عاطف سيد الأهل سفير مصر السابق في تل أبيب يتحدث لـ"صوت الأمة" عن عن الخطة ومستقبل غزة

السبت، 04 أكتوبر 2025 11:35 م
عاطف سيد الأهل سفير مصر السابق في تل أبيب يتحدث لـ"صوت الأمة" عن عن الخطة ومستقبل غزة
محمود علي

خطة ترامب حسناتها "وقف إطلاق النار والتهجير".. وهدفها إحياء مسار الاتفاقيات الإبراهيمية

الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية غيرت قواعد اللعبة وتضع إسرائيل تحت ضغط غير مسبوق

مستقبل حماس يقترب من نهايته.. وعلى الحركة أن تتراجع لصالح المشروع الوطني الفلسطيني

نتنياهو يواجه عزلة دولية وانقسامًا داخليًا غير مسبوق.. لكنه ما زال يناور للبقاء

إسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة مصر تدرك تمامًا مدى قوة القاهرة وإمكانياتها ولا يمكن استهدافها عسكريًا

الدور المصرى محورى في الوساطة والضغط وكبح جماح المخططات الإسرائيلية.. والقاهرة لن تسمح بتصفية القضية

 

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، من موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، إلى طرح خطة ترامب المثيرة للجدل بشأن غزة، وصولاً إلى الضغوط الداخلية والخارجية على إسرائيل، يبرز العديد من التساؤلات حول مستقبل الصراع ومكانة الأطراف الفاعلة فيه، ودور القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها مصر.

ومن هنا كان لنا هذا الحوار مع السفير عاطف سيد الأهل سفير مصر السابق في إسرائيل للحديث عن أكثر عن السيناريوهات المقبلة وقراءته للخطة الأمريكية وسلبياتها وإيجابياتها. وإلى نص الحوار.

كيف يمكن أن تتحول الاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطين من خطوة رمزية إلى مسار عملي يقود نحو قيام الدولة الفلسطينية؟

الاعتراف بدولة فلسطين يمثل توجهًا تاريخيًا إيجابيًا، ويعكس دعمًا متزايدًا لتعزيز حقوق الشعب الفلسطيني، استنادًا إلى القرارات والشرائع الدولية، هذا الاعتراف ليس مجرد موقف رمزي، بل يحمل ثقلًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا، ويُحدث تحولًا في المفاهيم المتعلقة بالصراع.

عندما تعترف دول كبرى، خصوصًا الأوروبية، بدولة فلسطين، فإن هذا يغير من قواعد اللعبة ويعيد صياغة معادلة الصراع، صحيح أن الاعتراف لا يعني أن الدولة قد قامت فعليًا — إذ لا تزال الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال — لكن الاعتراف في ذاته يضع إسرائيل تحت ضغط دولي متزايد، وهو أمر بالغ الأهمية.

البعض يقلل من تأثير هذا الاعتراف، لكنه في الواقع مؤثر جدًا، على سبيل المثال، من بين أعضاء مجموعة العشرين، اعترفت 13 دولة بدولة فلسطين، وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء مجلس الأمن فأن هناك أربع دول أصبحت معترفة بفلسطين.

كما أن هذه هي المرة الأولى التي يُلاحظ فيها اتجاه غربي، خاصة أوروبي، جماعي للاعتراف بفلسطين، مما يعكس تحولًا كبيرًا في الرؤية السياسية الغربية، ويمنح القضية دفعة إيجابية على الساحة الدولية.

ما مدى تأثير هذا الحراك الدولي على موازين القوى داخل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي؟

عند الحديث عن موازين القوى، فلا يمكن الحديث عن توازن حقيقي؛ فهناك اختلال كبير في موازين القوة، بل وأيضًا اختلاف جذري في المرجعيات بين الطرفين، إسرائيل تُعيد صياغة وجودها الجغرافي والتاريخي بناءً على نصوص توراتية وهو ما ينعكس في السياسات التي يروج لها سياسيون إسرائيليون مثل سموتريتش، الذين يُخططون لإنهاء حل الدولتين، وفرض وقائع جديدة على الأرض.

وفقًا لهذه الرؤية، يُطرح أمام الفلسطينيين ثلاث خيارات، الخضوع الكامل للسيادة الإسرائيلية، الترحيل أو الهجرة خارج الأرض، الإبادة أو العنف الأمني تجاه من يرفض، وكلها خيارات مأخوذة من فكر متطرف، يُعد المرجعية الأساسية للكثير من السياسات الحالية في إسرائيل.

رغم الصحوة الغربية والأوروبية والآسيوية، التي اتجهت نحو الاعتراف بدولة فلسطين، إلا أن هذا الاعتراف لم يُقترن حتى الآن بأي تجريم لإسرائيل أو فرض عقوبات دولية حقيقية، باستثناء بعض الدول مثل إسبانيا وأيرلندا، لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات حاسمة في محاسبة إسرائيل.

فالأرض ما زالت تحت الاحتلال، ولكن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، رغم استمرار الاحتلال، أتاح للفلسطينيين فرصة الانضمام إلى مؤسسات دولية مهمة، مما ساهم في تعزيز مكانتهم على الساحة العالمية، هذا الاعتراف أيضًا سيساعد في فتح سفارات، وإعادة طرح القضية الفلسطينية في الواجهة الدولية، فالعالم اليوم لم يعد ينظر إلى إسرائيل فقط كضحية للهولوكوست، بل بدأ يدرك أنها تمارس سياسات تتسم بطابع الإبادة والعدوان، وهو ما خلق نوعًا من التحول في الرأي العام العالمي.

والاحتلال الإسرائيلي لم يعد يتمتع بنفس الغطاء الأخلاقي الذي كان يستمده من معاناة اليهود في الهولوكوست، ومع تغير الأجيال، أصبح الجيل الجديد أكثر وعيًا بالقضية، خصوصًا بعد ما شاهده من أحداث خاصة في قطاع غزة.

كيف تنظرون إلى خطة ترامب الأخيرة بشأن غزة، وما الجديد الذي قدمته مقارنة بالمبادرات السابقة؟و هل تعتقدون أن هذه الخطة قد تعطي دفعة لمسار السلام أم أن مضمونها يتعارض مع إقامة دولة فلسطينية؟

خطة ترامب تثير العديد من التساؤلات حول مدى تطبيقها الفعلي، وما إذا كانت ستؤدي إلى نتائج ملموسة أم ستظل مجرد خطة نظرية غير قابلة للتنفيذ.

ومن الواضح أن الجوانب السلبية تتجلى في كون أن إسرائيل قد ضمّنت كل ما تريده في صلب الخطة ذات النقاط الخمس، فقد تم إدراج المطالب الإسرائيلية الأساسية مباشرة في جوهر المبادرة، مثل مسألة الحكم، ونزع سلاح غزة، وضمان ألّا تشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل، كل هذه النقاط تم تثبيتها ضمن الخطة.

كذلك، من أبرز البنود المطروحة أن حركة حماس لا يجب أن تكون موجودة في قطاع غزة، كما أن السلطة الفلسطينية أيضاً مستبعدة من المشهد، مما يُعد أمراً بالغ الخطورة، إذ أن الشعب الفلسطيني يُقصى تماماً على حقه في اختيار من يمثله.

الشق الثاني من الخطة يتحدث عن انسحاب تدريجي ومنطقة عازلة، لكن الطرح جاء بصيغة عامة وغامضة؛ فلا يوجد توضيح دقيق لماهية هذا الانسحاب، ولا مراحله، ولا كيفية تنفيذه، ولا حتى الأماكن التي يشملها، وهذا أمر مهم جداً، إذ يجب أن يُحدد بشكل واضح ما يُقصد بـ"الانسحاب التدريجي": هل سيتم على ثلاث مراحل؟ وما هي هذه المراحل؟

وفقاً لما يُطرح، المرحلة الأولى ستكون بالتزامن مع الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، أما المرحلة الثانية فستتم بعد نشر قوات دولية بإشراف مجلس السلام برئاسة دونالد ترامب، وبمشاركة توني بلير. ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي إنشاء منطقة أمنية عازلة.

ما يُلاحظ هنا هو إنكار تام لحق الشعب الفلسطيني، خصوصاً في غزة، إذ يُعامل وكأنه غير موجود، ولا يُمنح أي دور في اختيار قياداته أو تقرير مصيره، كما أن الأمم المتحدة، التي كانت على الدوام الجهة الدولية المرجعية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أصبحت مغيّبة، واستُبدلت بـ"خط ترامب"، حيث يتولّى ترامب رئاسة "مجلس السلام"، وتوني بلير يلعب دور المراقب أو الوصي، في مشهد يُنذر بخلط كبير للأوراق، وربما يُحدث فوضى على المدى القريب.

تحدثت عن تحديات تواجه الخطة.. فما هي مخاوفك منها؟

شهدنا على مدار التاريخ القريب ما لا يقل عن سبع حالات نكث فيها نتنياهو اتفاقات أُبرمت بين حركة حماس والطرف الإسرائيلي، مما يُفقد هذه الخطة مصداقيتها ويطرح شكوكاً كبيرة حول إمكانية تنفيذها فعلياً.

وهذا كله يدل على أن هناك معايير غير واضحة تُحكم هذا الاتفاق، مما يجعله محفوفاً بالمخاطر والغموض، من النقاط المهمة التي يجب التوقف عندها هي الشروط المفروضة لإصلاح السلطة الفلسطينية، ورغم أن هذه الشروط لم تُذكر بشكل واضح ومباشر في صلب الخطة، إلا أنها – بحسب المعلومات المتوفرة – مدمجة ضمن عدد كبير من البنود الأساسية.

من أبرز هذه الشروط، منع التحريض ضد إسرائيل، سواء في الخطاب الإعلامي أو السياسي أو التربوي، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وهو مطلب إسرائيلي قديم تسعى إسرائيل لفرضه كشرط لأي تفاهم مستقبلي، ووقف كل التحركات الفلسطينية ضد إسرائيل في المحافل القانونية الدولية، خاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

تعديل المناهج التعليمية الفلسطينية، وخصوصاً ما يُدرّس للأطفال في المدارس، بما يضمن حذف كل ما تعتبره إسرائيل "تحريضاً" أو "عداءً" لها، كل هذا يشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى هندسة الوعي العربي والفلسطيني، بحيث يُعاد تشكيله لقبول وجود إسرائيل في المنطقة كأمر طبيعي، بل كدولة لا يجوز الاعتراض على شرعيتها أو سياساتها.

 

كما أن من بين الشروط المطروحة أيضاً، إجراء "إصلاحات سياسية" داخل السلطة الفلسطينية، لكن دون تحديد ماهية هذه الإصلاحات، مما يفتح الباب أمام إسرائيل للاعتراض المتكرر على أي خطوة؛ فكلما تم تنفيذ إصلاح، قد يتم رفضه بحجة أنه "غير ديمقراطي" أو "غير كافٍ"، وفقاً لمقاييس إسرائيلية خالصة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، مطالبة إسرائيل للسلطة الفلسطينية بوقف دفع الرواتب الشهرية لعائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين، وهو مطلب مثير للجدل، لأنه يستهدف البنية الاجتماعية والرمزية للنضال الفلسطيني.

الخطير في الأمر أن كل هذه الشروط مفتوحة وغير محددة زمنياً أو قانونياً، مما يجعلها أدوات ضغط دائمة، ويمكن استخدامها في أي وقت لوقف أو تعطيل أي تقدم.

وفي هذا السياق، تُطرح الخطة فترة انتقالية قد تمتد إلى خمس سنوات أو أكثر، تُستبعد فيها كل من حماس والسلطة الفلسطينية عن إدارة قطاع غزة، أي أن غزة ستُدار خلال هذه المرحلة من خلال وصاية دولية أو أجنبية، دون تمثيل فلسطيني فعلي.

وماذا بعد هذه السنوات الخمس؟

قد يأتي الرد بأن السلطة لم تَفِ بالشروط، وأن حماس لم تعد موجودة، وبالتالي يُستكمل الوضع القائم تحت وصاية خارجية، دون تمكين أي طرف فلسطيني من إدارة غزة، وبذلك تُكرَّس حالة من الوصاية المفتوحة وغير القانونية على قطاع غزة، بما يخالف القانون الدولي ويُقصي الشعب الفلسطيني عن تقرير مصيره.

كذلك، لا بد من توضيح نقطة مهمة وهي أن كل بند من البنود الواردة في الخطة يحتاج إلى تفاوض مستقل، كل بند بمفرده يستدعي جلسات تفاوض مفصّلة، وآليات تنفيذ، وجدولاً زمنياً واضحاً، فلا يمكن التعامل مع هذه البنود وكأنها قرارات جاهزة للتنفيذ الفوري دون نقاش أو تفاهم.

حتى مسألة إعادة إعمار غزة، التي طُرحت ضمن الخطة، وردت بطريقة غامضة وغير محددة، تم الحديث عن تشكيل "لجنة خبراء"، لكن لم يُوضح من سيشكلها، وما هي صلاحياتها، ومن سيشرف عليها، وهل ستكون فعلاً مستقلة، أم خاضعة لتوجهات معينة؟

كل ذلك يعكس أن هناك تناقضًا خطيرًا في الخطاب المطروح، من جهة يُقال إن الحل يقوم على مرحلية وتفاوض وتفاهم، ومن جهة أخرى تُغلق كل الأبواب أمام أي حل عادل يُنصف الفلسطينيين، ويُكرَّس واقع الهيمنة والوصاية، بدلًا من التفاوض الحقيقي على أساس القرارات الدولية والحقوق المشروعة.

وماذا عن البنود الإيجابية لهذه الخطة؟

في المقابل، لا يمكن إنكار أن هناك جوانب إيجابية في هذه الخطة – على الأقل من الناحية الإنسانية، وقف الحرب، ولو بشكل مؤقت، عدم التهجير القسري، وهو أمر كان مقلقًا للغاية.

عودة المساعدات الإنسانية والإغاثية، التي يحتاجها سكان غزة بشدة بعد ما يقرب من عامين من الحصار والتدمير.

لكن مع ذلك، فإن الخطة – رغم ما تحمله من بوادر انفراجة – لا تزال تفتقر إلى كثير من الوضوح في جوانب محورية. مجلس السلام الذي طُرح في الخطة: من الذي سيُشرف عليه؟ ما هي آلياته؟ ما مدى شرعيته الدولية؟

هل يعكس طرح ترامب بشأن غزة محاولة لاستثمار الزخم الدولي المتعلق بفلسطين، أم أنه يعبر بالدرجة الأولى عن أجندة أمريكية داخلية؟

بالطبع، لا يمكن تجاهل أن الأجندة الداخلية الأمريكية تلعب دورًا مهمًا فيما يجري حاليًا، هناك مؤشرات على أن جانبًا من التحركات الأمريكية مرتبط بالوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة.

فمن ناحية، هناك حدث مهم في أكتوبر – أعتقد أنه في العاشر من أكتوبر – يتعلق بإعلان جائزة نوبل، وربما يكون لذلك ارتباط من حيث التوقيت أو الرسائل السياسية المرافقة له.

ومن ناحية أخرى، هناك الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، وهي محطة مهمة، ويمكن أن يتعرض فيها الحزب الجمهوري لخسائر أو تراجع.

ويُرجَّح أن يكون هناك تأثر سلبي للجمهوريين في هذه الانتخابات، خاصة في ظل وجود غضب متصاعد من فئة الشباب الأمريكي تجاه السياسات الأمريكية المتعلقة بإسرائيل، وما يجري في قطاع غزة، هذا الغضب له صداه في الجامعات، وفي الإعلام، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما قد ينعكس على صناديق الاقتراع، لذلك، من المحتمل أن يكون ما يجري الآن بمثابة رد فعل سياسي محسوب تجاه هذا التململ الشعبي، ومحاولة لتقديم خطوات تخفف من حدة الانتقادات الدولية والداخلية.

إلى أي مدى يمكن أن تعمّق العزلة الدولية والأزمات الداخلية الانقسام داخل إسرائيل؟ وما انعكاس ذلك على مستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسي؟

نتنياهو، بطبيعة الحال، يواجه هو وائتلافه السياسي ظروفًا صعبة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فعلى الصعيد الدولي، تعيش إسرائيل في حالة من العزلة السياسية، بينما في الداخل، هناك أزمة حقيقية في نظام التجنيد، خصوصًا فيما يتعلق بالمجندين الحريديم (المتدينين اليهود)، الذين أثاروا الكثير من الجدل. إلى جانب ذلك، فإن الحرب في غزة أضافت مزيدًا من التحديات، كما أن الحكومة الحالية تعرضت لسلسلة طويلة من الاحتجاجات، سواء فيما يتعلق بالتعديلات القضائية أو ملفات أخرى، وعلى رأسها أزمة الرهائن والدعوات لوقف الحرب.

لكن رغم كل هذه الأزمات المتراكمة، لا بد من التأكيد على أن نتنياهو رجل شديد الدهاء في إدارة الحياة السياسية الداخلية في إسرائيل.فمن خلال تاريخه الطويل، أثبت نفسه كمناور سياسي، واستطاع أن يُحقق رقمًا قياسيًا في عدد مرات تولّيه رئاسة الحكومة، متفوقًا حتى على دافيد بن غوريون نفسه، مؤسس الدولة.

ومن اللافت أنه، رغم الانتقادات والهجوم الإعلامي والسياسي الذي يتعرض له، فإن نتنياهو لا يزال يحظى بتقدير كبير داخل بعض الأوساط الإسرائيلية والدولية.

ترامب يتحدث عن موجة جديدة من الاتفاقيات الإبراهيمية في الوقت الذي تؤكد فيه المملكة العربية السعودية رفضها الانخراط في أي اتفاقيات تطبيع من دون الوصول إلى حل الدولتين. كيف تقرأون تصريحات ترامب في هذا السياق؟

من ضمن أهم الموضوعات التي يركز عليها ترامب موضوع "الاتفاقيات الإبراهيمية"، فهو يريد أن يخرج من خطته الحالية بإحياء مسار الاتفاقيات الإبراهيمية، ويسعى لأن تدخل بقية الدول في مسار التطبيع مع إسرائيل، بالنسبة للموقف السعودي، فقد أعلنت المملكة أنه حتى لو تم وُضع أفق سياسي يقود إلى حل الدولتين، أي حتى لو تضمن النص عبارة تشير إلى ذلك فأنه قد يحدث تطور في هذا الأمر، ما يهم ترامب هو أن تدخل السعودية في هذا الإطار، إلى جانب دول أخرى، ومن هنا، يمكن القول إن موجة التطبيع قد تشهد إحياءً جديدًا إذا ما استغل ترامب ظروف خطته، خاصة إذا تحقق بعض التقدم النسبي، مثل وقف القتال، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحرك إيجابي في هذا الاتجاه.

كيف ترون مستقبل حركة حماس في ضوء الحراك الدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية، واستمرار العدوان على غزة، والحديث المتزايد عن ترتيبات جديدة لإدارة القطاع؟

بالنسبة لمستقبل حركة حماس، فإنه في ظل جميع الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، سواء من الدول التي اعترفت أو التي لم تعترف، ومع كل أشكال التحركات السياسية التي شهدناها في الفترة الأخيرة، هناك توجه عام يطالب باستبعاد حركة حماس من السلطة في غزة أو من حكم القطاع بشكل كامل، بحيث لا يكون لها أي دور.

في المقابل، تحاول حركة حماس أن تطرح نفسها كحزب سياسي، وتسعى لأن تكون جزءًا من العملية السياسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، حتى لا تُقصى نهائيًا من المشهد، لكن القراءة العامة تقول إن مستقبل حماس يوشك أن ينتهي، وأن دورها قد انتهى بالفعل، وعليها أن تعلن بوضوح مواقفها وتتراجع خطوة إلى الوراء، لتتيح المجال أمام السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتقرير مصيره بحرية.

لقد كانت حماس في فترة من الفترات حركة مقاومة، وهو دور مشروع ومطلوب ضد أي احتلال بحسب القانون الدولي، لكن مع تعقّد الأوضاع الحالية يصبح من الضروري النظر إلى المصالح العامة للشعب الفلسطيني.

أعلن ترامب بأن إيران قد تنضم لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.. كيف يمكن قراءة ذلك وهل هو قابل للتطبيق؟

إيران قد تنضم إلى تفاوض طبيعي، ونحن نعلم أن موضوع إيران كان الأساس في الحرب الإسرائيلية ضدها. هذه الحرب كانت تستند إلى ثلاث نقاط رئيسية، أولاً إسقاط النظام الحاكم فقد كانوا يجهزون نجل الشاه منذ سنوات طويلة، حيث قام بزيارات عديدة لإسرائيل، وأنشأ مواقع على "اليوتيوب"، وألقى خطابات باسم المعارضة الإيرانية، كما عقد لقاءات عديدة في الكونجرس الأمريكي ومع مسؤولين إسرائيليين. وكان الهدف أن يسقط النظام الإسلامي في إيران ليحل محله نجل الشاه ورجاله.

ثانياً تحييد إيران من الناحية النووية، ثالثا ملف الصواريخ الفرط–صوتية وبعيدة المدى التي تمتلكها إيران، والتي يصل مداها إلى أكثر من 500 كيلومتر، كان الهدف من ذلك إبعاد هذا الخطر عن إسرائيل أو إنهاء إنتاج هذا النوع من الصواريخ داخل إيران.

هذه هي أهم ثلاث نقاط أساسية في الصراع. وإلى جانبها هناك ضغوط من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضغوط أخرى من آلية "السناب باك" الخاصة بالدول الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) وفق اتفاقية 2015 النووية التي أبرمها أوباما مع إيران بشأن الملف النووي، هذه الاتفاقية أعطت لتلك الدول حق فرض العقوبات على إيران، وكذلك الولايات المتحدة التي مارست هذا الحق. ثم جاء ترامب في 2018 وألغى الاتفاقية، وفي أواخر أيامه أعاد فرض بعض الإجراءات، ثم جاء بايدن ولغاها بعد فترة.

إذن، ليست المسألة طبيعية، فالهدف الرئيسي يبقى تحييد إيران كقوة وازنة في المنطقة، خاصة وأنها – من وجهة نظرهم – تملك وكلاء لها في ساحات عدة: ما زال "حزب الله" موجودًا، وما زال "الجهاد الإسلامي" قائمة، وكذلك الحوثيون في اليمن. كل هؤلاء يُعتبرون وكلاء لإيران، ورغم الضربات التي يتعرضون لها إلا أنهم سرعان ما يعاودون النهوض.

وبالتالي، أعتقد أنه من المتوقع أن تقوم إسرائيل بضربة ثانية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تستهدف طهران لإسقاط النظام، فهذا هو الهدف الأساسي إسقاط النظام.

كيف تقرأون الدور المصري في المرحلة المقبلة بعد الاعترافات الدولية بدولة فلسطين؟ وهل هناك احتمال أن يصل الخلاف المصري–الإسرائيلي إلى حد المواجهة المباشرة؟

مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ والمكانة، كانت منذ البداية أهم داعم للقضية الفلسطينية، وهي الدولة الوحيدة التي وقفت بقوة ضد محاولات التهجير، وأكدت بشكل واضح موقفها المساند لحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته، ورفضت بشكل قاطع أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية. هذا ليس رأيًا فرديًا بل إجماع لدى السياسيين والمراقبين الذين يرون أن الدور المصري كان حاسمًا في أن تخرج خطة ترامب خالية من أي بند يتعلق بتهجير الفلسطينيين، وهو ما يعكس حجم التأثير المصري.

كما أن الدور المصري كان محوريًا في الوساطة والضغط على إسرائيل، حيث مارست القاهرة ضغوطًا شديدة على تل أبيب، وهو ما أسهم في كبح جماح بعض المخططات الإسرائيلية. لذلك من المهم الإشارة إلى أن مصر لعبت دورًا مؤثرًا في التوازنات.

أما بالنسبة إلى مسألة الخلاف المصري–الإسرائيلي، فهنا يجب التوضيح أن الأكاديميين والعسكريين والمسؤولين والسياسيين في إسرائيل يجمعون على أن معاهدة السلام مع مصر هي أعظم إنجاز سياسي في تاريخ دولتهم، وبالتالي لن يفرطوا فيها بسهولة، صحيح أن العلاقات تمر بتقلبات فترات من الخلاف، وأخرى من التقارب أو التباعد، لكن هذه التحولات لا تمس أساسيات العلاقة، فهناك لجان وآليات دائمة للتعامل بين الدولتين، وأي خلاف يتم بحثه عبر هذه القنوات.

في الفترة الأخيرة، برزت بعض التوجهات العدائية من حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تجاه مصر، حيث صدرت اتهامات بأن القاهرة تعزز قوتها العسكرية أو تحرك السلاح بما يشكل تهديدًا، بل إن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون حاول إثارة هذه النقطة في المحافل الدولية والإعلام الإسرائيلي، لكن كل هذه مجرد ضغوط سياسية ومحاولات لتوظيف الموقف لصالح إسرائيل أو لجلب الولايات المتحدة إلى دائرة الضغط على مصر.

مع ذلك، فإن إسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة مصر، وهي تدرك تمامًا مدى قوة القاهرة وإمكانياتها، وأن مصر ليست بالدولة التي يمكن استهدافها عسكريًا بهذه السهولة في المرحلة الحالية، أما سيناريو المواجهة المباشرة فلا أعتقد أنه وارد في المستقبل القريب، خصوصًا أن مصر كانت أول دولة توقع اتفاق سلام مع إسرائيل، وإذا حدث خلل في هذا الاتفاق، فلن تستطيع إسرائيل أن تحظى بأي اتفاق مماثل مع دولة عربية أخرى في المستقبل.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق