تعرف على رأى الافتاء حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 03:05 م
تعرف على رأى الافتاء حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل
منال القاضي

ما حكم التصديق بالأحوال الجوية المتوقعة للطقس، كالصادرة عن الهيئة العامة للأرصاد الجوية؟ وهل تُعدُّ من قبيل التنجيم المنهي عنه شرعًا؟
 
الجواب:
لا مانع شرعًا من التصديق بالتوقعات المُعْلَنة والمنشورة من هيئة الأرصاد الجوية المُتَعَلِّقة بحالة الطقس لفترةٍ قادمة، لَا سِيَّمَا وأنَّها مَبْنِيَّةٌ على قواعد ونظريات علمية متخصصة، ولا تزيد تلك الأخبار عن كونها أمورًا أغلبية يمكن أن يحدث خلافها، ولا علاقة لها بالتنجيم المُحرّم شرعًا والذي هو مبني على التخمين والحدس وادِّعاء معرفة الأمور الغيبيَّة واعتقاد أنَّ هناك مؤثِّرًا في الكون غير الله تعالى.
 
تسخير المولى سبحانه وتعالى الكون للإنسان
سخر الله سبحانه وتعالى للإنسان الكون بما فيه بما يُحَقِّقُ وظيفته التي خُلِقَ من أجلها وهي: الخلافة في الأرض، ويُلَبِّي حاجاته الدينية والدنيوية، وكلما تَقَدَّمَ الزمن وارتقى عِلْمُ الإنسان، كُلَّمَا عظمت الاستفادة، وكثرت المنافع؛ قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 33].
 
قال الإمام النَّيْسَابُورِي في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (4/ 247، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، معنى تسخيرهما للناس: تصييرهما نافعين لهم بحسب مصالحهم على سنن واحد يتعاقبان دائما كالعبد المطواع، وكذا الكلام في تسخير الشمس والقمر والنجوم] اهـ.
 
أجابت دار الافتاء على سائل يقول ما حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل ،ما تقوم به هيئات الأرصاد الجوية من نَشْرِ تقارير ونشرات دورية عن الطقس تشتمل على معلوماتٍ تَتَعلَّق بعمليات الرصد الجوي في منطقة مُعَيَّنة من الأرض، وبخاصةٍ العمليَّات الطَّبيعيَّة التي تَحْدُث على مدار اليوم كتغير درجات الحرارة، واحتمالات تساقط الأمطار والسحب المنخفضة، ومستوى الرُّطوبة، ومقدار الضَّغط الجوِّيِّ وغيرها من الظواهر، يتم معرفته بناءً على اطِّلاعهم على خرائط طبقات الجو العُليا موضحًا عليها المرتفعات والمنخفضات الجوية والكتل الهوائية، ثم قياسها فوق منطقة مُعَيَّنَة، وذلك باستخدام نظرياتٍ علمية، ومعادلاتٍ رياضية، وأجهزةٍ متطورة تعتمد عليها الجهة المتنبئة قبل إصدارها نشرتها الدورية عن الطقس خلال مُدَّةٍ مُعَيَّنةٍ كيوم أو يومين أو ثلاث. يُنْظَرُ: "معجم المصطلحات العلمية والفنية المستعملة في الأرصاد الجوية" الصادر عن منظمة الأرصاد الجوية العالمية، (ص: 506، مطبوع المنظمة رقم: 135)، و"معجم اللغة العربية المعاصرة" (2/ 898، ط. عالم الكتب).
 
ولا تَصْدُرُ تلك النشرات إلا بعد إجراء حساباتٍ علميةٍ دقيقة مبنيَّة على نظرياتٍ عامة وقوانين كونية وتجارب متكررة قام بها العلماء عبر الأجيال، مع الاستفادة العظمى بالعلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي لا يمر يوم إلا وينبع عنها جديد، ومعلومٌ أنَّ تلك المعرفة للأحوال الجوية المرتقبة للطقس هي أمرٌ قائمٌ على غلبة الظن لا اليقين، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بعض العلامات التي يمكن من خلالها العمل بمثل هذه التوقعات، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْشَأَتِ السَّمَاءُ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَهُوَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» أخرجه الأئمة: الطَّبَرَانِي في "المعجم الأوسط"، ومالك في "الموطأ" من رواية أبي مصعب الزهري، والبَيْهَقِي في "معرفة السنن والآثار" عن الإمام الشافعي بلفظ: «إِذَا أُنْشِئَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا».
 
قال الإمام مالك بن أنس: [معناه: إذا ضربت رِيحٌ بَحْرِيَّةٌ فأنشأت سحابًا، ثم ضربت ريحٌ من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير] اهـ؛ كما ذكره الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 335، ط. مطبعة السعادة).
 
وقال العلَّامة النَّفَرَاوِي في "الفواكه الدواني" (2/ 344، ط. دار الفكر): [والواجب اعتقاده: الجزم بِأَنَّ ظهور بعض الأشياء عند ظهور بعض النجوم أمرٌ أغلبي، ويجوز تخلفه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ»، أَيْ: إذا طلعت السحابة من جهة الغرب ومالت إلى الشام فتلك السحابة غزيرة المطر] اهـ.
 
دلَّ على ذلك حديثُ القرآن الكريم عن التهدي بهذه العلامات ومطلوبية العلم بها شرعًا، فقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: 96-97]، وقوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
 
قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (3/ 273، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ أي: يجريان بحساب مقنَّن مقدَّر، لا يتغيَّر ولا يضطرب، بل كلٌّ منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا] اهـ.
 
مما يدلُّ على أنَّ التنبؤ بأحوال الطقس المبني على الحس والمشاهدة والنظريات العلمية الدقيقة، مع الخبرة والدُّرْبَة هو أمرٌ جائز شرعًا، وليس  من التنجيم المنهي عنه شرعًا؛ والذي هو: ادعاء علم الحوادث أو الوقائع الغيبية؛ كالإخبارِ بأوقات السعادة والشَّقاء، والحياة والموت، وما في معانيها من الأمور التي يزعم المنجمون أنها تُدرك مَعرِفَتُها بِمَسِيرِ الكواكب واجتماعها وافتراقها، فيُعْتَقَد أنَّ لكل نَجم تأثيرًا في حوادثِ الأرض؛ كما في "معالم السُّنن" للإمام الخَطَّابي (4/ 229-230، ط. المطبعة العلمية)، والتنجيم بهذا المفهوم هو ضرب من الكهانة التي تشمل التنجيم والعرافة والرمل والخَطَّ وغيرها مما يؤول إلى ادِّعاءِ عِلمِ الغيبِ الذي استَأثَر الله به، وكلُّ هذا محرمٌ في الشريعة الإسلامية؛ لأنَّ ذلك من دعوى عِلمِ الغَيبِ، ولا يعلَمُه إلَّا اللهُ؛ كما في "شرح المشكاة" للإمام الطِّيبي (9/ 2989، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز)، و"رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (4/ 242، ط. دار الفكر).
 
بخلاف الإخبار بأحوال الطقس القائمة على نظريات علمية وقوانين فلكية مستمدة من تسخير الله للكون وقائمةٌ على الحسِّ والمشاهدة وتعتمد على مقدماتٍ ونتائج علمية، كما ذكرنا.
 
قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السُّنن" (4/ 230، ط: المطبعة العلمية): [أمَّا علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحسِّ الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غيرُ داخلٍ فيما نهي عنه] اهـ.
 
الخلاصة
بناءً على ما سبق: فلا مانع شرعًا من التصديق بالتوقعات المُعْلَنة والمنشورة من هيئة الأرصاد الجوية المُتَعَلِّقة بحالة الطقس لفترةٍ قادمة، لَا سِيَّمَا وأنَّها مَبْنِيَّةٌ على قواعد ونظريات علمية متخصصة، ولا تزيد تلك الأخبار عن كونها أمورًا أغلبية يمكن أن يحدث خلافها، ولا علاقة لها بالتنجيم المُحرّم شرعًا والذي هو مبني على التخمين والحدس وادِّعاء معرفة الأمور الغيبيَّة واعتقاد أنَّ هناك مؤثِّرًا في الكون غير الله تعالى.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة