نهر النيل ملكية مشتركة ومورد جماعى لا يُحتكر
السبت، 18 أكتوبر 2025 09:30 م
نهر النيل ملكية مشتركة ومورد جماعى لا يُحتكر
رسالة تحذير مصرية: لن يُسمح بالمساس بحصتنا المائية أو تهديد أمن وسلامة الشعب
تصرفات الإدارة الإثيوبية متهورة.. ولن نقف مكتوفى الأيدى وسنتخذ كافة التدابير لحماية أمننا المائى
"الموقف المصري من أزمة سد النهضة لم يتغير.. وحقوق مصر التاريخية في مياه النيل غير قابلة للتفاوض أو التهاون، وأن الدولة لن تسمح بالمساس بحصة مصر من المياه، أو تهديد أمن وسلامة الشعب المصري".. رسالة مصرية شديدة الوضوح، بعثت بها مصر إلى العالم، الأسبوع الماضى، من خلال النسخة الثامنة من أسبوع القاهرة للمياه، الذى عقد الأسبوع الماضى، تحت شعار "الحلول المبتكرة، من أجل القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، واستدامة الموارد المائية"، بمشاركة واسعة من وزراء، وصناع القرار، وخبراء دوليين، وممثلي المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمته، أن مصر تؤمن إيمانا لا يتزعزع، بأن الأنهار الدولية، لم تخلق لتكون خطوطا تفصل بين الأوطان، بل شرايين حياة تنبض بالتكامل، وجسورا من التعاون، تربط الشعوب وتوحد المصائر. فالأمن المائى ليس ترفا، والتنمية المستدامة ليست خيارا، بل هما حقان أصيلان، لا يصانان إلا من خلال شراكة عادلة، قائمة على مبادئ القانون الدولى، تجسد روح المنفعة المتبادلة، وتعلى من شأن عدم الإضرار، وتقر بأن الحق فى الانتفاع، يقترن دوما بالواجب فى احترام الحقوق، وشدد الرئيس السيسى:"ومن هذا المنطلق؛ تعلن مصر، وبكل وضوح وحزم، رفضها القاطع، لأى إجراءات أحادية تتخذ على نهر النيل، تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية، وتهدد مصالح شعوب الحوض، وتقوض أسس العدالة والاستقرار. فالتنمية؛ ليست امتيازا لدولة بعينها، بل مسئولية جماعية لكافة شعوب النهر، وحق يصان بالتعاون لا بالتفرد".
وأشار الرئيس السيسى إلى أن مصر انتهجت على مدار أربعة عشر عاما، من التفاوض المضنى مع الجانب الإثيوبى، مسارا دبلوماسيا نزيها، اتسم بالحكمة والرصانة، وسعت فيه بكل جدية، إلى التوصل لاتفاق قانونى ملزم بشأن السد الاثيوبى، يراعى مصالح الجميع، ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات، وقدمت مصر خلال هذه السنوات، العديد من البدائل الفنية الرصينة، التى تلبى الأهداف المعلنة لإثيوبيا، كما تحفظ مصالح دولتى المصب، إلا أن هذه الجهود، قوبلت بتعنت لا يفسر، إلا بغياب الإرادة السياسية، وسعى لفرض الأمر الواقع، مدفوعة باعتبارات سياسية ضيقة، بعيدة عن احتياجات التنمية الفعلية، فضلاً عن مزاعم باطلة، بالسيادة المنفردة على نهر النيل، بينما الحقيقة الثابتة، أن النيل ملكية مشتركة لكافة دوله المتشاطئة، ومورد جماعى لا يحتكر.
وقال الرئيس السيسى، إنه مرت أيام قليلة، على بدء تدشين السد الإثيوبى، وثبت بالدليل الفعلى؛ صحة مطالبتنا، بضرورة وجود اتفاق قانونى وملزم لأطرافه، لتنظيم تشغيل هذا السد، ففى الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا، من خلال إدارتها غير المنضبطة للسد، فى إحداث أضرار بدولتى المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة، والتى تم تصريفها، دون أى إخطار أو تنسيق مـع دولتــى المصب، وهو ما يحتم على المجتمع الدولى بصفة عامة، والقارة الأفريقية بصفة خاصة، مواجهة مثل هذه التصرفات المتهورة من الإدارة الإثيوبية، وضمان تنظيم تصريف المياه من السد، فى حالتى الجفاف والفيضان، فى إطار الاتفاق الذى تنشده دولتا المصب، وهو السبيل الوحيد لتحقيق التوازن، بين التنمية الحقيقية لدول المنبع، وعدم الإضرار بدولتى المصب، وتابع الرئيس السيسى:"وإذ اختارت مصر طريق الدبلوماسية، ولجأت إلى المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، فإنها تؤكد أن هذا الخيار، لم يكن يوما ضعفا أو تراجعا؛ بل تعبيرا عن قوة الموقف، ونضج الرؤية، وإيمان عميق بأن الحوار هو السبيل الأمثل، والتعاون هو الطريق الأجدى، لتحقيق مصالح جميع دول حوض النيل، دون تعريض أى منها للخطر، إلا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى، أمام النهج غير المسئول الذى تتبعه إثيوبيا، وستتخذ كافة التدابير، لحماية مصالحها وأمنها المائى".
وشدد الرئيس السيسى، على أن مستقبل الأمن المائى، مرهون بالتعاون الدولى الفعال، القائم على الالتزام بقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق، علاوة على الاعتماد على التطوير والابتكار والبحث العلمى؛ مضيفًا:فلنكن جميعا شركاء فى تحويل الرؤى إلى واقع، والأفكار إلى مشروعات، والتوصيات إلى مبادرات ملموسة، لنحافظ على الماء، هذا المورد الوجودى، وليكن "أسبوع القاهرة للمياه"، نقطة انطلاق حقيقية، نحو عالم، يكون فيه الماء جسرا للتعاون. لا ساحة للصراع، ومصدرا للأمل.. لا سببا للنزاع، ودعا الرئيس السيسى الحضور، إلى نقاش جاد، وحوار فعال، خلال فعاليات هذا الأسبوع، من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة، تواجه التحديات المتزايدة، التى تعصف بمواردنا المائية، والعمل على توفير الأمن المائى لشعوبنا والتنمية لبلادنا.
وأكد وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم أن الموقف المصري من السد الإثيوبي ثابت، ولن يُسمح بأي تهاون يمس حقوق مصر في مياه النيل أو يهدد أمنها المائي، مشدداً على "أن إثيوبيا تسببت بالفعل في بعض الأضرار، غير أن الدولة المصرية قادرة على التعامل معها، بما يضمن عدم وصول الضرر إلى المواطن المصري"، مشيرا إلى أن السدود ليست الوسيلة الوحيدة لتوليد الكهرباء، وأن هناك طرقا أخرى.. وأضاف: "لكن التعنت الإثيوبي واضح، ومصر لن تسمح بوقوع أي ضرر على مواطنيها".
وأضاف: "إدارة إثيوبيا للسد تكشف عن تهور وعبث في تصرفات مياه النيل، ومفيض توشكى موجود منذ عقود، وتم استخدامه بكثافة مؤخرا لتجميع المياه، بسبب غياب التنسيق وتبادل البيانات من الجانب الإثيوبي بشأن كميات المياه المنصرفة من السد"، لافتا إلى أن الفيضانات الأخيرة كانت نتيجة للتصرفات الأحادية الإثيوبية، التي هدفت إلى استعراض إعلامي قبل افتتاح السد، حيث قامت بتجميع المياه بسرعة، ثم تصريفها بشكل عشوائي دون تنسيق مع دول المصب، وشدد على أن مطالب مصر في المفاوضات كانت واضحة، وهي التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد الملء والتشغيل طويل الأمد، موضحا أن الاتفاق على التشغيل أكثر أهمية من الملء، لأن التصريف العشوائي لكميات كبيرة من المياه دون تنسيق قد يُهدد شعوبا بأكملها، كما شدد على أن تكلفة هذه التصرفات ستتحملها إثيوبيا في نهاية المطاف، مشيرا إلى أن مصر تقوم بتوثيق كل ما يحدث لحفظ حقوقها في الملفات الدولية، وفي هذا الصدد، بين أن الموارد المائية المصرية لا تغطي سوى نصف الاحتياجات الفعلية للدولة المصرية، منوها إلى أن أي مشروع مائي في أعالي النيل تتابعه مصر عن كثب لضمان عدم المساس بحقوقها.
وقال وزير الري "إن ما تم تنفيذه من مشروعات مائية خلال السنوات الأخيرة غير مسبوق في تاريخ الدولة المصرية، وقد ظهر ذلك في قدرة مصر على مواجهة الأضرار المائية الأخيرة"، مشيراً إلى أن العودة إلى مفاوضات سد النهضة بنفس شكلها القديم غير واردة، وأن مصر لن تشارك في أي مفاوضات جديدة ما لم تتغير الأطر الحاكمة وتُبنى على احترام القانون الدولي.
وأشار سويلم إلى أن مصر ورثت إرثًا فريدًا في إدارة المياه، شكّل ما يمكن تسميته بمدرسة الري المصرية العريقة، ومع تصاعد التحديات الناتجة عن الزيادة السكانية، وتغير المناخ، كان من الضروري الانتقال إلى جيلٍ ثانٍ، أكثر مرونة وابتكارًا، لتجسّد هذا التحول النوعي، عبر دمج التكنولوجيا الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والاستشعار عن بُعد، في إدارة المياه، لافتاً إلى أن منظومة الجيل الثاني تتألف من عشرة محاور رئيسية، أبرزها المعالجة والتحلية من أجل الزراعة وإنتاج الغذاء، والإدارة الذكية والتحول الرقمي، حيث تعتمد مصر في إدارتها الحديثة للموارد المائية على التحول الرقمي الشامل، ويشمل ذلك تطبيق نماذج متطورة للتنبؤ بالأمطار وتقدير كميات المياه الواردة، بما يسمح بالتخطيط المسبق، والتعامل المرن مع مواسم الفيضان والجفاف، كما يتم احتساب زمامات المحاصيل الزراعية بإستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات الاستشعار عن بُعد، لتحديد الإحتياجات الفعلية لكل منطقة، بما يضمن إدارة دقيقة لتوزيع المياه وفقًا للتركيب المحصولي الفعلي، كما نتجه لاستخدام الدرون لأول مرة في مصر، لرصد حالة الترع وشبكات الري، مع تقييم مستوى الأمان للمنشآت المائية، بما يتيح استجابة سريعة لأي طارئ أو خلل في التشغيل، بالإضافة إلى رصد المخالفات على المجاري المائية، كما تم رقمنة بيانات الترع والمصارف والمنشآت المائية والمساقي، وبناء قواعد بيانات موحّدة، وتطوير تطبيقات للمزارعين لإتاحة مواعيد المناوبات وخدمات التراخيص والمتابعة.
وسبق أن أشار الرئيس السيسى إلى أن العالم يواجه تحديات متعددة ومتشعبة، تتعلق بتزايد الطلب على المياه، وشح الموارد المائية، وعدم كفاية مشروعات تنقية المياه وتوفير المياه النظيفة، وسوء إدارة الموارد المائية، فضلاً عن التداعيات الخطيرة لتغير المناخ، والحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون العابر للحدود، فى إدارة الموارد المشتركة، مشيراً إلى أن مصر تواجه تحديات جسيمة فى ملف المياه، حيث تعد المياه قضية وجودية، تمس حياة أكثر من مائة مليون مواطن، يعتمدون بنسبة تفوق "98%"، على مصدر واحد، ينبع من خارج الحدود، هو نهر النيل. وتصنف مصر، ضمن الدول الأكثر ندرة فى المياه، إذ لا يتجاوز معدل الأمطار السنوى، "1.3" مليار متر مكعب، ويبلغ نصيب الفرد نحو "500" متر مكعب سنويا؛ أى نصف خط الفقر المائى العالمى، موضحاً أن قضية توفير المياه النظيفة، تحتل مكانة متقدمة فى أجندة العمل الوطنى، خاصة فى ظل النمو السكانى المتسارع، وارتفاع الطلب على الموارد، وتهديدات التغير المناخى، على دلتا النيل وسواحلنا الشمالية.