الناجحون في الأرض

السبت، 14 يناير 2017 10:17 ص
الناجحون في الأرض
عمرو يسري يكتب

يتصور كثير من الناس أن نجاحهم في الحياة قائم على التفوق في مجال واحد وتوجيه انتباههم إلى شيء واحد فقط، وهيهات أن يكون الأمر كذلك، وإنه لأمر عصي على فهم كثير من الحكماء من الناجحين الذين يدركون أنهم مخلوقون من مجموعة من الأجزاء يحتاج كل جزء منهم غذاء معينًا لكي يضمن له صاحبه النمو السليم.

ونضرب للتوضيح مثلًا الطفل الذي يعكف أبواه على تغذيته بالأكل ليقوي بدنه تارة، وبالتأديب والتربية ليستقيم سلوكه تارة، وبالتلقين والتعليم لينتبه عقله تارة وبالرياضة البدنية ليشب عوده تارة أخرى، إلى آخره من الاستثارة والتنشيط لمكونات هذا الطفل ليتزن تكوينه ويستتب كيانه فيشب ليصبح ذا إمكانات متعددة ومتنوعة يخوض بها تجربة الحياة بنجاح.

من الناس الكثير الذين لا يدركون هذه الحقيقة، فيوجِهون انتباههم إلى أمر واحد من أمور حياتهم ويمعنون فيه النظر معظم أو حتى كل وقتهم ويسرفون في الانتباه إليه ظنًا منهم أن النجاح والتفوق ما هو إلا إثبات أنفسهم في هذا الشيء، مما ينتج عنه تضخُم في أحد أجزاء كيان الإنسان وإضعاف باقي مكوناته.

فلو نظرنا إلى الإنسان على أنه كائن ثري من حيث تعدد أجزاء تكوينه «جسمه وعقله وإحساسه وروحه.. إلخ» لأيقنّا أنه لا ينجح الشخص إلا بالعمل لتقوية كل مكوناته كل على حدة وإعطاء كل جزء منهم غذاءه السليم.

وبما أننا كائنات محدودة الوقت والطاقة، فكان على كل منا توظيف الطاقة لتغذية مكوناتنا على التوازي إن أردنا أن نحيا حياة متزنة مستقرة.

وبما أننا نحيا في زمن اتجه فيه معظم انتباه البشر للمادة «الشكل أكثر من المضمون، والمال أكثر مما يستثمر فيه، والكثرة أكثر من الاستمتاع بالأشياء... إلخ»، فكان لزامًا علينا البدء بتحليل الانتباه للمادة من مكونات الإنسان، وهو الجسم الذي هو المحرك للإنسان والذي يقضى به حوائجه ويسعى به لتحقيق مقاصده ليصل إلى ما يربو إليه ويبتغي، كما يُعرًف به الشخص في عيون الآخرين وينال به استقلالية صورته.

ومن الجدير بالذكر أن تقنين حجم الجهد والوقت المبذولين في الأنشطة المعنية بتقوية الجسم مثلا مدعاة لأن يترك الشخص مكانًا للعمل على باقي أجزاء تكوينه، إذن إدارة الوقت والجهد تًعتبر من المقومات الأساسية للنجاح.

وقد اتجه كثير من الشباب المعاصر إلى الإفراط في العناية بأجسامهم ورعايتها والوصول بها إلى درجات عالية من القوة، وقد يستخدم البعض مواد منشطة من هرمونات ومواد مُخلّقة أخرى ضررها أكثر من نفعها لتحقيق ذات الغرض فتتسبب هذه المواد في مشاكل صحية قد تكون جسيمة في بعض الأحيان كاضطرابات الكُلى والكبد والجهاز التناسلي.

ومن البنات والسيدات من يذهبن للعناية بمظهرهن ووزنهن دون حتى النظر إلى صحتهن العامة، فيتبعن حمية غذائية شديدة ويخوضن تجارب عمليات جراحية واحدة تلو الأخرى، وهن لا يدركن مدى خطورة قراراتهن على أبدانهن من ناحية، وتضييعهن جهدًا ووقتًا، فضلا عن المال المبذول في تحقيق هذا المراد وكان الجدير أن يُستثمر فيما ينفعهن ليعيشن حياة أفضل بجودة أعلى.

وقد نوهت عدة أبحاث نفسية بأن انتباه الشخص بشدة إلى الاهتمام بشكله ومظهره دون النظر إلى باقي مناطق حياته إنما هو دليل على فقر في علوم الحياة الصحية وضعف في الثقة بالنفس، لأنه يريد أن يثبت نفسه عن طريق المظهر لا الجوهر، وبعضهم من الأولاد الذين يشعرون بالقوة عن طريق التعدي على الآخرين باستخدام عضلاتهم المفتولة، وتستمد بعض البنات والنساء ثقتهن بجمالهن الاصطناعي من المقارنة بالأخريات.

إذن ولما كانت العناية بالجسم بالطرق الصحية كالرياضة المعتدلة المناسبة للسن ومستوى اللياقة البدنية والغذاء المفيد لازمة لأن نحيا حياة متزنة ناجحة، كان علينا أن نشير إلى بعض الأنماط السلوكية الشائعة الخاطئة لمن يبحثون عن النجاح في مكان خاطئ لا يأخذهم إلا لمزيد من الإحباط واليأس والألم.

 

تعليقات (1)
الناجحون فى اﻷرض
بواسطة: سميحة
بتاريخ: الأحد، 26 فبراير 2017 09:42 م

كلام جميل جدا يا د.عمرو ربنا يزيدك من العلم

اضف تعليق