أن يكون افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة حضارية متكاملة للعالم، لا تقتصر فقط على إبراز عظمة التاريخ المصري، وإنما تمتد لتؤكد التزام مصر بمعايير الاستدامة البيئية، وشهد المتحف مراسم توقيع بروتوكول تعاون بين جهاز شئون البيئة وهيئة المتحف المصري الكبير، بحضور شريف فتحي وزير السياحة والآثار، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والقائمة بأعمال وزير البيئة، بهدف إعلان المتحف كأول "متحف أخضر صديق للبيئة" في مصر والمنطقة.
ويأتي هذا البروتوكول ليجسد رؤية الدولة في دمج البعد البيئي في مختلف قطاعاتها، وخاصة في المشروعات القومية الكبرى، وأوضح شريف فتحي أن المتحف المصري الكبير لم يُصمَّم ليكون مجرد صرح ثقافي وحضاري، بل حرص منذ نشأته على تطبيق المعايير البيئية الدولية، وهو ما أهله للحصول على شهادة البناء الأخضر والاستدامة، كما أكد أن المتحف سيكون نموذجًا عالميًا لتطبيق معايير الاستدامة، يجمع بين عراقة الماضي ومتطلبات الحاضر، ويقدم نموذجًا لمزج التراث بالوعي البيئي.
أما الدكتورة منال عوض، فأشارت إلى أن البروتوكول يستهدف مساعدة المتحف على تحقيق الحياد الكربوني خلال فترة التشغيل التجريبي وفعاليات الافتتاح والسنة الأولى من التشغيل، موضحة أن جهاز شئون البيئة سيقدم الدعم الفني والتوعوي، من خلال إعداد برامج للتثقيف البيئي داخل المتحف، وتنظيم أنشطة لرفع الوعي البيئي لدى الزوار، إضافة إلى عرض صور وأفلام توثق للمحميات الطبيعية المصرية وتنوعها البيولوجي، بما يربط بين التراث الثقافي والبيئة الطبيعية.
ويتضمن البروتوكول مبادرات عملية مثل دعم المنطقة المحيطة بالمتحف بالأشجار في إطار مبادرة "100 مليون شجرة"، ورصد نسب تلوث الهواء والضوضاء في محيط المتحف بشكل دوري.