العلاقات الروسية-الإيرانية وواشنطن وأمن المنطقة

الإثنين، 27 مارس 2017 04:16 م
العلاقات الروسية-الإيرانية وواشنطن وأمن المنطقة
د. مغازي البدراوي يكتب:

تعد روسيا الحليف الاستراتيجي الأكبر، إن لم يكن الأوحد، لإيران، ورغم أن الحديث عن هذا التحالف لم يكن له وجود من قبل، خاصة أثناء تصاعد أزمة النووي الإيراني، إلا أنه ظهر مؤخراً، على عكس ما كان متوقعاً، بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى عام 2015، وبعد رفع العقوبات عن إيران، حيث تصور البعض أن إيران ستبتعد عن روسيا وتتوجه نحو الغرب، إلا أن العكس ما حدث، حيث زاد التقارب بين البلدين، وزاد اهتمام طهران بالسلاح الروسي، وزادت وتيرة المباحثات حول التعاون التقني والعسكري وزيارات ولقاءات الوزراء والقادة العسكريين من البلدين، وبدأ الإيرانيون أنفسهم يستخدمون مصطلح "التحالف الاستراتيجي" علنا وكأنهم يروجون له، خاصة بعد زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لطهران ولقائه الرئيس روحاني في فبراير عام 2016، والتي زادت بعدها وتيرة التعاون العسكري بين البلدين، وفي نفس الوقت لم يخرج من موسكو أي تصريح يؤكد أو ينفي وجود هذا التحالف. 
 
التعاون النووي
روسيا التي كان يصفها حكم الخميني في زمن الاتحاد السوفييتي بالشيطان الأصغر، كانت هي خيار طهران الوحيد عام 1995 لاستكمال إيران بناء برنامجها النووي بعد امتناع الولايات المتحدة وحلفائها، وبعد انسحاب الشركات الألمانية من مشروع بناء محطة بوشهر عام 1979، الأمر الذي اضطرت معه طهران للجوء لروسيا لاستكمال المشروع، ووافقت موسكو على الفور، وكانت الموافقة الروسية بهدف المال فقط لا غير، حيث لم يكن لدى نظام الرئيس الروسي بوريس يلتسين آنذاك أية تطلعات سياسية نحو إيران، ولا أية دوافع أو استعدادات لمعاداة واشنطن والغرب من أجل إيران التي لمتكن تربطها بروسيا علاقات سياسية أو اقتصاديه تذكر، بل كان الهدف إنقاذ قطاع التكنولوجيا النووي الروسي من الإفلاس والانهيار، ولم يحدث آنذاك أي اعتراض من واشنطن والغرب على التعاون الروسي النووي مع إيران، ربما لأنهم كانوا يعلمون أنه تعاون من أجل المال فقط، وبدون أية دوافع سياسية أو استراتيجية، وربما، كما يرى البعض، أن واشنطن والأوربيين كانوا على ثقة من احتواء روسيا الجديدة المستقلة، وحينذاك سيتحكمون هم في البرنامج النووي الإيراني ويقررون مصيره. 
 
أزمة النووي
بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين لحكم روسيا عام 2000، بدأت الأمور تتغير، وبدأت تظهر بوادر تطلعات روسيا للخارج، وبدا واضحاً اهتمام روسيا "بوتين" بإيران بالتحديد، كما بدأت إيران تزود جيشها بصفقات كبيرة من السلاح الروسي، الأمر الذي أثار انزعاج واشنطن من التقارب بين موسكو وطهران، وكانت بدايات رد الفعل بالحملة الأمريكية والغربية على البرنامج النووي الإيراني واتهام طهران بالتوجه لامتلاك السلاح النووي.
 
النظام الحاكم في طهران لم يشأ أن يدافع عن نفسه بقوة في الرد على اتهامات واشنطن لبرنامجه النووي، بل قرر الاستفادة من هذه الحملة لعلاج أوضاعه الداخلية المضطربة ولمواجهة الغضب الشعبي المتزايد في الشارع الإيراني بسبب الأحوال المعيشية المتردية وإنفاق أموال الدولة على التسليح ومواجهة التهديدات الخارجية المزعومة، فذهب النظام لتصعيد العداء مع الغرب وإطلاق التصريحات الحادة والتهديدات للولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى التوتر الشديد، والذي وصل إلى حد التهديد القوي باندلاع حرب في المنطقة، وكانت موسكو دائما تلتزم ما يشبه الحياد والدعوة للتهدئة، وتدعي أنها تضغط على إيران، وتذهب لتدافع عن سلمية البرنامج النووي الإيراني الذي تتولى روسيا نفسها الإشراف عليه، وكان يمكن تصديق سلمية البرنامج لولا التصريحات الحادة ورفض طهران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأيضاً التهديدات التي كان يطلقها النظام الإيراني ضد واشنطن وإسرائيل.
 
تهديدات ترامب
الآن، وبعد الهدوء النسبي في العلاقات الأمريكية – الإيرانية أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى عام 2015، يعود التصعيد بين واشنطن وطهران مع التصريحات الحادة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران أثناء حملته الانتخابية وبعد توليه الرئاسة، هذا على الرغم من أن فريق الرئيس ترامب لم يحدد بعد نقاط وبنود جدول أعماله في الشرق الأوسط، وبعد أن اختتم أوباما ولايته الثانية في البيت الأبيض بتصريحاته التي وضع فيها روسيا على رأس الأعداء وساواها بالإرهاب الدولي وبوباء "إيبولا" وهدد بتحطيم اقتصادها، ها هو دونالد ترامب يضع إيران مع الإرهاب الدولي على قدم المساواة، ويؤكد أنهما – العدو الأساس للولايات المتحدة، ويعلن أن إيران تكاد تكون مذنبة في جميع مصائب المنطقة، وكان يمكن لحملة ترامب ضد طهران أن تكتسب مصداقية أكبر لو كانت استندت في اتهاماتها لتدخلات إيران في شئون جيرانها ودعمها للانقلابيين في اليمن، ولحزب الله في لبنان، أو سعيها لتأجيج الطائفية وتصدير الثورة، وما شابه ذلك، ولكن تهديدات ترامب لإيران لم تجد ما يبررها سوى اختبار إيران لصواريخها المتوسطة المدى، والذي اعتبرته إدارة ترامب خرقاً للاتفاق النووي، رغم تصريحات الخبراء الأمريكيين المخالفة لذلك الرأي.
 
وكعادتها، استغلت طهران التصعيد الأمريكي الجديد لتعود بدورها للتصعيد في التصريحات واستغلال الأوضاع للتغطية على أوضاعها الداخلية وتدخلاتها في شئون جيرانها العرب.
 
موسكو ضد التهديد
الواقع أن العلاقات بين روسيا وإيران قويتبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للحكم في الكرملين، ورغم عدم تصريح البلدين بعمق وقوة هذه العلاقات من قبل ، خاصة أثناء تصاعد أزمة النووي الإيراني، إلا أن موسكو ألمحت بوضوح عن موقفها مسبقاً بأنها لن تسمح لا للولايات المتحدة ولا لإسرائيل بالمساس بإيران، وذلك في الوقت الذي لم يكن أحد فيه يتحدث عن تحالف استراتيجي بين موسكو وطهران، ولا حتى داخل إيران نفسها، ونذكر هنا في خريف عام2007 عندما تصاعدت التهديدات الأمريكية لإيران، وزادت التحركات العسكرية في الخليج العربيالذي وصلت إليه حاملات الطائرات الأمريكية، وبدا للجميع أن الضربة لإيران أصبحت وشيكة، عندها اتخذ الرئيس الروسي بوتين قراراً غريباً  لفت انتباه الجميع، حيث دعا قمة دول بحر قزوين للانعقاد في طهران، ولم يكن موعد القمة قد حان ولم يكن مكانها الدوري في طهران بل في موسكو، وكان ذلك بهدف إرسال رسالة واضحة لواشنطن بأن إيران ليست وحدها، ونذكر صيف عام 2009 عندما اشتعلت الساحة الداخلية في إيران في أعقاب إعلان فوز أحمدي نجاد بالرئاسة، وبعد يومين فقط من إعلان النتيجة ترك نجاد الساحة مشتعلة والقتلى والجرحى في شوارع طهران، وتوجه إلى موسكو ليحضر قمة منظمة شنغهاي التي لا تتمتع إيران بعضويتها بل فقط مجرد مراقب فيها، وكأنه ذهب للحليف الأكبر يستمد منه الشرعية التي أنكرها عليه البعض.
 
روسيا وإيران
العلاقات بين روسيا وإيران قوية للغاية، ولا تقتصر على التعاون النووي والتعاون العسكري والسلاح، كما لا تقتصر على الدعم السياسي الذي تقدمه موسكو لطهران في المحافل الدولية، بل تمتد لتشمل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، خاصة في مجال الطاقة وفي تقسيم ثروات بحر قزوين من النفط والغاز، هذا إلى جانب الاهتمام الاستراتيجي الروسي بإيران كدولة إقليمية كبيرة في الشرق الأوسط تعتمد عليها روسيا في قضايا إقليمية هامة، كبوابة كبيرة لمنطقة الخليج العربي، وأيضاً في الأزمة السورية، بل أنه يمكن القول أن إيران بالنسبة لروسيا تعد أكثر أهمية من سوريا التي ذهبت روسيا لتحارب من أجلها، حيث تتشعب العلاقات الروسية – الإيرانية لتشمل مجالات أكثر أهمية وحيوية من علاقات روسيا بسوريا.
 
العرب وإيران
العلاقات الروسية – الإيرانية بقدر ما تشكل عائق ومشكلة للبعض مثل واشنطن وتل أبيب، فإنها على العكس تشكل للكثيرين غيرهم مصدر اطمئنان وضمان أمن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بالتحديد، وخاصة جيران إيران من العرب، وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي الذين تطورت علاقاتهم بشكل ملحوظ مع روسيا في السنوات الماضية في ظل حكم الرئيس الروسي بوتين الذي أولى اهتماما كبيرا لتنمية العلاقات مع هذه الدول، وبقدر ما تعاني دول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول العربية من سياسات إيران الخارجية وتدخلاتها في شئون جيرانها ودعمها للنزعات الطائفية في الدول العربية، إلا أن هذه الدول "في الواقع" ترى أن الخطر أكبر وأشد في التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، والتي ستفجر المنطقة، هذه الدول لا يقلقها التعاون النووي ولا حتى التعاون العسكري الروسي مع إيران، لثقتهم في روسيا وسياستها في بيع السلاح، وحرصها على حفظ التوازن الإقليمي والدولي، حيث لا تمنح روسيا إيران من السلاح ما يعطيها التفوق الهجومي على غيرها من جيرانها، سواء العرب أو إسرائيل التي تربطها بروسيا الآن علاقات وطيدة ومصالح مشتركة كثيرة وحيوية، بل أن جيران إيران من العرب وإسرائيل يعتبرون أن التعاون الروسي مع إيران أفضل بكثير وأكثر ضمانا للأمن والاستقرار من أن تلجأ إيران لأية جهة أخرى لا تعير اهتماما لأمن واستقرار المنطقة، و ذلك من منطلق الثقة في القيادة الروسية التي أصبحت تحظى بشعبية كبيرة في هذه الدول، ومن منطلق المصالح المشتركة المتنامية بين روسيا ودول الخليج العربي، بحيث أصبحت هذه الدول على يقين تام من حرص موسكو أكثر من غيرها بكثير على أمن واستقرار المنطقة، وتعلم هذه الدول جيدا أن روسيا لن تسمح لإيران أن تستخدم السلاح الروسي أو غيره من السلاح لتهدد به هذه الدول أو تضر بمصالحها. 
 
العرب وموسكو وواشنطن
فارق كبير بين واشنطن التي تستفيد أكثر من عدم الاستقرار والتوتر الأمني في المنطقة، وموسكو التي تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط كامتداد جغرافي متصل بأمنها القومي، وترى أنها مهددة بشكل مباشر بالإرهاب في هذه المنطقة، وبينما لا تؤمن واشنطن بالشراكة المتكافئة مع دول المنطقة، ولا حتى مع روسيا نفسها، وتتعامل مع الجميع بشكل فردي، كل على حدة، وترفض أي عمل جماعي، إلا إذا كان تحت قيادتها، فإن روسيا على العكس تماماً، تفضل العمل الجماعي، وتطلب دائماً توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب، وتدعو أكبر عدد ممكن من الدول للمشاركة، بما فيهم الولايات المتحدة نفسها، ودول مجلس التعاون الخليجي تعلم ذلك جيداً، وتثق في روسيا إلى حد بعيد، وتتعامل معها بشكل جماعي ضمن أشكال وكيانات متعددة، ومنها "المنتدى الروسي العربي" الذي انعقد في دورته الرابعة في مطلع العام الجاري في أبو ظبي، مثل هذه الأشكال الجماعية في التعامل على مستوى الشراكة المتكافئة لا تقبل بها واشنطن. 
 
وما زالت دول الخليج تذكر أن روسيا كانت قد طرحت عام 2001 منظومة للأمن في الخليج أطلقت عليها "منظومة الثمانية" لتضم دول مجلس التعاون الخليجي الست وإيران والعراق، واقترحت روسيا أن تنضم لهذه المنظومة هي ودول أخرى كبيرة ومنها الولايات المتحدة لحل أية خلافات بين أعضاء هذه المنظومة وجعل منطقة الخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل، ولكن هذه المبادرة الروسية لم ترى النور بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وإعلان واشنطن حملتها على الإرهاب.
 
تناقض المصالح
وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكم وتصريحاته حول التقارب مع روسيا، لا تغير كثيراً في الحالة الأمنية في المنطقة، خاصة مع تصريحاته ضد إيران، والعلاقات الروسية – الأمريكية، مهما شهدت من تقارب، فإنها ستظل محكومة بتناقض المصالح، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تراها روسيا القريبة جغرافياً جزءاً من أمنها القومي، بينما تنظر إليها واشنطن من عبر الأطلسي كموقع استراتيجي ومصدر للطاقة وسوق كبير للسلاح الذي تروج تجارته مع زيادة حدة التوتر والاضطرابات وعدم الاستقرار.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق