«أيتام الملاجئ».. ضحايا أصحاب الوجاهة وسبوبة الـ«سبشيال بيزنس»

الإثنين، 20 مارس 2017 12:04 م
«أيتام الملاجئ».. ضحايا أصحاب الوجاهة وسبوبة الـ«سبشيال بيزنس»
اطفال - أرشيفية
إعداد الملف - هناء قنديل

عندما يصبح الشارع أكثر رحمة على الأطفال من البشر؛ فنحن أمام مجتمع فاقد للإنسانية، ويعانى خللا هائلا فى آدميته، وعندما تغض الدولة بما تملكه من مؤسسات «على كل شكل ولون» طرفها، عن الجرائم التى تُرتكب فى حق أطفال أبرياء، لمجرد أنهم بلا أسر تعلوهم، فنحن أمام مأساة تهدد مستقبل الأجيال المقبلة!!

يعيش «الأيتام» و«اللقطاء» فى مصر حياة مأساوية بكل ما تحمله حروف هذه الكلمة من معانٍ مريرة، إذ تبدأ حياتهم بين أحضان الشارع، يفترشون الأرصفة، ويلتحفون السماء، ويقتاتون من صفائح القمامة، دون أن يعلموا لماذا هم فى هذه الأوضاع الرهيبة.
 
فضيحة دار أيتام «إشراقة» المملوكة لزوجة الدكتور عاطف عبيد، رئيس وزراء مصر الراحل، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ولكنها أعادت فتح هذا الملف الذى يحمل من القسوة ما لا تتحمله قلوب لازالت تتحملى بأولى درجات الرحمة.

لغز الوجاهة.. وسبوبة الـ«سبشيال بيزنس» و«خيبة التضامن»
عندما نعلم أن الدولة لا تقدم أى دعم مالى، لدور رعاية الأيتام، وأن الأمر لا يعدو رخصة من وزارة التضامن الاجتماعى، تسمح لصاحب الدار بالحصول على تبرعات من الراغبين فى دعم النشاط الخيرى، نجد أننا أمام لغز كبير يجسده سؤال مهم، هو: ما سر حرص منتسبى الطبقة الراقية، والمشاهير على ممارسة هذا النشاط، فى ظل أنهم لن يكونوا بحاجة إلى ما يتم جمعه من تبرعات، لأنه لن يتخطى النفقات الضرورية للمشروع، فى أغلب الأحوال؟
 
إجابة هذا السؤال تنحصر فى عنصرين اثنين، يحققهما نشاط فتح دور لرعاية الأيتام واللقطاء، الأول: إنه يحقق لهم وجاهة اجتماعية، تصل فى أحيان كثيرة إلى السفر للخارج، وحضور مؤتمرات، ومناسبات عالمية، تهتم بمناقشة أوضاع أطفال الشوارع فى العالم، وقد «يضرب الحظ ضربته»، ويتم اختيار أحد، وإحدى هؤلاء الوجهاء سفيرا للنوايا الحسنة!
 
أما العنصر الثانى، الذى يطمح إليه ممارسو هذا النشاط، فهو وضع أنفسهم على قوائم السبوبة المالية، لكن هذه المرة، إما عن طريق المنح التى تصل من الخارج لدعم النشاط الخيرى، مثل: منح للتعليم، وأخرى لختان الفتيات، وثالثة لعلاج المعاقين، أو سبوبة الـ «سبشيال بيزنس»، عبر التجارة بالأطفال أنفسهم!

البيع على حس الهروب
أولى الجرائم التى ترتكب فى حق أبناء الملاجئ، والتى لا ندرى هل هى أخطرها، أم أقلها ضررا؟، هى بيعهم، لمن يريد استغلالهم كخادمات، وعمال، يؤدون جميع الأدوار، التى تنتهك خلالها براءتهم ماديا ومعنويا، ويفقدون خلال ذلك أعز ما يملكه كل منهم سواء كان طفلا، أو طفلة!!
 
وقال مصدر متخصص فى الإشراف على الملاجئ، ودور الرعاية، رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه، الكثير من الأطفال الذين يتم وضعهم فى هذه الدور، لا يصلون إلى السن القانونية داخلها، وإنما يتم بيعهم عن طريق أصحاب هذه الدور، مقابل مبالغ متفاوتة.
 
ويفجر المصدر فى حديثه لـ«صوت الأمة»، مفاجأة غريبة، بتأكيده أن الأطفال المعاقين، هم الأعلى سعرا، على قائمة البيع؛ معللا ذلك بأنهم يستغلون من قبل مافيا «الشحاذين»؛ لقدرة هؤلاء الأطفال على استدرار عطف الناس، مشيرا إلى أن بعض أصحاب الملاجئ، يحرصون على وجود الأطفال المعاقين لديهم، باعتبارهم سلعة، تجلب تبرعات أكثر، وكذلك يتم بيعهم فى نهاية الأمر.
 
ولفت المصدر ذاته، إلى أن الفتيات الصغيرات، اللاتى تبدو عليهن ملامح الجمال، يتم بيعهن كالجوارى، للأثرياء العرب، كما يتم بيع الفتيات اللاتى تظهر عليهن أمارات الصحة، للعمل كخادمات، كاشفا عن أن عددا كبيرا من الفنانين، والنجوم، يذهبون للملاجئ لشراء الفتيات لخدمتهن فى منازلهن، ومنهم الفنانتان لبلبة،، ومديحة يسرى.
 
وحول كيفية إفلات صاحب الملجأ من المسئولية القانونية، المترتبة على اختفاء الأطفال بعد بيعهم، أوضح المصدر، أن صاحب الملجأ، بمجرد أن يفرغ من إتمام الصفقة مع المشترى، فإنه يتجه إلى قسم الشرطة، لتحرير محضر يدعى فيه هروب الطفل من الدار، وأنه يخلى مسئوليته عن ذلك، مشيرا إلى أن القانون فى هذه الحالة لا يذكر أى عقوبة على صاحب الدار، خاصة أن هذه الأمور يمكن أن تجرى دون علمه، ويكون المسئول عنها هم مشرفو الدار.

رحلة اللقيط.. من «صفيحة الزبالة» لدار «الست خضرة»
كيف تبدأ رحلة الطفل اليتيم، أو اللقيط، من بين صفائح القمامة، وأحضان الشوارع، إلى الملجأ الذى لا يجد فيه أى رحمة؟
 
ترتكب الأم الطائشة جريمة فى حق شرفها، وعندما تثمر هذه الجريمة عن الحمل سفاحا، لا تجد أمامها إلا التخلص من وليدها، فتلقيه، فى أحسن الأحوال، عند أقرب ملجأ، إن لم تتخلص منه فى أى صفيحة زبالة.
 
ووفقا لمصادر بوزارة التضامن، فإنه يتم استخراج شهادة ميلاد للطفل تحمل اسما ثلاثيا، يضم الاسم الأول لمن عثر على الطفل، إلى جانب اسمين آخرين، إذ أن من سمات اللقطاء تسميتهم بأسماء ثلاثية فقط.

حكاية لقيطة بنت ذوات  
ولأن الدنيا لا تقف على حال، فإن الأسباب التى حرمت اللقطاء، والأيتام، من العيش تحت مظلة أسرية دافئة، هى ذاتها التى قذفت بالطفلة «زهور»، إلى مصيرها فى ذلك الملجأ الكائن بمدينة 6 أكتوبر، فهى معروفة الأب، والأم، والمدهش أن والديها ينتميان لأسرتين ميسورتين، ومن أكبر عائلات نزلة السمان بالهرم.
 
تزوجت والدة زهور عرفيا، ممن أحبته، وهو رجل ذو منصب رفيع، ونجل قيادة مهمة بوزارة الداخلية، قبل ثورة يناير، وعقب زواجها بشهور قليلة، تحرك الجنين فى أحشائها، ولما تيقنت من حملها، أخبرت زوجها، الذى رفض بشدة هذا الأمر، وأمرها بإجهاض نفسها، إلا أنها رفضت.
 
وأمام إصرار الزوج، تركت له المنزل، وذهبت للعيش لدى خالتها، وهناك وضعت طفلتها، وقيدتها، ولأنها من أسرة عريقة، ومشهورة، ولم تطلع أحدا على سر زواجها عرفيا، سوى خالتها، واتفقتا سويا، على تسليم الطفلة لقسم الشرطة، زاعمة أنها عثرت عليها بجوار منزلها.
 
وبالفعل نفذت الخالة الاتفاق، وتم تسليم الرضيعة إلى قسم شرطة حلوان، وتم إرسالها إلى المستشفى لتسنينها، وتسجيل شهادة ميلاد لها، فاختارت الخالة لها اسم «زهور»، واسم والدها الحقيقى «شريف»، كأب، لكن دون أن تفصح عن ذلك، وبالطبع تم تسجيل الخالة، فى خانة الأم؛ لأنها من عثرت على الطفلة، أمام القانون.
 
وانقطعت العلاقة بين الأم والخالة من جهة، والطفلة من جهة أخرى، طوال فترة وجود الأخيرة فى دار رعاية «الست خضرة»، مع متابعة من بعيد، لمعرفة موعد انتقالها إلى الملجأ، عندما تتم العامين.
 
وبالفعل، ووفق ما روت شاهدة على القصة، تحتفظ «صوت الأمة»، باسمها، انتقلت الطفلة إلى الملجأ، وبدأت الأم تزورها، باعتبارها سيدة تعطف على الأيتام، وتهتم باللقطاء، إلا أنها كانت تولى عناية خاصة جدا لزهور.
 
وعقب إتمام الطفلة سنواتها الثلاث الأولى، فاجأت الأم، شاهدة العيان على القصة، باعتراف خطير، وهو أن زهور ابنتها، من ذلك الرجل الذى تزوجته عرفيا، وأنها قبلت المصير الذى تعيشه؛ لعدم قدرتها على مواجهة والد زهور، أو مواجهة أسرتها.
 
وقالت شاهدة القصة: «عندما سألتها كيف تقبل أن تدفع ابنتها وحدها ثمن استهتار أمها، وأبيها، وأنها مطالبة بإصلاح الموقف، وأخذ ابنتها لتعيش معها، رفضت بشدة، متعللة بأنها الآن متزوجة رسميا، ولديها أطفال، ولا يمكنها أن تبرر لأسرتها سبب وجود زهور فى حياتها»، وهكذا تدفع الطفلة البريئة، أجمل سنوات عمرها، فى ملجأ، رغم وجود والديها على قيد الحياة.
 
«الأسر البديلة»..هل تصبح ملائكة الرحمة؟
يثير الحديث عن مشروع استبدال دور الأيتام، بما يطلق عليه «الأسر البديلة»، عددا من التساؤلات، حول الكيفية التى يمكن من خلالها، تحويل هذه الأسر إلى ملائكة رحمة، تنتشل هؤلاء الأطفال من مصيرهم السىء، فى ظل عدم وجود صياغة قانونية، وشرعية للعلاقة بين الطفل، والأسرة التى سيعيش معها. وتشترط وزارة التضامن فى مشروعها الجديد، تسليم الطفل رضيعا فى سن 3 أشهر، وألا يقل سن الزوجين الراغبين فى كفالة هذا الطفل، عن 60 سنة، وقت تقديم طلب ضم الطفل. ولعل أولى  المشكلات التى تواجه هذا النظام، هو تحريم الإسلام للتبنى، وهو ما يجعل الأسر، التى تقبل أن يعيش معها أطفال أيتام، أو لقطاء، تخضع لضغوط اجتماعية هائلة جدا. ويرى رجال الدين، أن النظام، الذى ترغب وزارة التضامن فى تطبيقه؛ يجعل «الأسر البديلة» أقرب إلى التبنى من الكفالة، وهو أمر محرم فى الإسلام، متسائلين عن كيفية معيشة فتاة مع رجل غريب يحل لها كزوج فى بيت واحد؟
 
ولفتت «داليا»، إلى أن وزارة التضامن، تشترط عشرات من الأمور قبل ضم الطفل إلى أسرة لرعايته، فى مقدمتها ألا يكون لدى الأسرة أطفال، وأن يكون دخلها الثابت كبيرا، إلى جانب امتلاكها وحدة سكنية، داعية إلى تخفيف هذه الاشتراطات خلال المشروع الجديد.

القصور التشريعى يقتل البراءة
تشير الإحصاءات المتعلقة بمختلف الأزمات التى يتعرض لها نزلاء الملاجئ، إلى أن الجهود التى تبذلها الدولة، لمواجهة هذه الكوارث، غير كافية، فى ظل بلوغ أعداد فرق التدخل، التى كونتها وزارة التضامن؛ على مستوى الجمهورية للفصل فى الممارسات الخاطئة والانتهاكات والبلاغات المقدمة من المواطنين ضد مؤسسات الرعاية، 400 فرد، وهو عدد ضئيل للغاية.
 
وشهدت الفترة الأخيرة إغلاق 18 مؤسسة على مستوى الجمهورية؛ لإدانتها بممارسات  خاطئة، فيما تكشف إحصائيات وزارة التضامن، عن وجود 448 دار أيتام فى مصر، كما أن هناك 27 إدارة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، تتولى الرقابة على دور الرعاية، وتوعية الأسر البديلة، إلى جانب رصد المخالفات المالية والإدارية.
 
وقالت زينب عفيفى، رئيس الاتحاد النوعى لأيتام مصر، لـ«صوت الأمة»، إن الوزارة تلقت 114 مليون جنيه، من صندوق «تحيا مصر»، لتطوير أوضاع دور الأيتام، ورغم ذلك لم يتم أى شيء فى هذا الملف، رغم سهولته، على ضوء أن نسبة الإشغالات بها لا تتعدى 67 ٪، كاشفة عن اعتزام الوزارة  إغلاق جميع دور الرعاية والأيتام، بحلول عام 2025، والتوسع فى نظام «الأسر البديلة»، لكفالة الأيتام.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق