لا تهادنوا الفساد

الإثنين، 01 مايو 2017 12:00 م
لا تهادنوا الفساد
حمدى عبدالرحيم يكتب:

قامت الرقابة الإدارية فى بداية الأسبوع الماضى بتوجيه ضربة جديدة للفساد أسفرت عن ضبط أصحاب شركات خاصة ورَّدوا مواسير مياه لضاحية التجمع الخامس غير مطابقة للمواصفات وأهدروا على الدولة ثلاثة مليارات جنيه.
العجيب لم يكن فداحة الرقم، ولكن العجيب بل والمريب كان فى استقبال بعضهم للقضية، لقد هاجوا وماجوا منددين من طرف خفى بتفجير القضية!
زاعمين أن قضية بهذا الحجم كان يجب أن تكون لها معالجة مختلفة، طبعًا هذا لف ودوران وإطلاق قنابل دخان لصرف الأنظار عن قضية غاية فى الخطورة، بل هو تخويف من مواصلة التصدى للفساد.
فلا يجوز فى عقل العقلاء أن تكون هناك معالجة لقضايا الفساد سوى بالقبض على الفاسدين والذهاب بهم إلى القضاء، غير هذا الطريق لا يوجد طريق آخر، اللهم إلا إذا كان المقصود والمستهدف هو دفن القضية وعدم الكشف عنها ولا عن غيرها.
هؤلاء الذين يقومون بهمة الإرجاف فى المدينة يزعمون أن الكشف عن القضايا الكبرى سيقلل من معدلات الاستثمار، وسينشر القلق فى أوساط رجال الأعمال وسيدمر البورصة، وقائمة طويلة من الأكاذيب التى لا تصمد أمام الحق ساعة من الزمان.
الحق يقول: إن الفساد هو الباطل، والباطل سيُهزم سواء طال الزمان أم قصر، قد يربح الباطل جولة أو اثنتين ولكنه لن يصبح حقًا ولن يسدل الستار عليه وهو منتصر ظافر، وهذا قانون إلهى تكفل عز وجل بتنفيذه. 
والفساد على حقيقته يشبه ورد النيل، ذلكم النبات الطفيلى الذى بلا جذور، ولكنه شره غاية الشراهة فى امتصاص الماء، بحيث يُهدر علينا مليارات الأمتار المكعبة من الماء الذى نحتاجه أشد الاحتياج، وتركه لشأنه لأى سبب كان يؤدى إلى قتل الأسماك وحجب الشمس عن الوصول للماء ثم التكاثر المخيف، حتى أن العلماء يشبهونه بالسرطان، لأن النبتة الواحدة تتفرع عنها 48 ألف نبتة فى الشهر الواحد، فانظر كيف سيكون الحال مع هذا التكاثر السرطانى.
الزعم بأن الفساد قوى ومتين وراسخ الجذور ولا طاقة للدولة بمواجهته، هو زعم باطل من كل الوجوه ومن كافة الأبواب.
والقول بأن على الدولة مهادنة الفساد حتى تستقر الأحوال هو كذب لا يأتيه الصدق من بين يديه ولا من خلفه، لأن الأحوال لن تستقر الاستقرار الذى ننشده ما دام للفساد رجاله والمدافعون عنه تحت ألف ستار وستار.
لقد اعترف المناضل الفذ مانديلا بأنه ارتكب خطيئة عمره عندما استجاب لوسوسة الذين أقنعوه بخطورة مصارحته لشعب جنوب أفريقيا بحقيقة كارثة الإصابة بمرض الإيدز المتفشى فى البلاد. يومها استجاب مانديلا وذكر أرقامًا لا تكشف عن حقيقة الأمر، ومع الأيام تبين له أنه أخطأ وندم على موقفه المهادن من كارثة ليست صحية فحسب بل واجتماعية وثقافية ولها تأثيرات سياسية.
ولكى لا أشاركهم فى اللف والدوران والتمويه، فسأقول إن المرجفين فسدة وشركاء فى الفساد، فالذى يخوِّف الدولة والجهات المعنية من مواجهة الفساد هو فاسد أو يريد توجيه ضربة استباقية للجهات التى تتصدى وتكشف وتواجه، حتى إن تورط فى قضية فساد وأمسكت به الجهات المعنية ملأ الدنيا صراخًا بأنه فى خصومة معهم وهم يتربصون به لسابق مواقفه منهم!
إن القضية الأخيرة لا تكتسب خطورتها مع حجم المبلغ الذى أهدر على الدولة فحسب، بل هى خطيرة لأنها تلاعبت لسنوات فى الماء الذى هو شريان الحياة وأساس الحضارة، فلكم عانى سكان تلك المنطقة من الانقطاع شبه المتواصل للمياه، وتلك عجيبة من العجائب المصرية التى تفرض على المواطن شراء شقة برقم خرافى ولكن لا تصلها المياه!
الواجب على الدولة أن تواصل وتكثف غاراتها لقصف جبهات الفساد فى أى موقع كان، فلا أمل بغير هذه الغارات.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق