«الثعلب».. أسطورة التخريب وحرب العصابات (بروفايل)

الإثنين، 13 مارس 2017 10:08 م
«الثعلب».. أسطورة التخريب وحرب العصابات (بروفايل)
إلييتش راميريز سانشيز
كتبت- أمل عبد المنعم

«إلييتش راميريز سانشيز»، والمعروف بأسمه الحركي «كارلوس»، ولقبته أجهزة الأمن والمخابرات «بالثعلب» من مواليد 12 أكتوبر 1949.
 
ولد «كارلوس»، في العاصمة الفنزويلية كراكاس لأب ماركسي التوجه يعمل محاميًا، من عائلة فنزويلية ثرية، اختلف أباه وأمه على تسميته فبينما أرادت أمه تسميته باسم يدل على مسيحيته وكاثوليكيته أراد أباه أن يسميه باسم القائد الشيوعي لينين، وأدخل لمدرسة كاثوليكية لكنه لم يلبث ثلاث سنين ليعلن نفسه شيوعيًا ويتبرأ من الكنيسة والقس، ودبت في عائلته المشاكل حتى انفصل والديه وعمره لم يتعد الثالثة عشر وبعد الطلاق انضم في 1964 إلى الشباب الشيوعي الفنزويلي، حيث أرسل لمدرسة «فيرمن تورو» التي تعنى بتعليم المبادئ الماركسية لطلابها، وكان طلابها من المنظمين للمظاهرات ضد الحكومة الفنزويلية في يناير 1964.
 
وفي 1966- انتقلت عائلته إلى لندن ثم انتقل هو بعد ذلك بعامين إلى «موسكو»، لدراسة الفيزياء والكيمياء، وتعلم اللغة الإنجليزية ولكنه لم يتقنها هي فحسب بل أتقن معها أيضًا ست لغات أخرى وهي «اللغة الأسبانية - اللغة العربية - اللغة الإيطالية - اللغة الروسية - اللغة الفرنسية - واللغة الأرمنية»، وقبلها عاش «كارلوس» صباه في كوبا حيث تعلم أسس العمليات المسلحة وحرب العصابات، ثم التحق بجامعة باترليس لومومبا  بموسكو التي طرد منها لعدم جديته في الدراسة، أثناء دراسته في جامعة باتريس لومومبا في موسكو تعرف على بوضيا الشاب الثوري الجزائري الذي انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونشأت بينهما  صداقة قوية .
 
انخرط «كارلوس»، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قسم العمليات الخارجية، وتلقى تدريباته على يد كل من الدكتور جورج حبش، ووديع حداد، وقد تلقى تدريبات عديدة أخرى قبل ذلك في فنزويلا وكوبا داخل معسكر «مانتانزاس» الذي تعلم فيه أسس التخريب وحروب العصابات تحت إشراف سوفيتي وبمباركة فيديل كاسترو وقيل بالإتحاد السوفييتي بإشراف الكي جي بي، وسطع نجم كارلوس حيث أنه تميز بذكائه وقدرته على التخطيط والتخفي وتغيير ملامحه، أنتقل للعمل في أوروبا ضد الأهداف الإسرائيلية والمنظمات الداعمة لها ولإيمانه العميق في هذه القضية، ولشدة كراهيته وعدائه للصهيونية والإمبريالية الأميريكية، جند كل إمكانياته لضرب القوى الصهيونية وللضغط على بعض الأنظمة العربية التي تطبع مع إسرائيل.
 
وفي موسكو التقى «كارلوس» بجورج حبش ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي دعاه إلى المشاركة في تدريبات عسكرية في الأردن، وكلفه عام 1971 بمسؤوليات إضافية في الجبهة ليصبح كارلوس ثوريا محترفاً في خدمة حرب تحرير فلسطين، كما وصف نفسه حينذاك قبل أن يستقيل من الجبهة عام 1967. أفلت كارلوس سنوات من الاعتقال بعد اتهامه بارتكاب اعتداءات في لندن وباريس بينها قتل شرطيين فرنسيين بين عامي 1973 و1975.
 
أنتقل للعمل في أوروبا ضد الأهداف الصهيونية والمنظمات الداعمة لها لنصرة القضية الفلسطينية ولإيمانه العميق بهذه القضية، ولشدة كراهيته وعدائه للصهيونية الإمبريالية الأمريكية، جند كل إمكانياته لضرب القوى الصهيونية وللضغط على بعض الأنظمة العربية التي تطبع مع إسرائيل، بعد مقتل «بوضيا» الذي اغتالته مجموعة من الموساد الإسرائيلي شكلت للانتقام من جميع القياديين الثوريين، انتقاماً لعملية أيلول الأسود في ميونيخ والدكتور وديع حداد الذي يقال بأنه مات مسموماً، أمسك كارلوس بقبضة من حديد بجميع المجموعات الثورية حول العالم سواء بالدعم المالي أو التقني أو المعنوي وأدخل أساليب جديدة لم يسبق لأحد فعلها وعمليات فريدة من نوعها، واشتركت معه مجموعات ثورية كلاً من «الجيش الجمهوري الإيرلندي – الجيش الأحمر الياباني – منظمة إيتا والباسك الانفصالية – الألوية الحمراء – منظمة بادرماينهوف الألمانية»، إضافة إلى جيش تحرير الشعب التركي ومنظمة العمل المباشر الفرنسية. أسس كارلوس منظمة الثوار الأمميين أيام الحرب الباردة، وقد لقي مساندة من سوريا، والعراق، وجمهورية اليمن الجنوبي،  و نفذ كارلوس أغلب عملياته عن عمر صغير فمثلاً قام بالتخطيط لأول عملياته أيلول الأسود بميونيخ وعمره 23 سنة فقط.
 
نفذ كارلوس عملياته في أكثر من دولة أوروبية، ولكن لم يكن له الفضل في عملية ميونيخ بألمانيا التي خطط من خلالها لاختطاف 11 لاعبًا إسرائيليًا في الدورة الأولمبية المقامة هناك في عام 1972 واستبدالهم باسرى فلسطينين، حيث أن الفضل في هذة العملية يعود إلى حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني آنذاك في فيينا بالنمسا، لكنه خطط وشارك لعملية الهجوم على مقر اجتماع «الأوبك» لوزراء البترول عام 1975 حيث أذاع بيان «درع الثورة العربية» وهي من أغرب العمليات وأدقها وأكثرها مدعاة للدهشة وعدم التصديق.
 
كما استولى كارلوس على السفارة الفرنسية في لاهاي بهولندا مقر محكمة العدل الدولية واختطف طائرة فرنسية إلى مطار «عنتيبي» بأوغندا في عام 1976 فقد كان على الطائرة شخصيات وسواح إسرائيليون كما قام باستهداف طائرة العال الإسرائيلية في فرنسا بواسطة قاذف آر بي جي، وبعد أسبوع واحد قام بعملية جريئة باقتحام نفس المطار مع مجموعته لاستهداف طائرة العال الإسرائيلية، وقد كشفت العملية ونجح باحتجاز رهائن ورضخت فرنسا لمطالبه وقد حاول اغتيال نائب رئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني في لندن ورئيس شركة محلات «ماركس آند سبنسر» جوزيف إدوارد ستيف الداعم للحركات الصهيونية وقام بتفجير عدد كبير من البنوك الصهيونية والممولة للحملة الصهيونية ومحطاتها الإذاعية، وكان لديه قائمة بأسماء الداعمين للحركة الصهيونية أراد تصفيتهم 
 
وفى أغسطس 1994 تم الضغط على السودان، لتسليم كارلوس بعد أن توصلت الاستخبارات الفرنسية والمصرية لمكانه، ولكن «الترابي» رفض تسليمه لأنه بطل للمقاومة الفلسطينية، فما كان للاستخبارات الفرنسية سوى عرض فيديوات لحفلات كارلوس المليئة بالخمور والنساء، مما أدى لرضوخ النظام السوداني وقبوله بتسليم كارلوس وفي يوم 13 أغسطس 1994،تم اختطاف كارلوس من بيته بالخرطوم من قبل رجال المخابرات الفرنسية وتم نقله لفرنسا والتأكد من هويته وبصمات أصابعه ،وفى23 ديسمبر 1997 تم الحكم على كارلوس بالسجن المؤبد وكانت سخرية القدر بسبب الغاء حكم الإعدام قبل سنوات قليلة فقط.
 
أما تفاصيل القبض هي أن كارلوس كان في مدينة صنعاء قبيل قدومه للإقامة في الخرطوم، حيث دخل السودان دون علم السلطات السودانية وبجواز سفر دبلوماسي أردني، ولكن قال "كارلوس"السلطات السودانية كانت على علم بمجيئي. وحتى وزير الخارجية السوداني الذي سافر معي على الرحلة ذاتها كان على علم بالأمر.» وقال كارلوس أيضاًأن جهات رسمية في السودان رتبت  دخوله إلى الخرطوم، بل وأن الطائرة التي أقلته من الأردن إلى الخرطوم كان فيها وزير خارجية السودان شخصياً. ثم طلبت السلطات السودانية من كارلوس مغادرة البلاد لأسباب أمنية، وكان ذلك في ربيع 1994. ولم يرفض كارلوس مغادرة السودان، بل رفض فقط التجاوب مع فخٍ أراد أن ينصبه له الترابي والبشير، علم به بفضل بعض المتعاطفين معه من داخل النظام في الخرطوم.
 
وطوال سنوات طويلة ظلت المخابرات الفرنسية تسعي جاهدة للإمساك بكارلوس، وتعقبه ضابط أمني فرنسي كبير، جعل من ملف كارلوس قضيته الشخصية، لأكثر من عقدين من الزمان. جال وصال بين بلدان كثيرة منها روسيا، اليمن الجنوبي آنذاك، الصومال، سوريا، الأردن، لبنان، النمسا، بريطانيا، فرنسا، بلغاريا، ولكن كانت نهاية كارلوس في الخرطوم، حيث تم تخديره من قبل السلطات الأمنية وكبل بالحديد وهو في غيبوبة المخدر وسلم لجهاز المخابرات الفرنسية.
 
وفي يوم 14 اغسطس 1994 انتهت تماماً اسطورة كارلوس  وتم نقله من الخرطوم إلى باريس علي متن طائرة خاصة، وقال وزير الداخلية الفرنسي حين تم إلقاء القبض على كارولس مقابل دفع مبلغ خمسون مليون دولار للحكومة السودانية،  للصحافة «نحن لا نترك من يهدر الدم الفرنسي». 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة