أسبوع الانقلابات في مصر والسعودية وروسيا

الأحد، 27 مارس 2016 01:53 م
أسبوع الانقلابات في مصر والسعودية وروسيا
عبد الفتاح علي


لا شئ يبقى على حاله، لا في مصر التي نخر في جسدها في آن واحد سوس الاستقرار وفيروس الثورة، ولا في المنطقة العربية التي أشعلت ثورات الربيع العربي النار في غرف نوم حكامها خاصة الملوك منهم.
الأسبوع الماضي كان دراماتيكيا بكل ما تحمله الكلمة من معان، بدايات مرتعشة، خطوات مرتبكة، تسفر عن أخطاء كارثية، ثم نصل إلى ذروة الأحداث، بانقلاب صادم يغير معالم الحياة التي نعرفها، ويعيد طرح أفكار كانت في السابق ثوابت ترتقي لدرجة المقدسات.
الأول كان في السعودية عندما أعلن المعارض السعودي "مجتهد" تفاصيل الاتفاق السعودي مع أنصار الله (الحوثيين) الذين جبهت المملكة تحالفا عربيا واسعا لمحارتهم في اليمن، فإذا بها تستقبلهم في الرياض وتعقد معهم اتفاقا للهدنة.
الثاني كان في مصر، عندما تخلت السلطة عن أحد أهم ركائزها (الوهمية) المستشار أحمد الزند، وقررت اعفاءه من منصبه بعد رفضه تقديم استقالته على إثر غضب الرأي العام من تصريحات فسرت على أنها إهانة لشخص النبي الكريم.
الثالث كان في روسيا، عندما قرر فجأة الرئيس الروسي فلادمير بوتين سحب قواته الأساسية من سوريا قبيل بدء محادثات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، دون تفسير لمعني القوات الأساسية.
الاتفاق السعودي جاء بعد الإعلان عن أعداد خسائر السعوديين (الذين لم يتورطوا في قوات برية في اليمن) بلغت 3560 قتيلا و6500 مصابا و430 مفقود، بخلاف أعداد كبيرة للغاية لم تحدد من الهاربين والممتنعين عن الخدمة العسكرية على الحدود الجنوبية.
إقالة الزند أربكت معسكر القوى التقليدية (الفلول) التي كانت تعد وتجهز المستشار أحمد الزند ليكون بديلا للفريق أحمد شفيق، كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة والمقرر عقدها في مايو 2018، (إذا عقدت)، أو على أقل تقدير يكون ورقة مساومة ضد الرئيس في نهاية فترته الأولى.
في سوريا خمسة أنواع من القوات الروسية: برية، بحرية، جوية، خبراء، منظومة دفاع جوي، وعقب الإعلان عن قرار بوتين بسحب قواته الأساسية، صرح نائب وزير الدفاع الروسي أن القاعدة الجوية في حميميم، والبحرية في طرطوس ستستمر بكامل طاقتها، ثم خرج تقرير بأن القوات الجوية مستمرة في قصف مواقع لتنظيم داعش وجبهة النصرة.
رغم الإعلان السعودي عن عدم المساس بحجم الإنتاج اليومي للبترول، إلا أن أسعاره ارتفعت فجأة، رغم دخول البترول الإيراني سوق التصدير (في العلن) بعد رفع العقوبات، وهو ما يعني أن الإنتاج السعودي (الأكبر عالميا) انخفض لأكثر من الربع، وتخفيضه مستمر.
هناك توقعات بأن يرتفع سعر البرميل عن 36 دولارا للبرميل بعد اجتماع وزيري طاقة السعودية وروسيا في منتصف الشهر القادم، وهو أمر يدل على أن حرب سوريا كان لها بعدا آخر بين البلدين، وأن فكرة جلوس البلدين للاتفاق على وقف الإنتاج الرهيب (10 ملايين برميل يوميا من البلدين فقط)، تعني أن اتفاقا ثان جرى في سوريا، وأن ثالثا يجري في اليمن.
قضية ضم القرم، والتدخل الروسي في أوكرانيا، اختفت تقريبا من على الساحة الدولية، ولم يعد لها خبرا في الصفحات الداخلية للصحف العالمية، كأن القضية انتهت، واكتفى الجميع بوقف إطلاق النار، ولا زالت القرم تحت السيطرة الروسية الكاملة، والنصف الشرقي من أوكرانيا خارج السيطرة الحكومية الاوكرانية.
قبل أن يقرر الرئيس الروسي تخفيض ميزانية الجيش بنسبة 5%، أعلن عن تعديل في الاستراتيجية الأمنية بنشر أسلحة نووية محدودة لكنها دقيقة في حال هجوم الناتو على الأراضي الروسية بأسلحة تقليدية، أعقبه مباشرة إعلان من الناتو بنشر لواء قتالي دائم في الشرق الأوربي على الحدود الروسية.
لم تعلن أي مصادر إعلامية عن اتفاق روسي أمريكي خاص بتقاسم القوة والنفوذ في العالم، لكن الترتيبات التي تجري تدفع للتكهن بأن الاتفاق أخذ حيز التنفيذ، بتخفيض في إنتاج البترول، ورفع الأسعار، الصمت (مؤقتا) عن الملف الأوكراني، تنازلات في سوريا لإنجاح مفاوضات السلام السورية، وإقرار وضع الأسد في وقت لاحق.
السلطة في مصر، كلما أرادت البحث عن موضع قدم في السياسة الدولية، يجري تفجير موقف في الداخل غير المنضبط، ولم تكن تلميحات لميس الحديدي عن وجود أسباب غامضة لإقالة الزند بخلاف التصريحات المستفزة، بعيدة عن النوايا الغامضة للسلطة في قصر الاتحادية، والتي قد تكون بترت إصبعها لقطع الطريق عن القوى القادرة على التحرك في الشارع، والمعادية للقوى التقليدية.
الزيارة المفاجئة للرئيس السيسي، لحضور ختام مناورات رعد الشمال، جاءت في وقت كان الوفد الحوثي يفاوض سرا في الرياض، وكان الدولار ينهش الاقتصاد في القاهرة، لكنها أحدثت انتعاشا شعبيا للعلاقات المصرية السعودية، دون أي انتعاش مادي يصب في خزانة البنك المركزي، ولم يجري أي تصريحات تخص التعهدات السعودية المالية التي لم تنفذ، ثم أعقبها خفض حاد لقيمة الجنيه المصري.
كان أكثر المتشائمين يرى أن نهاية المملكة وشيكة بعد عامين من تولي الملك سلمان السلطة، وتحكم ولده في مقاليد الحكم، لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه البساطة، ولن يكون، فحتى لو أن هناك اخطاء كارثية للسعودية في اليمن وفي سوريا وفي العراق وحتى في الداخل، إلا ان القوى الدولية ليس من مصلحتها على الاطلاق وقوع المملكة السعودية في مهب ربيع عربي جديد.
وهو أمر ينطبق تماما على مصر، لذا فان الحفاظ على شعرة معاوية بين الرياض والقاهرة، بات ثابتا عربيا، ومطلبا دوليا، وحاجة اقليمية، خاصة أن الرياض تعلمت من الدرس المصري، باحداث توازنا في علاقتها بين القوة المسيطرة (أمريكا) والقوة الجديدة (روسيا)، رغم ان الرياض لم ولن تنسى ذلك الخنجر الذي غرس في ظهرها بالمفاوضات السرية بين ايران (العدو) وامريكا (الحليف) والتي جرت في سلطنة عمان (الجار) دون علم سعودي.
السعودية تسعى بقوة لانهاء الجرح اليمني سريعا، والحفاظ على مصر شبه متماسكة، والحصول على حكم موال لها في سوريا، للتفرغ لاستعادة السيطرة على السلطة في لبنان، ثم ترتيب البيت الداخلي قبل وفاة الملك سلمان.
مصر تسعى لتوازن ثلاثي بين روسيا وأوربا وأمريكا، واستعادة القوى الناعمة اقليميا، وخلق موضع قدم في سوريا، وانتظار أي فراغ في لبنان، تمر من خلاله، وضبط الخلل الحاصل في وادي النيل، وهذا لن يأتي (من وجهة نظر الاتحادية) بداخل يولد المؤامرات.
روسيا بانتعاش أسعار النفط، والغاز، ستجد صيغة تواجد جديدة في الشرق الأوسط، ولن تقع في اخطاء الماضي، الذي ترك هذه البقرة الحلوب، يمتصها الارهاب والقوى التي تلعب به، ولن تكون سوريا نهاية للتواجد العسكري، فقد يفجر صانع المفاجآت قنبلة جديدة على بعد كيلومترات من القاهرة والرياض.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة