حين ارتدى الأسرى الإسرائيليون "صنع في المحلة".. حكاية بيجامة كستور صنعت مجد مصر

الأحد، 05 أكتوبر 2025 07:17 م
حين ارتدى الأسرى الإسرائيليون "صنع في المحلة".. حكاية بيجامة كستور صنعت مجد مصر
نرمين ميشيل

لم تكن "البيجامة الكستور" مجرد قطعة قماش تُخاط في مصانع مدينة المحلة الكبرى، بل كانت في لحظة فارقة من تاريخ مصر شاهدًا على نصر عظيم، ورمزًا لعزة وطن صمد وانتصر.
 
قصة بدأت بخيوط قطن مصري طويل التيلة، وانتهت بصورة هزت العالم، حين عاد الأسرى الإسرائيليون بعد حرب أكتوبر 1973 وهم يرتدون تلك البيجامة المصرية الخالصة.
 
في السادس من أكتوبر 1973، خاضت مصر معركة العزة والكرامة ضد العدو الإسرائيلي، ونجحت في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف في واحدة من أعظم الانتصارات العسكرية في التاريخ الحديث.
 
بعد أيام قليلة من انتصارات أكتوبر المجيدة عام 1973، بدأ مشهد لا يقل رمزية عن المعركة نفسها، حين تم ترحيل الأسرى الإسرائيليين بملابس مصرية الصنع، هي البيجامة الكستور.
197
كان القرار من الرئيس الراحل أنور السادات، الذي أراد أن يجعل من لحظة إعادة الأسرى رسالة إنسانية وسياسية للعالم، أن تُعيد مصر من حاربها، لكنها تُعيده بملابس من صناعتها، رمزًا للرحمة والقوة في آنٍ واحد، و إن مصر المنتصرة لا تعرف الانتقام، بل تعرف كيف تُعبّر عن كبريائها برقي وإنسانية.
 
في قلب مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، كانت تدور ماكينات شركة مصر للغزل والنسيج بلا توقف، هناك وُلدت البيجامة الكستور، المصنوعة من القطن المصري طويل التيلة، المعروف عالميًا بجودته ونعومته الفائقة، كانت تُخاط بعناية ودقة، حتى أصبحت من أبرز منتجات الشركة وأكثرها انتشارًا داخل مصر وخارجها. 
 
عندما خرجت الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين عائدة إلى بلادهم بعد وقف إطلاق النار، كانت الكاميرات تترصّد المشهد التاريخي، جنودٌ منهزمون، وجوههم منكسرة، وملابسهم الجديدة تحمل ختمًا واضحًا: "صُنع في المحلة الكبرى"، تحولت تلك الصور إلى رمز عالمي، إذ رأى الناس فيها تجسيدًا لكرامة المنتصر وإنسانيته،كانت البيجامة الكستور في تلك اللحظة ترجمة بصرية لمعنى النصر الشريف، نصرٌ لا يحمل الكراهية، بل الكبرياء والرحمة في آنٍ واحد.
39388-العشماوى
لم تكن البيجامة الكستور فخرًا صناعيًا فحسب، بل أصبحت جزءًا من الذاكرة الشعبية المصرية، اشتهرت بجودتها العالية ودفئها في الشتاء وتهويتها الممتازة في الصيف، حتى غدت قطعة أساسية في كل بيت مصري في السبعينات والثمانينات، كانت رمزًا للبساطة والجودة معًا، وارتبطت في أذهان الناس بذكريات الطفولة والبيت المصري الأصيل.
 
ورغم مرور أكثر من خمسين عامًا على نصر أكتوبر، لا تزال البيجامة الكستور حاضرة كرمز للأصالة المصرية، فهي تمثل جيلًا آمن بأن العمل في المصنع لا يقل وطنية عن القتال في الجبهة، وأن الإبرة والنول يمكن أن ينسجا صفحات من المجد، تمامًا كما ينسج الجندي نصره في الميدان.
images
حين اختار الرئيس أنور السادات أن يُلبس الأسرى الإسرائيليين ملابس مصرية من صنع المحلة، كان يقول للعالم دون أن ينطق بكلمة، إن قوة مصر لا تكمن فقط في سلاحها، بل في عقلها وسواعد أبنائها، ومنذ ذلك اليوم، أصبحت البيجامة الكستور رمزًا خالدًا في ذاكرة الأمة، تذكّر الأجيال بأن النصر له أشكال كثيرة، وأحيانًا يُنسج من خيوط القطن لا من فوهة البندقية.
 
 
Capture

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق