ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: قصة سيدنا يونس في القرآن نموذج للإعجاز البياني.. والتسبيح مفتاح النجاة

الأحد، 26 أكتوبر 2025 10:52 م
ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: قصة سيدنا يونس في القرآن نموذج للإعجاز البياني.. والتسبيح مفتاح النجاة
منال القاضي

عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد، ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي تحت عنوان: "مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن قصة سيدنا يونس" وذلك بحضور كل من أ.د/ عبد الشافي الشيخ، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، وأ.د مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، وأدر الملتقى الأستاذ عمر هاشم، المذيع بالتلفزيون المصري.
 
استهل فضيلة الدكتور عبد الشافي الشيخ، قصة سيدنا يونس (عليه السلام)، كما وردت في سورة الصافات، كونها نموذجًا فريدًا للإعجاز البياني في القرآن الكريم. فالآيات تصور الأحداث ببراعة إيجاز وإحكام لا نظير له، مبتدئة بـ "وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" تأكيدًا لمكانته، ثم تنتقل مباشرة إلى لحظة الانفصال عن قومه وتعبيرها بكلمة "إِذْ أَبَقَ"، وهي كلمة قوية تستعمل عادة في فرار العبد من سيده، وتوحي بالمسارعة والغضب البشري، لأنه تعجل من أمره ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى، ما يعكس عظم الموقف وشدة الحذر من ترك أمر الله، حتى لو كان عن اجتهاد نبوي، كما يظهر الإعجاز في دقة التصوير للمراحل المتتالية والمترابطة بإيقاع سريع: الإباق إلى "الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ"، ثم اللجوء "فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ" (أي المغلوبين في القرعة)، وصولاً إلى مشهد "فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ"، حيث جاءت الفاء لترتيب الأحداث وتعقيبها السريع.
 
وأضاف فضيلة الدكتور عبد الشافي الشيخ أن لذروة البيانية فهي في بيان سبب النجاة: "فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"، هنا يكمن الإعجاز في الربط المحكم بين التسبيح والاستغفار في الرخاء والنجاة من العذاب في الشدة، فالجملة شرطية تكشف حقيقة مصيرية لولاها لكان المكوث في بطن الحوت أبديًا، وهذا يبرز قيمة العبادة والدعاء كونهما حماية ونجاة، مبينا أن القصة تختتم بتصوير دقيق للإنقاذ والامتنان الإلهي: "فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ" (كأنه طفل حديث الولادة من فرط الضعف)، ثم رعاية الله له بإنبات "شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ" (التي تمتاز بالظل وسلامة الثمرة وسهولة الهضم)، وهي تفاصيل بيانية عميقة تخدم المعنى التربوي للرحمة الإلهية بعد الابتلاء، وهذا التسلسل في عرض القصة، واستخدام الألفاظ الموحية (أبق، المدحضين، التقم، مليم)، واختصار الزمن والمكان مع عمق الدلالة، يجعله إعجازًا بيانيًا بارزًا، يجمع بين قوة الحجة وجلال الأسلوب القرآني.
 
من جانبه أشار الدكتور مصطفى إبراهيم، إلى الإعجاز العلمي في القرآن، من خلال الوصف الدقيق لظلمات البحار العميقة، كما ورد في قوله تعالى: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْض"، ويكمن وجه الإعجاز في استخدام القرآن لتعبير "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ"، وهو ما يتطابق تمامًا مع الاكتشافات الحديثة لعلماء البحار حول وجود "الأمواج الداخلية"، هذه الأمواج هي طبقات متتالية من المياه مختلفة الكثافة والحرارة والملوحة، تطفو فوق بعضها البعض في أعماق البحار والمحيطات، ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وتحدث حواجز ضوئية تزيد من كثافة الظلام كلما تعمقت، فيتحقق وصف "ظلمات بعضها فوق بعض"، هذا الوصف الدقيق لم يكن ليدركه البشر وقت نزول القرآن، ويرتبط هذا الإعجاز كذلك بقصة نبي الله يونس (عليه السلام)، حين دعا ربه مسبحًا: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، فاستجاب الله له في الظلمات الثلاث (ظلمة الليل، وظلمة البحر العميق بأمواجه وطبقاته، وظلمة بطن الحوت)، وهو ما يظهر الترابط البياني بين قدرة الله في تسخير الظلمات الكونية (البحرية) والنجاة منها بالتسبيح والدعاء.
 
يذكر أن ملتقى "التفسير ووجوه الإعجاز القرآني يعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من  الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.
 
7aa62997-4b77-4c07-9a8e-eec3eaf5fbc6
 
33b3eb9d-b241-4a98-8a44-1d088f020f5b
 
90eda454-18f4-429a-a049-bf8f3412badd
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق