يوسف أيوب يكتب: دولة سلام وصاحبة قرار ومترابطة داخليا

السبت، 04 أكتوبر 2025 11:31 م
يوسف أيوب يكتب: دولة سلام وصاحبة قرار ومترابطة داخليا

مصر عصية على الإيذاء ولا تتأمر على أحد.. واختارت السلام خيار استراتيجي لضمان مستقبل آمن للمنطقة

القاهرة واضحة وهدفها تجنب الحروب والحفاظ على سيادة الدول ودعم الدولة الوطنية ومؤسساتها ومكافحة الإرهاب

مصر ليست بحاجة إلى تأكيد رسالتها وكلمتها، فكلمتها واحدة لم تتغير ولم تتبدل، ما تقوله في الجلسات المغلقة، هو ما تعلنه في كل مكان.. السلام هو خيار مصر الاستراتيجي لضمان مستقبل آمن لشعوب المنطقة"، وأن يد مصر "ممدودة بالسلام" ولا ينبغي خذلان أحلام الأجيال المقبلة.

هذه الرسالة تحمل تحت طياتها الكثير من المعانى والأهداف، وأيضاً السياسات التي تعمل القاهرة دوماً على تطبيقها. سيراً على ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي بإن: "السلام لا يولد بالقصف ولا بالقوة، ولا عبر تطبيع ترفضه الشعوب. إن السلام الحق يقوم فقط على أسس العدل والإنصاف والتفاهم".

والحديث عن أن السلام خيار مصر الاستراتيجي، لا يعنى ان مصر قررت الاستسلام أو أنها تخشى المواجهة أو الحرب. لا، فالجاهزية المصرية لكل السيناريوهات معروفة ومعلومة للجميع، لكن اللجوء لهذه الخيارات والسيناريوهات يبقى رهيناً بتعطل كل مسارات السلام، وطالما أن هناك بصيص أمل في السلام، فنحن متمسكون به، حفاظاً على أرواح الملايين، ومكتسبات الشعوب وأستقرار الدول وأمنها.

السلام خيارنا على كل الجبهات، فلن نترك بابا الا ونتطرقه بحثاً عنه، لكننا لم تنتازل عن حقوقنا.

في القضية الفلسطينية موقفنا واضح وحاسم، قولناه قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023، بكثير ومن بعدها، ولانزال نرددها، لا تهجير ولا تصفية للقضية الفلسطينية، ولن نشارك في ظلم الفلسطينيين.. والحل يبقى دوماً في "الدولتين"، دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن واستقرار إلى جانب إسرائيل.

ولتهدئة الأوضاع الإقليمية الملتهبة، ترتكز سياسة مصر على احترام القانون الدولي، والحفاظ على سيادة الدول، وتسوية النزاعات سلميًا، ودعم الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومكافحة الإرهاب. ومن هنا يبقى التأكيد المصرى على دعم السودان الشقيق في مرحلته المفصلية الراهنة، ودعم مؤسساته، خصوصًا الجيش الوطني، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، وكذلك دعم مصر الثابت لليبيا ومؤسساتها الوطنية، والدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضيها، بما يضمن استقرارها ووحدتها.

وفى اليمن، تؤكد مصر أن الحل يجب أن يستند إلى المرجعيات الدولية، مع صون حرية الملاحة وأمن البحر الأحمر، كما تؤكد القاهرة أن أمن الصومال واستقلاله ووحدته الترابية جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم، وأن مصر تدعو إلى تضافر الجهود وحشد التمويل اللازم من أجل تفعيل بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال "اوسوم".

واستقرار المنطقة وفقاً للرؤية والسياسة المصرية، لا يستقيم الا بوقف الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة لسيادة لبنان وسوريا، مع التأكيد على ضرورة احترام وحدة وسلامة التراب الوطني اللبناني والسوري.

هذه السياسة الأقليمية التي تنتهجها مصر، لأنها رأت كيف تتسببت الحروب في دمار وخراب الدول من حولنا، وما تركه من أثار علينا في مصر التي لا تزال تقوم بدور انساني بارز من خلال استضافة اكثر من 10 ملايين من اللاجئين بها وتوفر بيئة تحترم حقوقهم وكرامتهم وتضمن حصولهم على الخدمات الأساسية دون تمييز.

الرؤية السلمية للسياسة الخارجية للدولة المصرية، لا تقتصر فقط على الإقليم الملتهب الذى نعيش في قلبه، وإنما هي رؤية تطرح وتنفذ حتى مع الملفات شديدة التأثير علينا وعلى أمننا القومى، ومنها على سبيل المثال قضية سد النهضة الإثيوبى، الذى تتعامل معه القاهرة برؤية واضحة تقوم على أهمية التعاون وفقا للقانون الدولي باعتباره ركيزة للاحترام المتبادل والسبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة، بعدما أثبتت التجارب أن الإجراءات الأحادية تعمق الأزمات وتزيد الفجوات، وهى السياسة والرؤية التي تعاملت معها إثيوبيا بتعنت، حيث ارتأت أديس أبابا مخالفة القانون الدولي وفرض الامر الواقع ضمن سياستها الاحادية المزعزعة للاستقرار في القرن الإفريقي وحوض النيل الشرقي، وأعلنت عن انتهاء سدها وأن ما مضى قد مضى حالمة أو بالأصح متوهمة أن مصر ستنسى حقوقها ومصالحها الوجودية للنيل.

وهنا أشير إلى ما قاله الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضى: وإن كان هناك من يتشدق بمزاعم التزامه بالقانون الدولي فإننا على أتم الاستعداد لتناول الأمر في آليات القضاء والتحكيم الدولي ذلك إن صدقت النية للاحتكام لهذه الآليات القانونية، الأمر الذي لم ولن يتوفر، أما وإن ركنوا للمماطلة وتهديد حياة ملايين البشر في دولتي المصب فإننا لن نتهاون في ضمان حقوقنا وإننا لقادرون على ذلك ويكفل لنا ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي حماية مصالحنا الوجودية في نهر النيل.

هذه المقدمة الطويلة اعتبرها ضرورية، قبل أن أدخل في تفاصيل حديث الرئيس السيسى، الأسبوع الماضى، من داخل الأكاديمية العسكرية المصرية، بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة.

الرئيس السيسى تحدث في نقاط محددة عن استراتيجية الدولة، وموقفها من القضايا الأقليمية ذات الصلة بنا وبأمننا القومى بدأها بالحديث عن الوضع الداخلى وأكد على عدة أمور وهى:

الأوضاع الاقتصادية لمصر في تحسن على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بالمنطقة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بدءا من جائحة كورونا مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية ثم حرب غزة.الوعي والفهم؛ هما "ذخيرة" تمدنا بالإرادة والقوة بشكل أكبر على التحمل والعمل. وثمن الوعي والفهم لدى أبناء الشعب المصري، والذي تجلى في ردود الأفعال تجاه التحديات الراهنة، كما أشاد بوعي الشعب المصري وصلابته التي تعززت منذ عام 2011، رغم ما واجهه من مكائد ومؤامرات كان ثمنها غالياً.مصر لا تتآمر على أحد والشعب المصري مسالم بطبعه، لكنه عصي على الإيذاء، ولا يمكن لأي أحد أن يؤذي مصر.مؤسسات الدولة تشكل منظومة مترابطة ومتكاملة، مشيرًا إلى أن الأكاديمية العسكرية المصرية؛ منصة لإعداد كوادر لمؤسسات الدولة إلى جانب إعداد كوادر القوات المسلحة.التحديات الإقليمية المحيطة أسفرت عن فقدان نحو 9 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس خلال العامين الماضيين، داعياً إلى دراسة تجارب الدول التي واجهت ظروفاً صعبة وتجاوزتها بالإرادة والعمل والصبر، وصولاً إلى التغيير المنشود في حياتهم.

 

ومن الوضع الداخلى، أنتقل الرئيس السيسى إلى القضية الأبرز على الساحة الأن، وهى القضية الفلسطينية، والوضع في قطاع غزة، حيث أكد على المبادئ المصرية الحاكمة تجاه هذه القضية، فضلاً عن رؤيتها لما يحدث حيث قال إن:

مصر حريصة على وقف الحرب، والمساهمة في إعادة الإعمار، وإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين مع الحفاظ على أرواح المصريين. مصر عملت بكل قوتها وبكل إخلاص على إدخال المساعدات إلى الفلسطينيين، لكن لا أحد يطلب منها أن تراهن على حياة المصريين، ويطالبنا بالدخول في صراع من أجل إدخال المساعدات "بالقوة".الاعتداءات على بعض مقار السفارات المصرية بالخارج، جزءا منها نابع من جهل البعض وجزءا أخر من لؤم ومكر من أهل الشر، مؤكدا أن سياسة مصر واضحة؛ حيث إنها لا تتآمر على أحد، ولا تبغي على أحد.. وقال: إننا مسالمون، لكن ليس معنى ذلك أن يتصور أحد أنه يستطيع إيذاء مصر؛ "فبفضل الله وبعزته وقوته وثقة فيه - سبحانه وتعالى - لن يستطيع أحد أن يؤذي مصر".قدرتنا على العمل والتأثير في معالجة الأمور، ليست مطلقة، فنحن لسنا وحدنا"، مؤكدا أن التطورات التي حدثت - خلال العشرة أيام الماضية تحديدا - أتصور أن تكون لها تأثير إيجابي على الأوضاع في المنطقة، لأنها أعطت صورة على رد فعل المجتمع الدولى لاستمرار الأزمة بدون علاج.الاعترافات الدولية الكثيرة بالدولة الفلسطينية - والتي شملت دولا مؤثرة - كانت "كاشفة" وحملت مردودات إيجابية؛ وعززت من الدولة الفلسطينية، ثم الجهود التي خلال اللقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. "ونقدر قدرته على إيقاف هذه الحرب وإنهاء هذه الأزمة المستمرة منذ عامين.. والرسالة وصلت، وكان واضحا من وعود الرئيس ترامب؛ حرصه على إيقاف الحرب في أقرب وقت"، الذي "نتمنى أن يكون قريبا جدا؛ لأن الوضع في المنطقة صعب، حتى تهدأ؛ لتفادي المزيد من التطورات السلبية.

هذه الرسائل مهمة، لأنها تعيد التأكيد على المسار المصرى، الذى لا تحيد عنه أبداً، مهما كانت الضغوط، وهذا المسار هو الذى تعتبره مؤسسات الدولة الطريق الذى تسير عليه، وهو ما عبر عنه الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية، من على منصة الأمم المتحدة، الأسبوع الماضى، حينما أكد أن منطقة الشرق الأوسط تقف اليوم على "حافة الانفجار"، وأن مصر كانت الدولة الأولى التي أرست دعائم السلام في المنطقة.

وقال عبد العاطى إن "الظرف الدولي والإقليمي بالغ الدقة، وكان من مسؤوليتنا التاريخية ودور مصر الأممي والإقليمي أن ندق ناقوس الخطر ونحذر من مغبة الوضع الراهن، مع طرح خارطة طريق للتعامل مع هذه المرحلة الحرجة". وأضاف: "نحن أمام منعطف مفصلي، فإما إعادة الشرق الأوسط إلى مسار العقلانية والاحتكام للقانون الدولي، أو الانزلاق إلى الفوضى، حيث يظن البعض أنه قادر على السيطرة بقوة السلاح، غير أن التاريخ أثبت أن غطرسة القوة تنتهي دائمًا بكارثة، وأول من يدفع الثمن هو من يظن نفسه المنتصر"، مع الإشارة إلى أن غياب مقومات الأمن والسلم في الشرق الأوسط يهدد بانفجار شامل، وقوله إن الفلسطينيين يقعون ضحايا لحرب "ضروس وغير عادلة" تشنها إسرائيل ضد مدنيين عُزّل، بدافع أيديولوجية متطرفة لا ترى إلا القتل والدمار والتجويع الممنهج، فضلًا عن خطاب تحريضي قائم على الكراهية والعنف. وأكد أن العدوان لم يتوقف عند غزة والضفة الغربية، بل امتد ليشمل دولًا أخرى في المنطقة، كان آخرها الهجوم على قطر.

وفى تدليل على المسار السلمى الذى تنتهجه القاهرة، أشار عبد العاطي إلى الزيارة التاريخية للرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977، معتبرًا أن مصر آنذاك وضعت أساس عملية السلام، لكن العدوان على غزة منذ عامين والانتهاكات اليومية في الضفة أضعفا هذه الأسس التي استغرق بناؤها أكثر من 45 عامًا، كما شدد على رفض مصر القاطع لأي خطط لتهجير الفلسطينيين، واصفًا ذلك بأنه "جريمة تطهير عرقي"، وأضاف: "لن تكون مصر أبدًا بوابة لتصفية القضية الفلسطينية أو شريكًا في نكبة جديدة"، مشيراً إلى أن مصر قدمت خطة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة حظيت بقبول عربي وإسلامي ودولي، مؤكداً أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، بما في ذلك "الإبادة الجماعية" في غزة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، يجعل أي حديث عن الأمن والسلام في المنطقة بلا معنى.

هذا هو المسار الذى اختارته مصر، مسار لا يقتصر فقط إدارة الأزمات الحالية، بل تقديم تصورات متكاملة لمستقبل الصراع، والتعامل معه، لأن القاهرة تملك الرؤية والقدرة على التعامل، من واقع خبرات متراكمة، وثقة أقليمية ودولية في قيادتها، وهو ما جعلها دولة صاحبة رأى وقرار.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق