الهانم الجديدة.. قصة غير قصيرة

الإثنين، 27 فبراير 2017 04:51 م
الهانم الجديدة.. قصة غير قصيرة
عبد الفتاح علي

أسباب كثيرة جعلتها- وهى ابنة برج الأسد- مدعوة وحاضرة فى جلسات الكبار، الذين لا يتركون مناسبة يذكر فيها اسمها، إلا وقد صبوا عليها وابلا من الشائعات، يدارون بها، فشلهم فى الوصول إلى سرير نومها. هى الهانم التى تربعت على عرش المجتمع فى السنوات الماضية، لتأخذ الراية من سيدات مجتمع بتن بالنسبة لها وصيفات، لتنفرد بلقب «الهانم» بعد أن كان حكرًا على زوجة الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

فى منزل رجل أعمال شهير لديه العديد من التجمعات السكنية فى القاهرة الجديدة والساحل وأكتوبر، كان الحفل ينتظر «الهانم» التى وصلت بسيارة «ياريس» فضية اللون، وسط دهشة الحاضرين، حتى أصبح موديل السيارة «القديم» هو حديث النميمة، لدرجة أن زوجة رجل الأعمال وجدتها فرصة، للسخرية منها والتقليل من شأنها.

«معقولة الهانم راكبة عربية سى كلاس؟!»، وكأن الكلمة أعلنت الصمت العام، وظل السكون سيدًا، والوجوه شاخصة، والعيون تنصب على رد فعل «الهانم»، التى لم تخفف من ابتسامها، ولم يظهر على وجهها أى مفاجأة.

«الهانم ح تفضل هانم، لو ركبت عربية سى كلاس، بس الناس سى كلاس، ح يفضلوا كدا، حتى لو ركبوا طيارة خاصة، فلوسها مسروقة من البنوك».

وكعادتها دائما- وبمنتهى الهدوء- توجهت نحو الركن الخالى من المدعوين، وهناك جلست، قبل أن يتجمع حولها وزيران خرحا فى التعديل الوزارى الأخير، وأربعة وزراء سابقين، وعدد لا بأس به من رجال الأعمال من وزن الحوت.

بدأ الأول فى اقتناص الفرصة، وأخذ يؤيدها فى ما فعلت، والثانى يضحك وهو يعاتبها على كونها مسحت بكرامة مضيفتهم رخام القصر، والثالث يناولها كأس الشمبانيا، ثم تراجع الجميع أثناء دخول شخصية شديدة الأهمية، لها من القوة والنفوذ، ما يجعل الحاضرين جميعا شبه راكعين، من انحناءة ظهورهم.

لكن الهانم، التى جلست فى الركن الأيسر بالقرب من حمام السباحة الظاهرة لها أنواره من خلف الزجاج، ظلت على كرسيها، ترتشف من كأسها، برقة ونعومة بلا حدود. «والله ما كنت جاى، بس لم عرفت إن الهانم ح تيجى الحفلة، قلت دى فرصة ما ينفعش أفوتها، علشان أطمن عليكى».

قبل أن ينهى كلمته كان ظهره المشدود ينحنى أمام «الهانم» الجالسة، بعد أن مدت يدها، ليضع عليها قبلة تحية، ممسكا إياها بكلتا يديه.

قبل ساعة واحدة، كان الرجل فى اجتماع سياسى شديد الأهمية، سيتوقف على نتائجه أمن أربعة دول متجاورة، كانت مهمته أن يبدأ عملية احتواء للأزمة التى كادت أن تنفجر، فتفجر المنطقة بأسرها.

وقبل ساعتين، كانت تستقبل فى حديقة منزلها، أهم شخصية اقتصادية، متزوج من ثلاثة، واحدة فى العلن، والثانية فى الظل، والثالثة فى السر، وما بين الظل والسر، تملأ موظفات مكتبه الأوقات الشاغرة فى حياته الجنسية التى يوليها طاقته، وجهده، ووقته. عبثًا حاول الرجل أن يقتنص منها، نظرة قبول، كى يبيت ليلة واحدة فى فراشها، وفى كل مرة يخرج، مستعينًا بلذة القرب منها والجلوس إليها، وبعد أن ينفض فى آذانها غبار همومه، ويلقى بأسراره فى عقلها، يغادر قبل أن يحدد أين سيبيت الليلة؟

جمال «الهانم» لا يحمل درجة الامتياز، لكن روحها، تحتل ترتيبًا متقدمًا فى هذه الدرجة، أناقتها البسيطة، حسن اختيار الكلمات، رقتها فى التعامل، يجعل منها ملكة جمال، لكن «البحة» التى تزين صوتها، تجعل الإثارة تحاصر من يجالسها، وتحولها إلى أسطورة، تخضع لها أعناق الرجال.

لديها قدرة عجيبة على معرفة أسرار العائلات المحترمة، وتلك التى ضرب فيها الغنى لأسباب سياسية، أو لأسباب تتعلق بالقرب من السلطة، فتعرف جيدًا حقيقة ابن اللواء الذى أصبح ملياردير، والملياردير الذى بات إمبراطورًا يتحكم فى سوق النخاسة.

تعلم بالتواريخ، وأسماء الأطباء، وعناوين مراكز التجميل الإنجليزية والفرنسية والسويسرية والأمريكية، التى يتردد عليها مشاهير الوسط الفنى والمالى والاجتماعى، الرجال قبل النساء.

ذلك المطرب الذى لا يكبر أبدًا، سافر مع رجل أعمال شاب فى وقت واحد، وقاما بزرع دعامة فى الوجه تمنحه شبابا لخمس سنوات قادمة، كانت الهانم، من أوصت لهما بذلك الطبيب الهندى الذى ذاع صيته فى أمريكا، واتخذ من جنيف مركزا لعملياته، قائمة الانتظار لديه قد تصل إلى سنتين، ويفكر جديًا فى غلق القائمة تمامًا، والاكتفاء بعملائه الحاليين.

فى نهاية الحفل، كانت زوجة الوزير السابق التى كانت «لبيسة» الهانم القديمة، تدخل مترددة، وعلى وجهها عجز السنين، وتقلبات السياسة، وآثار الزمن الذى مضى، ظلت واقفة على باب الحفل تنتظر من يستقبلها، لكن لا أجد يرى من سحبت من تحت أقدامه السلطة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق