ماذا تستفيد مصر من الاتحاد الأوروبي اقتصاديًا وسياسيًا؟

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 10:32 ص
ماذا تستفيد مصر من الاتحاد الأوروبي اقتصاديًا وسياسيًا؟
طلال رسلان

لم تعد العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي مجرد شراكة تقليدية تقوم على تبادل المصالح، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ركيزة أساسية في معادلة الاستقرار الإقليمي، تجمعها الضرورة السياسية والمصالح الاقتصادية المتبادلة. فالقاهرة باتت اليوم واحدة من أهم العواصم تأثيرًا في محيطها الجغرافي، وشريكًا لا يمكن تجاوزه في ملفات الهجرة والطاقة والأمن الإقليمي، ما جعل الاتحاد الأوروبي يعيد حساباته تجاهها، باحثًا عن صيغة شراكة أكثر عمقًا واستدامة.
 
يدرك الاتحاد الأوروبي أن موقع مصر الجغرافي يمنحها ميزة لا تقدر بثمن، فهي بوابة العبور إلى الأسواق الأفريقية والشرق الأوسط، كما تشكل محورًا لوجستيًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس، التي يمر منها نحو 12% من التجارة العالمية.
هذه المكانة جعلت الاتحاد الأوروبي ينظر إلى مصر باعتبارها نقطة ارتكاز أساسية في تأمين خطوط الإمداد والتجارة العالمية، لا سيما في ظل الأزمات المتلاحقة مثل الحرب في أوكرانيا وتوترات البحر الأحمر.
 
الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لمصر، إذ تستحوذ دوله على نحو 30% من إجمالي التجارة الخارجية المصرية. وتتنوع مجالات التعاون بين الجانبين لتشمل الطاقة، والنقل، والزراعة، والصناعة، والاتصالات، والسياحة، والتعليم، والبحث العلمي.
في السنوات الأخيرة، ارتفع حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر، مدفوعًا ببرامج الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومة، وبالاستقرار السياسي والأمني النسبي الذي تتمتع به البلاد مقارنة بدول الجوار.
 
ومن أبرز مجالات التعاون الاقتصادي، قطاع الطاقة: أصبحت مصر مركزًا إقليميًا لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد اكتشافات شرق المتوسط، خاصة حقل "ظُهر" العملاق. ويُعد الغاز المصري بديلًا مهمًا للغاز الروسي الذي كان يغذي أوروبا قبل حرب أوكرانيا، التحول الأخضر والطاقة المتجددة: تستثمر أوروبا في مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية في مصر، ضمن خطة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، الاستثمار والتنمية: الاتحاد الأوروبي يمول مشروعات بقيمة تتجاوز 8 مليارات يورو في مجالات النقل والمياه والبيئة ودعم القطاع الخاص، الهجرة والتنمية الاجتماعية: القاهرة شريك رئيسي في برامج الاتحاد لمكافحة الهجرة غير الشرعية، عبر دعم تنمية المجتمعات المحلية وخلق فرص عمل في المحافظات المصدّرة للهجرة.
 
 
سياسيًا، تنظر أوروبا إلى مصر باعتبارها ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فدورها المحوري في القضية الفلسطينية، ووساطتها المتكررة بين إسرائيل وحركة "حماس"، يجعلانها لاعبًا لا غنى عنه في أي تسوية سياسية مقبلة.
 
كما تضطلع القاهرة بدور رئيسي في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهو ما يمثل أولوية قصوى للأوروبيين، خاصة بعد موجات الهجرة التي ضربت القارة منذ عام 2015.
 
في المقابل، تستفيد مصر من هذا التقارب في تعزيز مكانتها الدولية والحصول على دعم سياسي أوروبي في ملفات إقليمية حساسة مثل أزمة سد النهضة، والوضع في ليبيا والسودان، فضلًا عن تنسيق المواقف في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
 
زيارة بروكسل الأخيرة.. بداية مرحلة جديدة من الشراكة
 
جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى بروكسل ورئاسته وفد مصر في القمة المصرية الأوروبية الأولى لتؤكد دخول العلاقات مرحلة جديدة من الشراكة الشاملة، تتجاوز المساعدات الاقتصادية إلى اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد.
 
القمة ركزت على تعزيز التعاون في الطاقة النظيفة، والأمن الإقليمي، والهجرة، والاستثمار، والتعليم الفني، والتكنولوجيا، مع تعهد أوروبي بدعم مصر ماليًا وفنيًا في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
 
ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي يعوّل على مصر لتكون العمود الفقري للاستقرار في جنوب المتوسط، فيما تستفيد القاهرة من التمويلات والاستثمارات الأوروبية لتسريع خطط التنمية وتحسين أوضاع الاقتصاد المحلي.
 
 
تثبت التطورات المتسارعة أن العلاقات المصرية الأوروبية تتجه نحو شراكة استراتيجية مستدامة، تتجاوز التعاون التقليدي إلى تبادل نفوذ ومصالح بين ضفتي المتوسط.
 
فبينما تحتاج أوروبا إلى استقرار مصر لضمان أمن حدودها ومصادر طاقتها، تحتاج القاهرة إلى الاتحاد الأوروبي كحليف اقتصادي وسياسي داعم في مواجهة أزماتها الإقليمية والاقتصادية.
 
إنها معادلة مصالح متبادلة، تُبنى على أسس من الواقعية السياسية والرؤية الاقتصادية المشتركة، وتؤسس لمستقبلٍ أكثر استقرارًا بين مصر وأوروبا، حيث تتقاطع المصالح لتصنع التحالفات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق