أمراء «قلة الأدب»

الإثنين، 20 فبراير 2017 06:03 م
أمراء «قلة الأدب»
حمدي عبد الرحيم يكتب

جاء فى كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالى، قول منسوب لرسولنا الكريم، قال فيه: «لا تدع العربُ الشعرَ حتى تدع الإبل الحنين».

 

وسواء صح الحديث أم كان فى سنده كلام، فسيبقى متنه شاهدًا على تقدير العرب لفن الشعر، حتى قالوا: «الشعر ديوان العرب». ويكفى أن الرسول قد جعل لحسان بن ثابت، منبرًا فى المسجد النبوى، يقوم عليه عندما ينشده شعره، وقد مر الفاروق عمر بحسان، وهو ينشد الشعر فى المسجد النبوى، فظهر على وجه عمر ما يمكن وصفه بالامتعاض، فبادره حسان، قائلًا: «كنت أنشد فى المسجد وفيه مَنْ هو خير منك، يعنى الرسول»، فسكت عمر، وترك الشاعر يواصل إنشاده.


وولع العرب بالشعر خاصة وبالكلام الجيد الطيب عامة مشهور ولا يحتاج إلى إعادة تأكيد، ويكفى أنهم قد قعدوا قواعد الشعر، وضبطوا بحوره وأقاموا أوزانه فى عمل جاد جبار لا يزال يتواصل، ولم ينقطع يومًا منذ الخليل بن أحمد الفراهيدى وإلى يوم الناس هذا.

وعن الشعر من حيث كونه كلامًا يجب ألا يهجم عليه جاهل به، يقول الشاعر المخضرم الحطيئة «وبعضهم ينسب الكلام للراجز رؤبة»:
«الشعر صعب وطويل سلمه
إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه».
وحديثًا قال الأستاذ العقاد:
«الشعر من نفس الرحمن مقتبس
والشاعر الفذ بين الناس رحمن».
ولكن لأن النهر قد جرت به مياه كثيرة «أغلبها عكر للأسف» فقد تجرأ على كتابة الشعر خاصة والكتابة فى عمومها نفر لا تستقيم لهم جملة ولا يحسنون من الأمر شيئًا، حتى جاز لنا أن نصفهم بأمراء « قلة الأدب».

والوصف مع قسوته يليق بهم، لأنهم تحدثوا فى غير فنهم، فجاءوا بالأعاجيب التى هى فى حقيقتها كوارث، كأنها القنابل الخبيثة التى تنفجر فى قلب الذائقة، فتمسخها وتفسدها، والأمر كما أراه أخطر من السكوت عليه، والتعامل معه وفق مقولة «دعه يعمل دعه يمر»، لأن ما سنعرض له بعد قليل لا يهدم ديوان العرب فحسب، بل يهدم الكلام كله من حيث هو كلام مستقيم، يعطى فى النهاية جملة مفهومة محددة.

إن الجرأة على الكتابة التى تلامس حدود الوقاحة، قديمة جدًا، وكانت مذ كان الناس، ولكن فى أزمنة بعيدة، كان المجترئ واحداً ضئيلاً كأنه الذبابة تحط على النخلة، فلا تشعر بها النخلة متى طارت ومتى حطت، فقد كان أمر الأدب والكتابة عامة بيد جماعة من العمالقة لا يُسمع لسواهم، أما فى زماننا هذا، فقد تكاثر الواحد الضئيل، وصار جمهرة غفيرة، ثم تكالبت الظروف على النخيل، فإذا هو قزم أو كالقزم، لا يأبه أحد به، إن ترك هؤلاء وشأنهم بزعم أن الأسواق تقبل الغث والثمين، قول باطل من كل وجه، وخطير من كل وجه فليس بعد إفساد الذوق من جريمة.

ضربة البداية فى هذه المباراة التى هى كالدم الفاسد نفذها الأستاذ «عمرو خالد»، فقد استيقظ الناس من نومهم ليجدوا حملة إعلانية تسد عين الشمس، تعلوا الجسور والبنايات، تبشر برواية «رافى بركات»، ظلت الحملة قائمة لأسابيع تحت هذه اللافتة الغامضة «انتظروا رواية رافى بركات» أثمر الغموض ثمرته فراح الناس يتحدثون عن رواية لا يعرفون مَنْ كاتبها، ويتشوقون لمعرفته ومعرفة روايته، عندما ضمن المعلن رواج بضاعته قبل أن تنزل الأسواق، أفصح عنها، قائلًا: إنها رواية للأستاذ عمرو خالد!

نعرف عمرو خالد، بوصفه داعية، يقول كلامًا لطيفًا لا يغضب أحدًا وإن كان يرضى كثيرين من طبقة معينة، يريدون قشرة الدين لا جوهره، ويسعون إلى جعل دينهم كأنه وردة يزينون بها ستراتهم، ولكن أن يترك الأستاذ سبيلًا يعرفه وله به خبرة ويذهب لمجهول متشعب معقد، فهذا هو العجيب.

نجحت رواية عمرو على المستوى الجماهيرى، ودشنت لمرحلة جديدة، يقول فيها مَنْ شاء ما شاء، والمهم فى الأمر كله هو نجاح حملة الإعلانات!

وجود عمرو فى سوق الكتابة الأدبية بجماهيريته، ورواج اسمه أغرى كثيرين، ليقولوا كما قال، وكله عند العرب أدب أو صابون، فجاءنا من المجهول شاب يدعى «وليد ديدا»، وإن كنت تعرف تأصيلًا لاسم وليد، فلن تعرف شيئًا عن الديدا، الأستاذ وليد، تلقى تعليمًا يسمح له بارتكاب جميع الموبقات الإملائية والنحوية والصرفية والبلاغية، ولكن الكتابة مثل حمزة بن عبدالمطلب، عليه الرضوان، لا بواكى لها، وإن كانت فى حالات الأستاذ ديدا تجلب البواكى، التى هى جمع باكو، أى ألوف الجنيهات.

وللأستاذ ديدا قصة تروى، تقول خلاصتها: إنه أحب فتاة تدعى مريم، فراح يغازلها على الفيس بوك، تحت عنوان ثابت هو «تعرفى»، وعندما عرفت مريمه، تقدم لخطبتها، ولكن أهلها رفضوه لعدم التكافؤ على مستويات الوضع الاجتماعى والتعليمى والثقافى والمادى، ولكن مريم وقد أصبحت شهيرة جدًا، تمسكت بديدا، الذى ظل لشهور يكتب خواطره عن قصة حبه، وينشرها على الفيس بوك، ثم رضخ أهل مريم وتزوجها ديدا، وتوج زواجه بأن هبط على أدمغتنا بكتاب اسماه «روبابيكيا» تلك الـ«روبابيكيا» ستبيع ثلاثين ألف نسخة، وسيقول ديدا إنها باعت خمس عشرة ألف نسخة لا ثلاثين، وسيتابعها على الفيس بوك ١٨٧ ألف متابع، وستفوز مريم بـ ١٤٢ ألف متابع، وسيحصد الناشر آلاف الجنيهات ثم لن تسقط على جثمان الأدب العربى فى مصر دمعة واحدة!

ومن أجواء ما جادت به قريحة الأستاذ ديدا، قوله:
«ليه خلتينى أعيش أيام
حلمت فيها إن إحنا لبعض
ليه تعيشينى أحلى كلام
وتموتينى بنار البُعد».
وليس فى يدى والحال كما ترى سوى أن أقول «بس خلاص» كما قالها الأستاذ شعبان عبدالرحيم.

النجاح الأسطورى للأستاذ ديدا جعل الأستاذة «زيزى» تشمر عن ساعد الجد وتدخل إلى السباق.

وتقول أسطورة الآنسة زيزى: إنها كانت تحب الأستاذ كريم وصنعت له «هاشتاج» بعنوان «كريم يا رب»، طبعًا الله ليس كريمًا فحسب، فهو خالق الكرم، ولكن السيدة زيزى، تقصد الدعاء بمعنى «هب لى الأستاذ كريم يا الله». فاز الهاشتاج بمتابعة ٧٢ ألف مواطن مصرى صالح، ثم أعطى الرب الخالق كريمًا لزيزى، فتوجا قصتهما بكتاب اكتسح معرض القاهرة الدولى للكتاب، وحمل عنوان «يوتيرن»، وذلك الـ«يوتيرن» هو شىء من الأشياء التى لا تعرف لها رأسًا من قدمين، فلا هو شعر ولا هو رواية، ولا يمكن تصنيفه وفق المتعارف عليه من التصنيفات، ولكنه وسبحان العاطى الوهاب، كسّر الدنيا، كأنه فيلم للسبكى، ولأن الكتاب إنتاج مشترك بين زيزى وكريمها، فقد وضعا صورتيهما على غلافه، وقالت عنه زيزى: «إن هذه الرواية هى أول ابن لنا، وهى نتاج حبنا».

أسمعك تقول: إن التأليف المشترك لا غبار عليه فقد فعلها من قبل توفيق الحكيم وطه حسين، عندما كتبا «القصر المسحور» ودرويش ومعين بسيسو عندما كتبا «رسالة إلى جندى إسرائيلى»، والعقاد والمازنى وشكرى عندما كتبوا «الديوان»، وعبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم كتبا «فى الثقافة المصرية».

يا صديقى أنت هكذا من الذين يحسبون كل بيضاء شحمة وكل سوداء فحمة، أين الثرى الذى هو حالة زيزى وكريم، من الثريا التى هى الذين ذكرتهم؟

هل ما زلت تذكر الأستاذ ديدا؟
إنه لم يدار سوءة كتابته لقد عاد يضرب من جديد بكتاب اسماه «نجاتيف».
طبعًا عشرات الألوف الذين تسابقوا لاقتناء الكتاب يقولون إنه شعر.
وسأضع هنا شيئًا من شعر السيد ديدا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
يقول ديدا مخاطبًا ذاته الشاعرة بقلق وجودى: «فاكر».
أول لايك عملته ليها
كان وقتها إحساسك إيه؟
لما كنت بتراهن نفسك
إنك هتعلقها بيك
وللأمانة فقد كتب «لايك» بالنطق الإنجليزى وبالحرف اللاتينى، ولكنى مصاب الآن بكسل وجودى يجعلنى أعجز عن تحويل مفاتيح الكيبورد، فلعل الأستاذ ديدا يغفر لى تحريفى لشعره العظيم.

ولأن الضجيج يغرى كل ذى صوت بالغناء، فقد عض الأستاذ «زاب ثروت» على فرصة الضجيج بنواجذه.

الأستاذ زاب يقولون إنه من خريجى كلية الهندسة، ويقولون إنه من مغنى الراب المشاهير ويصفونه بالكاتب الشاعر، وقد رأيت أنا العبدلله حفل توقيعه لكتابه فى معرض الكتاب وكيف سدت جماهيره شارعًا بأكمله. فقلت: «ها قد عدنا يا صلاح الدين».
ومن روائع الأستاذ زاب فى كتابه «حبيبتى» قوله: «حبيبتى».

«كان نفسى أوى أشرب بيبسى، بس أنا عاملة دايت، دى أول مرة مشربش بيبسى، من يوم ما قابلتك، يوم ما قابلتك عند الكشك اللى جمب الجامعة.... آه الجامعة، كنت لابس سويتشيرت أسود على بنطلون أسود وكوتشى أسود... ثوانى بابا ينادى... خرا عليك وعلى حبك، قالت هذه الكلمة بكل كبرياء وعزة نفس، وألقت مشاعرها وراء ظهرها وكملت حياتها».

وغفر الله للفنانة ليلى نظمى التى غنت قديمًا: «ما أشربش الشاى، أشرب أزوزة أنا».

نحن الآن فى «منحدر الصعود» هل لا تزال تذكر تلك الجملة العجيبة؟
قادنا المنحدر إلى أرض الأستاذ «على حسن»، الذى رمانا بديوان « خمسة خصوصى»، والأستاذ على عجيب فهم يقولون إنه طالب طب، ومع ذلك لا يخشى على قرائه من التسمم، قسّم الدكتور على كتابه إلى جزء بعنوان «بناتى، وجزء عمومى!!» الجزء البناتى حشد فيه أسماء الفتيات اللاتى طالبنه بأن يذكرهن فى شعره، يا نهار أبيض يا رجال كأن عمر بن أبى ربيعة يغادر قبره، الجميلات يعرضن أنفسهن على الشاعر لكى يشبب بهن فيشيع جمالهن بين قبائل بولاق والوراق وبلاد ما وراء الدائرى وبلاد ما تحت المحور ونزلة السمان.

الدكتور على إن كان طبيبًا حقًا يكتب بطريقة «أى هبل فى الجبل» و«أى حاجة فى رغيف»، فهو جاء بكل الأسماء من هبة وإلى آية، فهبة يا هبة أنت الحياة الطيبة، وآية يا آية عنيكى حكاية، وعلى ذلك يجوز لى أنا الناثر المسكين أن أقول: «سعدية يا سعدية أنتِ أحلى من الطعمية».

أما الجزء العمومى فمنه قوله:
هاتى صباعك
جنب صوابعى
وعديته هيطلعو ستة
دا إنتى صوابعك
حلوة وطعمة
صباعك دا ولا صباع كفتة».

مصمصة الشفاه تجاه هؤلاء التتار الجدد أو الجراد الجدد ليست كافية، وضع فى حساباتك أن المصادرة مثل ابن نوح كلاهما عمل غير صالح، الجنون لا يصادر، الجنون يواجه بالعقل أو بجلسات الكهرباء، فانظر ماذا ترى؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق