«لا مش هاننسى».. بحر البقر جريمة إسرائيلية ستظل محفورة في أذهان المصريين
السبت، 04 أكتوبر 2025 11:58 ص
إبراهيم عيسى
محمد الشرقاوي
من جديد، يُطل الإعلامي إبراهيم عيسى ليعبث بذاكرة المصريين، متسائلًا في برنامجه: «ليه ما ننساش؟ بجد ليه ما ننساش؟»، في إشارة إلى قصف إسرائيل لمدرسة بحر البقر في سبعينيات القرن الماضي، كأنه يريد أن يُعيد تعريف الوطنية على طريقته الخاصة، وأن يُحوّل الذاكرة الوطنية إلى ترفٍ يمكن شطبه من الوعي الجمعي كلما أراد.
لكن الحقيقة أن مثل هذا الطرح ليس “مراجعة عقلانية” كما يحاول أن يُقدّمه، بل هو عبث بالضمير القومي، وضرب مباشر في جدار الوعي الوطني الذي يحفظ لمصر تاريخها وثوابتها.
حين يسأل إبراهيم عيسى عن جدوى التمسك بذكرى مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد أطفال أبرياء، فهو لا يفتح “نقاشًا فكريًا”، بل يفتح ثغرة في جدار الذاكرة الوطنية، وكأن دماء التلاميذ الذين سقطوا تحت نيران الفانتوم يمكن أن تُمحى بحجة “التطور” و”تجاوز الماضي”.
لقد كانت "بحر البقر" واحدة فقط من سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ضد المصريين، فقبلها وبعدها، لم تتورع إسرائيل عن انتهاك كل خطوط الإنسانية والأعراف الدولية: من "مذبحة مصنع أبو زعبل عام 1970".
الظاهر أن إبراهيم عيسى نسى حين قصفت الطائرات الإسرائيلية مصنع الحديد والصلب أثناء ساعات العمل، فاستشهد أكثر من 70 عاملاً، إلى جانب الاعتداءات الجوية على منشآت مدنية في حرب الاستنزاف، وقتها كانت المدارس والمستشفيات أهدافًا معلنة ضمن سياسة "كسر الإرادة المصرية".
وهذه ليست "تفاصيل تاريخية"، بل سجل دموي مفتوح يفضح طبيعة العدوان ذاته.
ولم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية عند القصف الجوي فقط، بل امتدت إلى "جرائم الإعدام الميداني لأسرى الجيش المصري" في حروب 1956 و1967، وهي جرائم موثقة باعترافات جنود وضباط إسرائيليين أنفسهم.
ومن مذبحة "رأس سدر" إلى جرائم العريش وسانت كاترين، سالت دماء الجنود المصريين العُزّل بعد أسرهم، دون محاسبة حقيقية حتى اليوم، وتلك الجرائم التي وثّقها مؤرخون وصحفيون من الجانبين لا تزال شاهدة على أن الذاكرة ليست خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي.
وكان من أبرز المهاجمين لعيسى، الدكتور "مظهر شاهين"، وقال إن إبراهيم عيسى – كعادته – يحاول أن يعبث بذاكرة المصريين، فيسقط جرائم المحتل الصهيوني من حساباته، ويضعها في كفة مساوية لحوادث داخلية مهما كانت فداحتها، "وهذا ليس مجرد خطأ في التقدير، بل جريمة في حق الوعي الوطني والتاريخ".
وأضاف شاهين: الشعب المصري لم ينسَ ولن ينسى دنشواي، تلك الحادثة التي فجّرت الغضب الوطني وأيقظت الوعي الجمعي ضد الاحتلال الإنجليزي. لم ننسَ كيف أُهين الفلاح المصري البسيط، وكيف حُكم بالإعدام والجلد والنفي على رجال عُزّل فقط لأنهم دافعوا عن كرامتهم وأرضهم، ودنشواي ليست مجرد حادثة في سجل الاستعمار، بل صارت رمزًا خالدًا في ضمير الأمة، وأيقونة لرفض الذل والخنوع.
وتابع شاهين مؤكداً: "لم ينسَ المصريون بحر البقر، حين قصفت طائرات العدو الصهيوني مدرسة ابتدائية فمزقت أجساد أطفال أبرياء كانوا يحملون الكراسات لا البنادق، تلك الدماء الزكية لا يمكن أن تُمحى من تاريخنا، ولا يمكن أن تُقارن بأي شأن داخلي، فهذه جريمة حرب مكتملة الأركان، ارتكبها عدو خارجي غادر، وستظل وصمة عار تلاحق الاحتلال أمام العالم كله".
وختم مظهر شاهين بلهجة صارمة: جرائم الاحتلال ليست" أحداثًا عابرة" ولا" ملفات سياسية داخلية" تُطوى مع الزمن، وإنما هي جرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم ولا تنسى بمرور السنين، ومن يحاول أن يُهوّن منها أو يُسقطها من الذاكرة بحجة الانشغال بقضايا داخلية، إنما يشارك – بقصد أو بغير قصد – في جريمة طمس وعي الأمة وتزييف أولوياتها.
إن ما قاله إبراهيم عيسى لا يُعبّر عن حرية رأي بقدر ما يُعبّر عن حالة انفصال عن وجدان هذا الشعب، فالمصري لا ينسى، لا دنشواي، ولا بحر البقر، ولا جنوده الذين سالت دماؤهم على تراب سيناء.
الذاكرة الوطنية ليست عبئاً كما يروّج، بل هي وقود البقاء، ومرآة الكرامة. فليتذكّر إبراهيم عيسى أن الشعوب التي تنسى، تُمحى… أما نحن، فـ "لا، مش هاننسى".