الدلتا الجديدة.. بوابة مصر الزراعية نحو المستقبل

السبت، 06 ديسمبر 2025 11:30 م
الدلتا الجديدة.. بوابة مصر الزراعية نحو المستقبل
محمد فزاع

 

2.2 مليون فدان تزيد المساحة المزروعة بنسبة 23% وتحقق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية خاصة القمح

المشروع يحول مياه الصرف الزراعي من مصدر تلوث إلى مورد اقتصادي مستدام.. ويوفر الاف من فرص العمل

أكبر المشروعات التنموية يساهم في تخفيف التكدس السكاني بوادي النيل بخلق مجتمعات جديدة تجذب السكان

 

يمثل مشروع الدلتا الجديدة، واحدًا من أعظم المشروعات القومية التي أطلقتها الدولة المصرية خلال العقد الأخير، باعتباره نموذجًا متكاملًا يجمع بين التوسع الزراعي، وإدارة الموارد المائية بكفاءة، وإنشاء مجتمعات عمرانية وصناعية جديدة.

وتأتي أهمية المشروع من حجمه الهائل البالغ 2.2 مليون فدان، ومن كونه ركيزة رئيسية لضمان الأمن الغذائي، وتقليل فاتورة الواردات، وخلق فرص عمل، وإعادة توزيع السكان خارج الوادي الضيق، وبالنظر إلى حجم التحديات العالمية المتعلقة بالمياه والغذاء، تتعاظم أهمية المشروع باعتباره استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل مصر.

وما بين إنشاء محطات ضخمة لمعالجة مياه الصرف الزراعي، ومد شبكات طرق ومحاور جديدة، وإقامة بنية تحتية صناعية ولوجستية متكاملة، يقدّم المشروع نموذجًا للتنمية الشاملة التي تراهن عليها مصر لمواجهة التحديات المستقبلية.

 

تعظيم الاستفادة من المياه: أساس المشروع

أحد أهم مفاتيح نجاح مشروع الدلتا الجديدة هو الاعتماد على إدارة علمية دقيقة للموارد المائية، وقد أوضحت وزارة الموارد المائية والري، أن المشروع يأتي في إطار استراتيجية الدولة لتعظيم الاستفادة من كل نقطة مياه، خصوصًا في ظل محدودية الموارد المائية الطبيعية.

وأكدت أن مصر تمتلك اليوم أكبر ثلاث محطات معالجة لمياه الصرف الزراعي في العالم، بطاقة إجمالية تبلغ 4.3 مليار متر مكعب سنويًا، وهي محطات الدلتا الجديدة وبحر البقر والمحسمة، التي تعمل على تحويل مياه الصرف الزراعي من مورد مهدر إلى مصدر رئيسي للري في المشروعات القومية.

ولا تقتصر أهمية هذه المحطات على توفير المياه اللازمة للزراعة فحسب، بل إنها تمثل نقلة نوعية في إدارة المياه، من خلال تطبيق أعلى معايير المعالجة التي تضمن سلامة التربة والمحاصيل، وتدعم الاتجاه نحو استصلاح مساحات واسعة من الأراضي غير المستغلة في الصحراء الغربية.

ومع تطوير شبكات نقل المياه ومحطات الرفع المتوزعة على طول المسارات الجديدة، يتحول المشروع إلى منظومة متكاملة تتيح استدامة التوسع الزراعي دون الضغط على مياه النيل التقليدية.

 

تطوير متوازن بين الزراعة والموارد المائية

تعكس الخطط الحكومية المرتبطة بمشروع الدلتا الجديدة رؤية شاملة لا تقتصر على التوسع الزراعي فقط، بل تشمل تطوير البنية التحتية، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتعزيز الاستثمارات الزراعية والصناعية، وخلق مجتمعات جديدة، ويأتي كل ذلك في إطار هدف استراتيجي هو ضمان الأمن الغذائي لمصر، وتعزيز قدرتها على مواجهة الاضطرابات الاقتصادية العالمية.

وتتسق هذه الرؤية مع التوجهات الحديثة التي تعتمدها الدولة منذ 2013، والقائمة على الخروج من الوادي الضيق واستصلاح أراضٍ جديدة، سواء عبر التوسع الأفقي بزيادة الرقعة المنزرعة، أو عبر التوسع الرأسي بتحسين إنتاجية الفدان باستخدام أحدث التقنيات الزراعية.

 

اجتماع رئاسي يعكس حجم المشروع وأولويته

في 24 نوفمبر، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اجتماعًا موسعًا حمل دلالات مهمة حول حجم وأهمية مشروع الدلتا الجديدة في الاستراتيجية الوطنية للتنمية، وضم الاجتماع الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، واللواء أمير سيد أحمد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء وليد محمد عارف رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والعقيد الدكتور بهاء الغنام المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، وذلك لبحث مستجدات التنفيذ على الأرض، ومتابعة أعمال البنية التحتية الخاصة بالمشروع، لا سيما المنظومة المائية المعقدة التي تشكل العمود الفقري للتوسع الزراعي في الدلتا الجديدة.

وخلال الاجتماع، أكد الرئيس السيسى ضرورة المتابعة الدقيقة والمستمرة لكافة المشروعات الزراعية، مع تركيز خاص على مشروع الدلتا الجديدة، الذي يعد واحدًا من أكبر المشروعات التنموية في تاريخ مصر، كما وجّه بأهمية تعزيز التعاون بين الحكومة وجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة من أجل تسريع وتيرة التنفيذ وتجاوز أي تحديات، بما يحقق الهدف الأساسي وهو الوصول إلى معدلات إنتاج زراعي تكفي لتلبية احتياجات السوق المحلي وتدعم خطط التصدير.

ولم يقتصر توجيه الرئيس السيسى على الجانب الفني فحسب، بل شمل أيضًا تعزيز دور القطاع الخاص باعتباره شريكًا رئيسيًا في مشروعات البنية الأساسية الزراعية، حيث شدد على ضرورة إفساح المجال للاستثمارات الجادة التي يمكن أن تضيف قيمة كبيرة للمشروع وتخلق فرص عمل جديدة، وتسهم في بناء أنشطة صناعية وتجارية مرافقة للزراعة، بما يخلق منظومة اقتصادية متكاملة، كما شدد الرئيس خلال الاجتماع على ضرورة الالتزام بالجداول الزمنية المحددة لتنفيذ هذه المشروعات، مع الاستمرار في تنفيذ المشروع القومي لضبط النيل وإزالة كافة التعديات على مجرى النهر، بما يعزز قدرة الدولة على إدارة مواردها المائية بكفاءة واستدامة.

 

أكبر مشروع لنقل مياه الصرف الزراعي في الشرق الأوسط

في سياق عرضه للموقف التنفيذي، قدّم الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري تقريرًا شاملًا حول المرحلة الحالية من إنشاء المسار الناقل لمياه الصرف الزراعي إلى مشروع الدلتا الجديدة، والذي يمثل شريان الحياة الذي يمد الأراضي المستصلحة بالمياه، ويعكس حجم الجهد التقني والهندسي الذي تبذله الدولة، ويتكون المشروع من 12 محطة رفع رئيسية تمتد على طول مسار ناقل يبلغ 166 كيلومترًا، وقد وصلت نسبة التنفيذ إلى نحو 85%، وتكمن أهمية هذا المسار في كونه ينقل مياه الصرف الزراعي التي كانت تذهب إلى البحر أو تتراكم في مصارف غير مستغلة، ليتم معالجتها وفق أعلى المعايير العالمية في محطة معالجة الدلتا الجديدة، التي تعد الأكبر من نوعها في العالم بطاقة يومية تبلغ 7.5 مليون متر مكعب.

ويعد هذا المشروع امتدادًا لنهج الدولة في إدارة مواردها المائية بكفاءة، عبر إعادة استخدام المياه باعتبارها موردًا قابلًا للتدوير وليس مستهلكًا بالكامل، وكما أوضح الوزير، يوجد مسارين إضافيين لنقل المياه من محطة معالجة مصرف بحر البقر، يمتدان لمسافة 105 كيلومترات، ويضمان 18 محطة رفع، بنسبة تنفيذ تتجاوز 78%، ما يعكس حجم الجهود المتواصلة لتوفير المياه اللازمة لاستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة.

 

بداية توسع زراعي غير مسبوق منذ عقود

ومن أبرز العناصر التي تقود مشروع الدلتا الجديدة نحو النجاح هو جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، الذي أُنشئ بقرار من الرئيس السيسي، ليكون الجهة المسؤولة عن تنفيذ مشروعات استصلاح متكاملة تشمل الزراعة والتصنيع الغذائي والأنشطة اللوجستية وتطوير المجتمعات العمرانية.

ولم يأتِ العمل في مشروع الدلتا الجديدة بمعزل عن جهود الدولة العامة لتوسيع الرقعة الزراعية منذ عام 2013، فقد أوضحت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن مصر بدأت منذ ذلك العام في تنفيذ مجموعة من المشروعات الزراعية العملاقة بهدف الخروج من وادي النيل الضيق واستصلاح أراضٍ جديدة يمكن أن تستوعب الزيادة السكانية، وتخفف الضغط على الأراضي الزراعية القديمة، وأشارت إلى أن مشروع مستقبل مصر، الذي يعد جزءًا أساسيًا من مشروع الدلتا الجديدة، يمثل نموذجًا لهذا التوجه، إذ يضم مشروعات لإقامة محطات تحلية مياه، ومد شبكات طرق، وإنشاء محطات طاقة، إلى جانب إقامة أنشطة صناعية وزراعية متكاملة، مؤكدة أن الهدف الأساسي من المشروع هو تحقيق أقصى استفادة من كل قطرة مياه وزيادة الإنتاجية الزراعية، بما يتيح زراعة نحو 4 ملايين فدان خلال السنوات المقبلة.

 

شبكة مائية عملاقة تعيد تشكيل غرب الدلتا

ويمثل مشروع الدلتا الجديدة نموذجًا فريدًا من نوعه في إعادة توظيف الموارد المائية على نطاق واسع، عبر إنشاء شبكات نقل ومعالجة وتوزيع قادرة على تحويل الصحراء الغربية إلى مساحات زراعية ضخمة، وتستند هذه البنية إلى مجموعة من المشروعات المتكاملة التي تعمل بتناغم لضمان وصول المياه بكميات ثابتة وبجودة مناسبة، بما يسمح بزراعة ملايين الأفدنة وفق أعلى المعايير.

ولم يكن الأمر مقتصرًا على إنشاء محطات معالجة فحسب، بل شمل بناء منظومات هندسية هائلة من القنوات المكشوفة، والمواسير المدفونة تحت الأرض، ومحطات الرفع، والخزانات، وأحواض التوازن، وهذا التكامل الهندسي يجعل من مشروع الدلتا الجديدة أكبر مشروع مائي من نوعه في مصر منذ إنشاء السد العالي.

 

شريان المياه الذي يربط الصحراء بالحياة

ومن أهم الإنجازات المائية المرتبطة بالمشروع ما يعرف إعلاميًا بـ"نهر النيل الجديد"، وهو مسار مائي ضخم يجمع بين قنوات مفتوحة ومواسير مدفونة بطول يقترب من 500 كيلومتر، ويهدف هذا المسار إلى نقل المياه إلى المناطق الصحراوية المستهدفة ضمن مشروع الدلتا الجديدة، بما يسمح بزراعة أراضي لم تصلها المياه يومًا منذ آلاف السنين، ويمتد هذا النهر الجديد ليصل إلى مناطق عمرانية كبرى مثل مدينة السادس من أكتوبر وسفنكس الجديدة والشيخ زايد، ومن المتوقع أن يتمدد مستقبلاً ليصل إلى مناطق إضافية مع توسع الزراعة غرب الدلتا.

ويمثل هذا الفرع الاصطناعي تحولًا عميقًا في تخطيط الدولة المائي، إذ يخفف الضغط عن الأراضي الزراعية التقليدية، ويعيد توزيع الموارد إلى المناطق القابلة للتوسع، كما لا يقتصر دور "النهر الجديد" على نقل المياه فحسب، بل يسهم أيضًا في تحسين الإدارة العامة للمياه، وتقليل الفواقد، والاستفادة من مياه الصرف الزراعي التي كانت تُهدر سابقًا في البحر، كما يساهم في الحد من آثار التغيرات المناخية من خلال إعادة توجيه المياه الزائدة نحو مناطق تحتاجها بشدة.

 

محطة الدلتا الجديدة: أكبر محطة معالجة مياه في العالم

وفي قلب المنظومة المائية للمشروع تقف محطة معالجة مياه الدلتا الجديدة، التي حصلت على شهادة موسوعة جينيس كأكبر محطة معالجة مياه صرف زراعي في العالم بطاقة إنتاجية تبلغ 7.5 مليون متر مكعب يوميًا، وتعد هذه المحطة جزءًا من خطة الدولة لتوفير 17.5 مليون متر مكعب من المياه يوميًا لمشروع الدلتا الجديدة، كما تمثل إنجازًا هندسيًا غير مسبوق في المنطقة.

وتتميز المحطة باستخدام أحدث تقنيات المعالجة ثلاثية المراحل، التي تضمن إزالة الأملاح والشوائب والمعادن الثقيلة بما يتناسب مع المواصفات الزراعية، ويمنع تراكم الملوحة في التربة، كما تتيح المحطة إعادة تدوير المياه بشكل مستمر، مما يقلل الهدر ويحقق استدامة طويلة المدى للمشروع.

وإلى جانب المحطة المركزية، تعمل الدولة على رفع كفاءة الترع والمصارف من خلال المشروع القومي لتبطين الترع، وهو ما أدى إلى توفير مليارات الأمتار المكعبة من المياه التي كانت تتسرب عبر القاع والجوانب في الشبكات القديمة.

 

قنوات تربط بين الماضي والمستقبل

وتشتمل الخطة المائية للدلتا الجديدة على منظومتين رئيسيتين، القناة الشمالية (قناة الحمام) وهي ممر يمتد بطول 114 كيلومترًا، ينقل المياه التي كانت تُصرف سابقًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ومع إنشاء محطة الحمام الجديدة لمعالجة هذه المياه، تحولت المياه المهدرة إلى مصدر رئيسي لري الأراضي المستصلحة.

والقناة الشرقية (قناة تحيا مصر) وتُعد من أهم مصادر المياه السطحية التي تدعم المشروع، حيث تنقل 10 ملايين متر مكعب يوميًا من فرع رشيد إلى أراضي الدلتا الجديدة. وقد روعي في تصميمها استيعاب الزيادة المستقبلية في المساحات المزروعة، ما يجعلها عنصرًا استراتيجيًا في استدامة المشروع، كما يتم الاعتماد على ثلاثة خزانات جوفية رئيسية في الصحراء الغربية، هي خزانات الأيوسيني والميوسيني ومغرة، والتي توفر دعمًا إضافيًا لعمليات الري، خاصة في المناطق البعيدة عن المسارات السطحية.

 

فوائد اقتصادية وزراعية ضخمة

وتشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أن مشروع الدلتا الجديدة سيسهم في زيادة المساحة الزراعية في مصر بنسبة تصل إلى 23%، أي ما يعادل تقريبًا إضافة ربع مساحة زراعية جديدة إلى البلاد، وتعد هذه الزيادة الأكبر في تاريخ مصر الحديث، وتتيح تحقيق اكتفاء ذاتي نسبي من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة وبنجر السكر.

كما يوفر المشروع فرصًا استثمارية جديدة في مجالات الصناعات الغذائية واللوجستيات والنقل والتخزين، ويخلق بنية اقتصادية حيوية قادرة على تشغيل مئات الآلاف من العمالة المباشرة وغير المباشرة، ويعزز المشروع من قدرة مصر على مواجهة التقلبات في أسعار الغذاء العالمية، ويقلل الاعتماد على الواردات، ويدعم الميزان التجاري للدولة عبر زيادة الصادرات الزراعية.

بجانب العوائد الاقتصادية، يحقق المشروع مكاسب بيئية مهمة، أبرزها تحويل مياه الصرف الزراعي من مصدر تلوث إلى مورد اقتصادي مستدام، كما تسهم التقنيات الحديثة المستخدمة في الري والمحافظة على التربة في زيادة كفاءة استخدام المياه وتقليل الفاقد، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

ومن المتوقع أن يؤدي المشروع إلى تخفيف التكدس السكاني في وادي النيل، عبر خلق مجتمعات جديدة تجذب السكان بفضل توفير فرص العمل والبنية التحتية الحديثة والخدمات المتكاملة.

 

قلب الدلتا الجديدة ومحركها الإنتاجي

يعد مشروع "مستقبل مصر" الزراعي حجر الأساس في مشروع الدلتا الجديدة، ليس فقط لأنه أول وأكبر مشروع يدخل مرحلة الإنتاج الفعلي داخل نطاق الدلتا الجديدة، بل لأنه يمثل النموذج التطبيقي الذي يتم توسيعه وتكراره في بقية مناطق المشروع، وبفضل موقعه الجغرافي المتميز على طريق دولي رئيسي، استطاع المشروع أن يصبح منصة جاذبة للاستثمارات الزراعية والصناعية، وركيزة مهمة لربط مناطق الإنتاج بموانئ التصدير على البحر المتوسط.

وقد أشار المسؤولون الحكوميون إلى أن مشروع مستقبل مصر يمثل "النواة الإنتاجية" التي اتضح من خلالها قدرة الدولة على تحويل الأراضي الصحراوية إلى مجتمعات زراعية حقيقية في فترات زمنية قصيرة نسبيًا.

ومن أجل تمكين المشروع من العمل بكفاءة، تم تنفيذ بنية تحتية ضخمة على مساحة شاسعة، فقد تم إنشاء شبكة طرق داخلية بطول يصل إلى 500 كيلومتر تربط الحقول بمحطات الخدمة والمخازن ومناطق التصنيع، إلى جانب إنشاء طرق تمهيدية ومداخل رئيسية لضمان حركة المعدات والنقل الثقيل دون تعطّل.

أما على مستوى الطاقة، فقد تم إنشاء محطات كهرباء بطاقة تصل إلى 350 ميجاوات لتلبية احتياجات ضخ المياه وتشغيل الآبار والبيوت الزجاجية ومرافق التصنيع، وفيما يخص المياه الجوفية، تم حفر وتشغيل مئات الآبار العميقة ضمن خزانات جوفية مدروسة، مع تزويدها بأنظمة تحكم رقمية لضمان الاستخدام الأمثل وعدم استنزاف المخزون المائي.

وتبلغ التكلفة التقديرية للبنية التحتية في مشروع مستقبل مصر نحو 8 مليارات جنيه، تشمل الأعمال المدنية والكهربائية وشبكات الري الحديثة ومراكز الإدارة المركزية التي تتابع العمل لحظة بلحظة عبر أنظمة مراقبة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد.

 

البيوت الزجاجية: إنتاج عالي الجودة ومخصص للتصدير

واحدة من أبرز مكونات المشروع هي منظومة البيوت الزجاجية الممتدة على مساحة 16 ألف فدان، والتي تضم أكثر من 1800 بيت زراعي مخصص لإنتاج طيف واسع من المحاصيل ذات القيمة الاقتصادية العالية، إذ تعتمد على تقنيات حديثة للتحكم في درجات الحرارة والرطوبة ونظام الري بالتنقيط، مما يزيد الإنتاجية ويضمن جودة مناسبة للتصدير.

وتشمل المحاصيل المنتجة داخل هذه البيوت الفلفل بأنواعه، والطماطم، والخيار، والفاصوليا، إلى جانب النباتات العطرية مثل النعناع والريحان والمردقوش والشمر، إضافة إلى محاصيل فاكهية كالعنب والرمان والموز.

ويُعد إنتاج البيوت الزجاجية أحد أهم مصادر الإيرادات في المشروع، نظرًا لاعتمادها على التصدير إلى الأسواق العربية والأوروبية، وهو ما يسهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للإنتاج الزراعي عالي الجودة.

ويعتمد مشروع الدلتا الجديدة بجانب الزراعة ، على بناء منظومة اقتصادية متكاملة تشمل مراحل الإنتاج والنقل والتخزين والتصنيع الغذائي، ولهذا تم إنشاء أحد أكبر التجمعات الصناعية الزراعية في المنطقة، إضافة إلى مخازن وصوامع ومحطات فرز وتعبئة.

ويجري تنفيذ منشآت صناعية تعتمد على المحاصيل المنتجة داخل المشروع، مثل مصانع إنتاج العصائر، ومصانع التعبئة والتغليف، ووحدات استخلاص الزيوت من النباتات العطرية والطبية، وقد تم الإعلان عن خطة لإقامة نحو 100 صومعة بسعة إجمالية تصل إلى 500 ألف طن لتخزين الحبوب والمحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة وبنجر السكر.

كما يجري العمل على إنشاء سوق لوجستي ضخم يُعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، مقام على مساحة 550 فدانًا بطاقة تداول تتجاوز 20 مليون طن سنويًا، بما يجعله مركزًا استراتيجيًا لتجارة المحاصيل والخضروات والفواكه على مستوى الإقليم.

 

فرص العمل وبناء مجتمعات جديدة

على مستوى التوظيف، يوفر مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة بشكل عام عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.، ويتنوع الهيكل الوظيفي بين العمالة الزراعية، والمهندسين، والفنيين، والكوادر الإدارية، والعاملين في مجالات النقل والتسويق والتصنيع الزراعي.

كما يسهم المشروع في خلق مجتمعات عمرانية جديدة حول مناطق الإنتاج، حيث يجري التخطيط لإنشاء مناطق خدمات تشمل مساكن للعاملين، ومراكز صحية، ومدارس، ومنافذ تجارية، ومن المتوقع أن تمتد تأثيرات المشروع لتشمل تحفيز القطاع الخاص على الدخول في مشروعات الصناعات الغذائية، والنقل البري، وتجارة مستلزمات الإنتاج الزراعي، وهو ما يخلق دورة اقتصادية كاملة تدعم الاقتصاد الوطني.

 

تنمية مستدامة تحافظ على الموارد

يأتي المشروع ليؤكد التزام الدولة المصرية بمبادئ الاستدامة والاقتصاد الأخضر، حيث اعتمدت الحكومة خلال تنفيذ المشروع على مجموعة من المعايير البيئية التي تضمن حماية الموارد الطبيعية وتحقيق الاستدامة طويلة المدى، وشدد الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري على ضرورة اختيار المحاصيل التي تتناسب مع نوعية المياه المعالجة، ومع الخصائص الجيولوجية للتربة في مناطق غرب الدلتا، كما أكد أهمية تطبيق أنظمة ري حديثة تقلل الفواقد وتعزز كفاءة استخدام المياه، وخاصة في البيوت الزجاجية والمزارع المفتوحة التي تعتمد على الري بالتنقيط والري الذكي.

ويتسق ذلك مع رؤية الدولة لمواجهة تحديات التغير المناخي، حيث تشير الدراسات الحديثة إلى أن مشروعات استصلاح الأراضي القائمة على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي تسهم في منع تدهور التربة، وتقليل الملوحة، والحد من التبخر، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على زيادة الإنتاج وتحسين جودة المحاصيل، كما يتم تدريب المهندسين والفنيين العاملين في المشروع على تشغيل وصيانة محطات المعالجة باستخدام تقنيات متقدمة تضمن استمرار كفاءة العمل لسنوات طويلة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق