الجفري وتاريخ الجيش المصري

الأحد، 12 فبراير 2017 09:55 ص
الجفري وتاريخ الجيش المصري
إيهاب عمر يكتب

يواصل تنظيم «مؤرخين تحت الطلب» بث أكاذيبهم، ودمج الكثير من الأكاذيب مع بعض من الحقائق في خلطة إعلامية، الغرض منها نسف كل ما هو إيجابي في تاريخ مصر، ما ينبئ بشعور عام بالدونية، واحتقار الذات يعتري نفوسهم المريضة، فيحاولون تصديره إلى البلد، وتاريخها، في محاولة للادعاء أمام الذات، قبل الآخرين أن الضمور الذي يعانون منه، ينبع من الوطن، وليس من نفوسهم المريضة.

وأحدث حلقات تنظيم مؤرخين بالأجرة، كان الرد على مداخلة الشيخ الحبيب الجفري خلال فعاليات الندوة الثقافية التابعة للقوات المسلحة، بحضور السيد رئيس الجمهورية، وقد كررت تلك الأقلام المأجورة جوقة من الأكاذيب، التي طالما رددها أنصار التيار الإسلامي حول مصر منذ عقود، وهم أبناء توجه فكري ظهر منذ فجر الإسلام باحتقار مصر، ومحاولة محو كل ما يشيد بها من أحاديث نبوية، أو حقائق تاريخية.

الحديث الأول: هو أن المماليك، وليس المصريين، هم من انتصروا على المغول، وفي ذلك ترديد لمقولة أخرى هزلية، أن الجيش الذي حارب تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، هم جيوش تركية، وليست مصرية، وبالتالي فإن تلك الانتصارات، هي جزء من العسكرية التركية، نعم.. إحدى المؤرخين تحت الطلب، كتب تلك الكلمات، وبثها عبر قناة تلفزيونية قطرية، وقد تلقى أجرًا سخيًا على هذا الادعاء الذي تصرف عليه أنقرة الملايين سنويًا.
ويمكن الرد بما يلي:

حكم الأيوبيون والمماليك العراق والشام واليمن، لماذا لم يحققوا الانتصارات العسكرية وحتى المنجز الحضاري الذي حدث في مصر على يد هؤلاء القادة العظماء؟ ما يعني أن عامل المكان وإرثه التاريخي، والعامل البشري لعب دورًا مهمًا في انتصارات الإيوبيين ومماليك مصر.

فكرة أن ينتمي الجيش لأبناء البلد فحسب، لم تكن المقياس في هذا الزمن وصولًا إلى الحرب العالمية الثانية، وقد كان الجيش المغولي مؤلف من بعض الفرق القادمة من آسيا الوسطي والصين.
هؤلاء المماليك كان أغلبهم مصري بالإقامة أو بالميلاد، وهو عُرف سياسي تحول لاحقًا إلى قانون موجود في كافة الحقوق المدنية في كل بلد بالعالم.

أبرز قائد في تاريخ فرنسا نابليون بونابرت، كان إيطاليًا وليس فرنسيًا، وظل طيلة حياته يتحدث الفرنسية بلكنة إيطالية، ولا تجد فرنسيًا واحدًا يتحدث عن أن بونابرت لم يكن فرنسيًا، حتى مع أخطائه الرهيبة، أدولف هتلر لم يكن ألمانيًا بل من النمسا، أهم أباطرة روسيا القيصرية الإمبراطورية كاترين لم تكن روسية بل ألمانية، وكلهم تم اعتبارهم أهل البلد بالإقامة والممارسة السياسية، فهل قطز وبيبرس وقلاوون وغيرهم أقل منزلة من هؤلاء حتى لا ينطبق عليهم هذا العرف السياسي الذي أصبح بعلوم اليوم قانون ضمن الأحوال المدنية لكل بلد في العالم؟

انتماء المماليك لأعراق تركية كذبة تاريخية، بينت خطأها وحقيقتها، وصححتها في كتاب التتار المسلمين.

أسطورة المماليك الفاسدين، لم تحدث إلا على أيد المماليكن الذين تولوا حكم مصر في زمن الاحتلال العثماني، ولكن قبل ذلك حكم هذه البلاد رجال أبطال بُينت بطولاتهم في كتاب التتار المسلمين، منذ تصدي مصر للمغول والصليبين، وصولًا إلى تصدي مصر للغزو البرتغالي للحجاز والهند في أواخر زمن المماليك.

تاريخ الحقبة المغولية لا تُقرأ من كُتب كاتب مصري معاصر، بل وحتى المؤرخين العرب كانوا سذجًا في تناول هذه المرحلة، ولكن نقرأ تاريخ المغول من كتابات المؤرخين الفرس، الذين عملوا في بلاط أباطرة المغول، كتاب تاريخ جهانكاشاي لعلاء الدين عطا ملك جويني، وجامع التواريخ لرشيد الدين الهمداني، وكلاهما كتب نصًا «أنه عقب هزيمة المغول في عين جالوت، تفهم أحفاد جنكيز خان استحالة هزيمة مصر، إلا بتطويقها بالتحالف مع أوروبا الصليبية، وهو ما جرى في الحملة الصليبية التاسعة».

في المجمل كافة الكتب والمراجع التي تناولت المرحلة سواء العربية أو الفارسية أو المغولية، وحتى بعض الكتابات الأوروبية، نظرت إلى الجيش المنتصر في عين جالوت، باعتباره الجيش المصري، وقادته المصريين.
المقارنة بين حجم جيش المغول ضد بغداد، وجيش المغول ضد مصر غير احترافية، فالأهم هو المقارنة ما بين جيش المغول، وجيش مصر في موقعة عين جالوت؛ من حيث العدد والعتاد العسكري، والتدريب، وفترة الاستعداد، وكلها عوامل كانت لصالح جيش المغول.

الكذبة الكبرى التاريخية: أن جنكيز انسحب من الشام بعد وفاة إمبراطور المغول أوقطاي خان، مما سهل الانتصار المصري على المغول، وأن هذا الانتصار حدث ضد «مؤخرة» الجيش المغولي!
وفي واقع الأمر، إنه في نفس المرحلة كان حفيد آخر لجنكيز خان هو باتو بن جوجي خان يغزو أوروبا الشرقية، وقد انسحب باتو لنفس سبب انسحاب جنكيز، ألا وهو حتمية حضور الأمراء المغول جلسة القوريلتاي لانتخاب إمبراطور جديد للمغول، تسلم بايجو قيادة الجيش المغولي تمامًا، كما تسلم كيتوبوقا جيش المغول في الشام.

بايجو أكمل انتصارات المغول، وهزم السلاجقة في موقعة جبل كوسي في الأناضول يوم 26 يونيو 1243، ومنذ فجر هذا التاريخ أصبح السلاجقة، ولاحقًا العثمانيون في زمن عثمان الأول، ووالده أرطغول تحت الحكم المغولي، إذن لم تكن الجيوش المغولية تنسحب من المعارك، وتحارب بمؤخرتها وتهزم، وإلا كيف هزم جيش بثقل السلاجقة أمام جيش باتو بن جوجي خان؟

تنظيم مؤرخين تحت الطلب وبالأجرة، قراءتهم تتوقف عند انتصار عين جالوت، وتم تنميط المثقفين بكل أسف حول الأمر ذاته، حتى لا نتتبع باقي انتصارات الجيش المصري على المغول، لندرك أن الانتصار الصدفة، كما يحاولون أن يدعون في عين جالوت، كان مقدمة لسلسلة انتصارات عسكرية ضد المغول.

ففي زمن بيبرس هزم الجيش المصري – السوري، نظيره المغولي في الموصل العراقية عام 1260، ومدينة قيسارية الفلسطينية عام 1276، وأمام انتصارات الجيش المصري جن جنون المغول، وحلفائهم السلاجقة والفرس، سلاجقة الأناضول تحالفوا مع المغول ضد مصر وسوريا، في مشهد ليس ببعيد عما جرى لاحقًا عبر العديد من محطات التاريخ، حينما يتحالف حكام إيران وتركيا ضد مصر وسوريا.

وأمام الجيوش السلجوقية المغولية الفارسية المتحالفة مع جورجيا، قاد بيبرس الجيوش المصرية في معركة البستان شمال سوريا، يوم 15 أبريل 1277، وهزمت الجيوش المصرية جيوش السلاجقة والمغول والفرس والصليبين، ودخل السلطان بيبرس مدينة قيسرية (قيصرية) عاصمة السلاجقة، وجلس على عرش السلطنة، وتبارى أمراء السلاجقة في تقديم الولاء والطاعة لسلطان مصر وسوريا.

هذا هو بيرس الذي حاول مؤرخ بأجرة الحط من شأنه، الذي أسقط حكم الصليبين عن إمارة أنطاكيا عام 1268، وغزا أرمينيا المتحالفة معهم عام 1266.

عقب سقوط أنطاكية ودخول الجيوش المصرية لعاصمة أرمينيا والسلاجقة، سارعت إنجلترا إلى إرسال الحملة الصليبية التاسعة والأخيرة، وقد تحالف معها المغول بقيادة أباقا خان بن هولاكو خان، بالإضافة إلى الفرس والسلاجقة المتحالفين مع المغول، وذلك ما بين عامي 1271 و1272، وقام الجيش المصري بمحاصرة إمارة طرابلس الصليبية ما أدى إلى دحر العدو.

هزائم المغول العسكرية أمام الجيش المصري استمرت في عصر قلاوون، انتصر الجيش المصري في موقعة حمص الثانية، في 29 أكتوبر 1281، على المغول المتحالفين مع جورجيا وأرمينيا، ثم انتصر ابنه محمد بن قلاوون على المغول في معركة شَقحَب 20 إبريل 1303، وكانت بداية النهاية للمغول وعروشهم في إيران والعراق، وقد مات جازان خان إمبراطور المغول كمدًا عقب الهزيمة.

الحديث الثاني حول الأحاديث النبوية الشريفة عن مصر، وتكذيبها بالقول أن مصر لم يكن لديها جيش في زمن النبي (ص)، وفي واقع الأمر غاب عن المؤرخ بأجرة أن حديث النبي أتى في إطار توصيات للمستقبل، وأنه أمر باتخاذ منهم جندًا وليس الاستعانة بالجيش المصري وفارق اللغوي ضخم.

الحديث الثالث عن جلال الدين منكبرتي، ولقبه بالفعل جلال شاه، حيث كان الخوارزميون والسلاجقة يتحدثون الفارسية، وجلال شاه لا يستحق أن يعطيه أحدًا مقامًا على حساب الجيش المصري أو غيره، وكفى أنه عقب تلقي بعض من الدعم من السلاجقة والأيوبيين قام بالإغارة على أراضيهم جنوب الأناضول وشمال الشام، ما اضطر السلاجقة والأيوبيون لمحاربته وهزيمته عشية الغزو المغولي الأخير للإمبراطورية الخوارزمية.
الحديث الرابع عن انتصار وهمي لخان مغول روسيا بركة خان، على مغول إيران جنكيز خان، بينما كافة المراجع تشير إلى أن الحرب لم تسفر عن فائز أو خاسر، بل كانت جزءً من الحرب الأهلية بين المغول، التي أدت لاحقًا إلى تقسيم المماليك المغولية.

الحديث الخامس والأخير عن دور الجيوش في فوضى الربيع العربي، وإذا كان المؤرخ الهمام قد فشل في قراءة الماضي، أو قرر صياغته بالأجرة، فإن المفاجئ أنه ينوي صياغة ما رأه كافة أبناء جيلنا علنًا أيضًا بنفس الطريقة، لولا انقسام الجيش اليمني، وولاء بعض فرقه لللواء علي محسن الأحمر، لَمَا جرى ما جرى في اليمن، ولولا فيديوهات انشقاق الجنود السوريين، وتأسيس الجيش السوري الحر لما جرى ما جرى في سوريا، ولما تغييب القذافي لدور الجيش في ليبيا لوجدنا بديلًا وطنيًا عن حكمه حال سقوط نظامه، ما يعني أنه لولا وجود الجيش المصري خلال سنوات الربيع العربي، وطبيعة تكوين هذا الجيش لانزلقت مصر إلى نفس سيناريو سوريا واليمن وليبيا، ولا أزيد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق