مصر وكفى.. دعمت القضية.. فاعترف العالم بالدولة الفلسطينية
السبت، 18 أكتوبر 2025 08:00 م
من قمة القاهرة للسلام، التي عقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة فى 21 أكتوبر 2023، بعد أسبوعين فقط من بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، وصولاً إلى "قمة شرم الشيخ للسلام" 13 أكتوبر 2025.. ومن خطة أمريكية أطلقها الرئيس الأمريكيى دونالد ترمب في فبراير الماضى، تعتمد على تهجير الفلسطينيين من غزة، وبناء ما أسماه "ريفيرا الشرق الأوسط"، إلى قوله في 13 أكتوبر الجارى: "لا أعلم عن ريفيرا شيء الآن.. يجب البدء في إزالة الأنقاض، وإزالة التدمير".. ومن ضغوط أمريكية متواصلة تدعو إلى التهجير والقضاء على المقاومة الفلسطينية وأبعاد السلطة الفلسطينية عن القطاع، إلى التوقيع على أتفاق للسلام، ينهى الحرب، ويبقى الفلسطينيين على أراضيهم، ويفتح الباب لإعمار القطاع وفق الخطة المصرية التي تم اعتمادها عربيا وإسلامية، وحصلت على توافق دولى.. بين هذا وذلك.. وتحولات جذرية في المواقف الغربية والأمريكية، انتهت إلى هذا الحشد العالمى المؤثر على أرض مدينة شرم الشيخ، الاثنين الماضى، ومن قبله الاعتراف الدولى المتتالى بالدولة الفلسطينية المستقلة.. بين كل هذا وذلك، جرت أمور كثيرة وتحركات مصرية جعلت الموقف الدولى تجاه غزة والقضية الفلسطينية يتغير ويتبدل 360 درجة.. فماذا حدث؟
بعد عودته إلى البيت الأبيض مرة أخرى في 20 يناير الماضى، كان ترامب واضحاً، منحاز بكل قوة إلى الرواية والسردية الإسرائيلية، لا يقبل بغيرها، وينظر إلى الحرب على الفلسطينين في قطاع غزة على أنها حرب على الإرهاب، والحل يكمن في تنفيذ مخطط التهجير، وتحويل غزة إلى منطقة استثمارية اطلق عليها "ريفيرا الشرق الأوسط"، بعد إخلائه من سكانه الفلسطينيين وإعادة تطويره ليصبح منتجعا ساحليا دوليا على البحر المتوسط، تحت السيطرة الأمريكية، وهى الفكرة التي جُبهت برفض عربى ودولى، رغم أن ترامب حاول الترويج لها بقولها أنها تهدف إلى "إنقاذ الفلسطينيين من جحيم غزة"، وتوفير "حياة أكثر رفاهية واستقرارا" لهم، في ظل الدمار الواسع الناتج عن العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بعدها مباشرة، دعت القاهرة إلى قمة عربية استثنائية، عقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة في الرابع من مارس، انتهت إلى تبنى موقفا موحدا ضد التهجير، وإصدار بيان ختامى احتوى على خطة مصرية لإعادة إعمار غزة بكلفة تقديرية بلغت 53 مليار دولار، وبعدها تم تثبيت هذه الخطة إسلامياً من خلال اعتمادها في القمة الإسلامية، وتبنتها دولاً غربية.
ولم تكتف مصر بذلك، بل فتحت خطوط تواصل دبلوماسي مع كل العواصم المهمة وذات الصلة بالوضع المتأزم في غزة، وأصبحت القاهرة منصة لتوجيه سياسات ورسائل دبلوماسية لاقت صدى واسع في هذه العواصم وانتجت حائط صد دولى قوى في مواجهة مخطط التهجير، بل والسير في طريق الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية الذى تكلل بعتراف دول كبرى مؤخراً على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر الماضى، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا، ودولاً أخرى.
وكان لهذه التحركات والمواقف تأثير قوى في السياسة الامريكية، التي بدأت تدرك أن هناك خيطاً يجب اتباعه، لأنه يصل إلى رواية أخرى للسردية الإسرائيلية، رواية حقيقية، والا لماذا وقف العالم كله في وجه إسرائيل!.
ووسط كل هذا لم تفقد القاهرة الأمل في أن تنحاز واشنطن وإدارة ترامب إلى السردية الحقيقية، وأعادت القيادة المصرية بوصلة الحوار مرة أخرى إلى مفاوضات التهدئة والهدنة في قطاع غزة، لكن هذه المرة من باب أوسع، باب السلام وليس فقط هدنة او وقف مؤقت لإطلاق النار.
ولا ننسى أن الرئيس السيسي هو من أقنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن مفتاح وقف الحرب بيده، وأن كلمةً حاسمة من واشنطن قادرة على إنهاء النزاع ودفع المجتمع الدولي نحو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، فقد استطاع الرئيس السيسي ترسيخ قناعة عالمية مفادها أنه لا سلام عادل في الشرق الأوسط دون تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.
ففي يوليو الماضى، القى الرئيس السيسى كلمة تليفزيونية، وجه خلالها نداءً خاصًا إلى الرئيس ترامب، قال فيه: "أوجّه نداءً خاصًا للرئيس ترامب، لأنني تقديري له الشخصي بإمكانياته وبمكانته، فهو القادر على إيقاف الحرب وإدخال المساعدات وإنهاء المعاناة.. من فضلك ابذل كل الجهد لإيقاف الحرب"، فهذا النداء لم يكن مجرد موقف إنساني، بل عبّر عن رؤية سياسية بعيدة المدى ورهان صائب، أثبت نجاحه بعد أن تدخل بالفعل الرئيس الأمريكي بخطة دفعت الجميع إلى مفاوضات شرم الشيخ، لتعلن وقف الحرب وتهيئة الأجواء لمسار السلام الدائم.
ومع استمرار الاتصال بين القاهرة وواشنطن، بالتنسيق مع قطر، ودخول تركيا على الخط، اعلن الرئيس الأمريكي دونال ترامب في سبتمبر الماضى عن خطة العشرين بنداً، لإنهاء الحرب في غزة، وبدء مرحلة جديدة.
ولأن هذه الخطة كانت تحوى تفاصيل مهمة، وأخرى تحتاج إلى مزيد من النقاش، لكن في المجمل يمكن النظر لها باعتبارها بداية مهمة يمكن البناء عليها، وهو ما حدث، فاستضافت مصر مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، بحضور امريكى قطرى تركى، تكلل بالتوقيع على أتفاق وقف إطلاق النار، ثم الاحتفال به في شرم الشيخ الاثنين الماضى، بهذا الحضور الكبير، الذى أعلن خلاله ترامب أن الحرب انتهت، مشددًا على ثقته في استمرار وقف إطلاق النار في غزة.
قمة شرم الشيخ للسلام، التي شهدت مشاركة 31 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، وانتهت إلى توقيع الوثيقة الشاملة لإنهاء الحرب على غزة، جاءت في لحظة فارقة تمر بها المنطقة بعد موجة تصعيد خطيرة وغير مسبوقة، ومعاناة إنسانية متزايدة، وتعاملت القاهرة مع الموقف بحكمة ومسؤولية عالية، واستطاعت عبر تحركاتها الهادئة والمنهجية أن تجمع الأطراف كافة على طاولة واحدة في شرم الشيخ، التي أكتسبت صفة مدينة السلام، لتفتح بذلك نافذة أمل جديدة أمام الشعب الفلسطيني والعالم نحو وقف العنف وإطلاق مسار سياسي جاد يضع حدًا للدوامة الممتدة منذ سنوات.
والشئ المؤكد هنا أن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال قمة السلام تجاوزت مجرد وقف إطلاق النار، لتضع تصورًا استراتيجيًا شاملًا لإعادة بناء الثقة وتحقيق الاستقرار الدائم، من خلال ضمانات سياسية واقتصادية وإنسانية تمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حياته الطبيعية، وتؤسس لمرحلة جديدة من التهدئة والتنمية والتعاون الإقليمي، وهذه الرؤية نابعة من قناعة مصرية راسخة بأن السلام العادل هو الطريق الأمثل لصون حياة الشعوب وحماية مقدراتها، وهذه القناعة راسخة في الوجدان المصرى، لذلك، منذ اللحظة الأولى لأندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023، كان التحرك المصرى واضح، أن السلام هو المفتاح الوحيد لإنهاء الحرب، ولإعادة الاستقرار للمنطقة.
والمؤكد أيضاً ان مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد كبير من القادة العرب والأوروبيين في قمة شرم الشيخ، تعكس تقدير كبير من المجتمع الدولي للدور المصري المحوري، وللدبلوماسية الهادئة التي ينتهجها الرئيس السيسي في إدارة الأزمات، وهنا نقف قليلاً امام قول ترامب عن الرئيس السيسى بانه "قائد كبير وقوى"، فهى جملة تعكس النظرة الأمريكية للقيادة المصرية، فقد أثبتت مصر تحت قيادة الرئيس السيسى، أنها اللاعب الرئيسي في معادلة الأمن الإقليمي، والدولة القوية القادرة على تحويل التحديات إلى فرص للتقارب والتفاهم، كما أثبتت أن الحوار هو أقوى سلاح في مواجهة الحرب، وأن إرادة السلام قادرة على كسر دائرة العنف.
كما تمثل قمة شرم الشيخ، نقطة تحول تاريخية لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً تكتب شهادة وفاة لمخطط تهجير الشعب الفلسطيني، الذي تصدت له القاهرة بقوة حفاظًا على الأمن القومي المصري والعربي، فهذه القمة، عكست قدرة مصر على صناعة السلام، وأن القاهرة هي البوابة لكل من يسعى إلى الاستقرار وتنمية الشرق الأوسط وتحقيق السلام الدائم، وهو ما تفهمته واشنطن، التي أدركت الدور المصرى المحورى، فبدأت التنسيق في كل خطوة مع القيادة المصرية، لإنجاز اتفاق غزة، لنصل إلى النتيجة المنطقية، وهى أن ما تحقق يمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من السلام العادل والشامل في المنطقة.
وبعد اتفاق السلام، بدأت مصر في رسم خريطة ما بعد الحرب على غزة والتحرك نحو إعادة إعمار القطاع وتوفير الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لأهله، لتبدأ صفحة جديدة في المنطقة، عنوانها الاستقرار والسلام، ونقطتها الرئيسية، مصر، التي أستطاعت بمواقفها أن تحدث تحولات قوية وجذرية في المواقف الدولية، وتعيد تثبيت السردية الفلسطينية، وأن تقف في وجه مخطط التهجيرة، لنصل على النتيجة التي نراها اليوم، وهو أن الفلسطينيين باقيين على أرضهم، كما دعمت مصر القضية الفلسطينية، فاعترف العالم بالدولة الفلسطينية، وتصدت للعدوان، فأوقفت الحرب وأعادت الهدوء للقطاع، وضغطت دولياً، فإدخلت المساعدات وحشدت لإعادة الأعمار.
كل هذا تحقق لأن هناك دولة قوية أسمها مصر، وعلى رأس قيادتها رئيس "قوى وقادر" أسمه عبد الفتاح السيسى.