حياء الضمير

الإثنين، 24 أبريل 2017 02:47 م
حياء الضمير
الشيخ أحمد تركي يكتب

لقد لخص القرآن الكريم آلية الإصلاح فى جملة واحدة لمن أراد التغيير نحو الإصلاح، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) {الرعد:11}.

وزيادة مظاهر التدين والعبادة لم تعد تجعلني أشعر بالتفاؤل نحو التغيير على مستوى القيم والأخلاق !!

لأن الكثير من استطاع بجدارة - إلا من رحم الله - عمل قشرة من التدين نسكن أنفسنا بها وقت اللزوم، أو نتجمل بها أمام الناس بينما أخلاقه لا ترضى الله ولا رسوله ولا المؤمنين.

ساءتني مقالة للداعية الأمريكي حمزة يوسف قريبًا قال: «مظاهر الإسلام في الشارع وعلى الشاشة وفى واقع المسلمين اليوم ليست هي صورة الإسلام في ذهني التي أسلمت لله بسببها من ٣٥ عامًا !! ولو عرضت علىّ قبل إسلامي ما أسلمت فالحمد لله أن عرفت الإسلام قبل معرفتي بالمسلمين».

لقد ازدادت البرامج الدينية وازداد مشايخها مع تنوعهم! منهم الأزاهرة ومنهم تخصص وعظ - فى الفلل والقصور - وكأن القرآن نزل للأثرياء فقط - والفقراء لا يستحقون المخالطة! ومنهم وعاظ الجماعات الدينية تخصص جذب الناس بالرقائق وإبكائهم ثم توجيههم لأيدلوجيات سياسية! ومنهم من يُزوِّر الدين لمن يدفع أكثر!

ومنهم من يدخل في معارك إعلامية لعمل إثارة ونسبة مشاهدة تنفعه وقت اللزوم! ثم بعد ذلك أصبحنا نُنَظِّر كثيرًا ونبحث كيف نُغيّر واقعنا؟!

إن تغيير الواقع يبدأ من تغيير الضمير من ضمير انتفاعى وميكافيلي إلى ضمير يقظ لا يبالي إلا بمراقبة الله رب العالمين. 

لأن الوعظ والدعوة ليس فى كلام المشايخ وفصاحتهم!!، بل هو القدوة فى شخص العلماء.

والعدل ليس في الدستور أو القانون إنما فى التزام المواطنين بهما. والتعليم ليس في مناهج وكتب بل هو مهارات نقل المعرفة عند المدرس ونقل خبرته بإخلاص وتجرد.

وبناء مصر بالطبع يحتاج إلى إحياء الضمير اليقظ والعمل المنتج والعطاء المستمر. إن  الصلاة وصيام رمضان والحج والعمرة وختم القرآن لن يعطى هذه النتيجة حتى نغير ضمائرنا وأنفسنا من الداخل كما قرر القرآن الكريم.

قال تعالى: (وجاهدو فى الله حق جهاده)

يعنى إذا كنت مهملًا فاتقن عملك، وإذا كنت انتهازيًا فأصلح نفسك، وإذا كنت لا تحب إلا نفسك فقاومها وأحب معها وطنك وعملك والنَّاس حولك، وإذا كنت حقودًا فتخلص من هذا الداء، وإذا كنت متكبرًا فالزم نفسك بالتواضع.

كثيراً ما نصطدم بأصحاب الضمائر  المريضة ويمكن أن يكونو من رواد المساجد والبرامج الدينية .. وأيضاً المؤسسات  التي لا تحسن إلا ثقافة (كله تمام) دون إتقان للعمل .. هؤلاء جميعًا ألا يعرفون أن المواقف الإنسانية  ابتلاء من الله لهم؟!، إن أحسنوا فى مثل هذه المواقف دخلوا الجنة بغير حساب بمقتضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وإن أساءوا فأوزارهم على قدر صدهم لملهوف يستحق الإغاثة، بمقتضى قول الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا عظيمًا) ١٥٨: الأحزاب

 

إننا فى حاجة ملحة وشديدة إلى ثورة ضمائر تفرز الضمير اليقظ الذى تُصان به حقوق الله وحقوق الناس وحقوق الوطن بالتوازى مع ثورة فى التجديد للخطاب الدينى وثورة فى الإدارة ولوائحها.

ضميرٌ يوجه صاحبه للمساعدة والتضحية دون توقع مقابل، ثورة تمنع الغش فى الامتحانات وتخفف معاناة أولياء الأمور.

والشريعة الإسلامية تعتبر الضمير حاسة فطرية يدرك بها الإنسان الصواب من الخطأ، والحسن من القبيح، والإيجابية من السلبية، والتجاوب بشهامة مع المواقف من التبلد والنذالة، ولذلك يقول صلوات الله عليه لوابصة بن معبد وقد ذهب إليه يسأله عن البر والإثم: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم. قال صلوات الله عليه: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

والقرآن الكريم يشير إلى هذا الضمير فى قوله تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] (ق:16).

هذه الوسوسة أو هذا الصوت الخفي، هو صوت الضمير الذي نسمعه كل يوم يناجى عقلك وقلبك ويصرفك عن الشر. أين ضمائر الذين يفجرون في كل مكان للوصول إلى المناصب والمكاسب؟، أين ضمائر من يعملون لأنفسهم على حساب الوطن الجريح؟، أين ضمائر تجار الدين؟ أين ضمائر من يتاجر بآلام الناس وحاجتهم؟

يقول الله تعالى فى بنى إسرائيل عندما أصيبوا بأزمة ضمير فقتلوا وأهلكوا وأفسدوا في الأرض : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(74) البقرة

فالضمير يمرض كما يمرض الجسد، وعلى هذا، فهناك ضمير صحيح وضمير مريض وضمير ميت، الضمير الصحيح يوجه صاحبه إلى الخير والبذل والعطاء، ويصرفه عن الشر، ولا يرضى بغير ذلك بديلًا، وصاحب هذا الضمير تراه دائمًا هادئًا ساكنًا منشرحًا مطمئنًا، يصفه القرآن الكريم بقوله: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي] (الفجر:30).

وهذا هو الضمير الذي ظهر عند كثير من المصريين بعد ثورة الثلاثين من يونيو فتوحدوا ضد مؤامرات الإرهاب والاستخراب العالمي، وهو الذي سيبنى مصر الجديدة بإذن الله.

وأما الضمير المريض ترى صاحبه يخطئ ويصيب، وإذا أخطأ لام نفسه، ورجع إلى صوابه، وهؤلاء أمامهم فرصة كبيرة في شهر رمضان أن يُحيوا ضمائرهم ويعيشوا صالحين لأنفسهم ولوطنهم.

- أما الضمائر الميتة فلا نفع فيها ولا يُرتجى من أصحابها نفع أبدًا، لأنه لا مانع عندهم من أن يصلوا إلى أغراضهم، ولو على جماجم البشر أجمعين، فهم يقتلون ويذبحون ويسرقون ويفجرون البلاد والعباد ليعيشوا على أنقاضهم وهم مستمتعون !!

الفساد والإرهاب!! من أهم صور هذا النوع والكارثة الكبرى عندما يتحالفان !!

وهذا يتوجب علينا مكافحة الفساد في مؤسساتنا على التوازي مع مكافحة الإرهاب لأنهما وجهان لعملة واحدة. غيّروا أنفسكم على مستوى الضّمير، واعلمو أن أفضل عمل تتقربون إلى الله به، أن تمنعوا شروركم عن الخلق فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده!  إحياء الضمير هو الحل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة