مباشر انترناشيونال: هل يستخدم المركزي المدفع لقتل البعوضة؟

الثلاثاء، 02 مايو 2017 08:04 م
مباشر انترناشيونال: هل يستخدم المركزي المدفع لقتل البعوضة؟
البنك المركزي
أسماء أمين

نشرت اليوم بحوث شركة مباشر انترناشيونال، تقريرا عن إمكانية رفع سعر الفائدة في خفض التضخم، وأوضحت خلال التقرير، الذي جاء بعنوان: «هل يستخدم المركزي المدفع لقتل البعوضة؟». وقالت إسراء أحمد المحلل الإقتصادي بشركة مباشر العالمية فى تقريرها:

​أنه في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي التي تم عقدها في إبريل 2017، أبدى بعض الخبراء لدى الصندوق "تطلعهم" نحو استخدام أسعار الفائدة كأحد الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المتزايدة في الاقتصاد المصري. وقد ظهر ذلك تحديداً حين أشار مدير الصندوق للشرق الأوسط  وآسيا الوسطى إلى أسعار الفائدة باعتبارها "الأداة الصحيحة" لكبح معدلات التضخم الثلاثينية التي شهدتها مصر مؤخراً. حقيقةً نحن نرى هذا الطرح محلاً للعديد من التساؤلات – التي تصل للتحفظات – خاصةً في حالة الاقتصاد المصري الحالية، ونرى أن صانعي السياسة النقدية يدركون هذه التساؤلات مما يجعل قراراً آخر برفع أسعار الفائدة محل شك.

 

محاولات قتل البعوضة: رفع أسعار الفائدة سيكون محدود الأثر في احتواء التضخم

1- نظرياً، يساهم رفع أسعار الفائدة في احتواء التضخم عن طريق تحجيم السيولة النقدية وتشجيع الادخار، مما يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الطلب على السلع والخدمات وبالتالي تنخفض وتيرة ارتفاع الأسعار. ولكن ليست تلك الحالة حالياً. فقد أشرنا في تقريرنا فخ سعر الفائدة أن التضخم في مصر هو تضخم تكلفة والناتج عن تبعات القرارات التي تم اتخاذها في 2016 وليس ناتجاً عن ارتفاع الطلب بأي حال. فقد أدى قرار تعويم الجنيه المصري ورفع الدعم جزئياً عن المحروقات بالإضافة إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى ارتفاع تكلفة العملية الإنتاجية واستيراد مدخلاتها، مما أدى إلى زيادات مطردة في الأسعار. وبالتالي، فإن أية سياسات موجهة لتحجيم الطلب سيكون أثرها على التضخم محدوداً، هذا إن كان لها أثرعلى الإطلاق.

2- ا نخفاض معدلات الانتشار المصرفي: وفقاً لبيانات البنك الدولي الخاصة بالتنمية، فإن 370 من كل 1000 بالغ في مصر لديهم إيداعات مصرفية، وهي نسبة بالغة الانخفاض بالمقارنة بمتوسط العالم العربي على سبيل المثال والذي يبلغ 640 بالغاً من كل ألف. وبالتالي فإن أسعار فائدة أكثر ارتفاعاً على الأوعية  الادخارية لن تحقق جذباً كبيراً للسيولة المتداولة، وإنما قد تؤدي إلى إعادة ترتيب الودائع الموجودة بالفعل في الجهاز المصرفي.

3- العوامل النفسية والحوافز لدى الأفراد: تؤثر معدلات التضخم بالغة الارتفاع  سلباً على حوافز الادخار لدى الأفراد، بينما يظل تأثير رفع أسعار الفائدة ضعيفاً لحل المشكلة. فعلى سبيل المثال، لن تنجح الأوعية الادخارية ذات العائد 20% في أن تثني المستهلك عن شراء أجهزة منزلية يعلم أن سعرها سيزداد بما يقارب 50% في المدى القصير، ولكنه سيسارع لشرائها محاولةً منه لاستباق ارتفاع الأسعار. هذا النوع من الطلب لا يمكن تحجيمه بواسطة أسعار فائدة حقيقية سلبية مهما ارتفعت قيمتها الإسمية. ولا نظن في هذا الصدد أنه من الممكن الوصول بأسعار الفائدة الإسمية لمعدلات تجاوز الـ 30% لاستباق التضخم.

 

تصويب المدفع: رفع أسعار الفائدة سيكلف الاقتصاد الكثير...

1-  تكلفة أعلى للاستثمار: كما ناقشنا في تقريرنا السابق، فإن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص لا يتعدى حاليا ربع الائتمان ككل، وتتضح المشكلة أكثر إذا أشرنا أن نصيب القطاع الخاص من الائتمان كان حوالي 52% في عام 2004. رفع سعر الفائدة مجدداً مما يعني رفع تكلفة الاقتراض للقطاع الخاص سيجعل الأمور أكثر تعقيداً أمام الاستثمار، وهو أمر لا يصب في مصلحة الاقتصاد المصري والذي يحتاج في المقام الأول لرفع معدلات النمو وحفز النشاط الإنتاجي.

2- امتصاص السيولة من البورصة: ستؤدي أية ارتفاعات محتملة في أسعار الفائدة وخاصةً إذا صاحبها تطبيق ضريبة الدمغة المزمعة على تعاملات البورصة إلى التأثير سلباً على سوق المال.

3- قطاع المالية العامة لا يحتمل المزيد من ضغط الفوائد: يبتلع باب مدفوعات الفوائد حوالي 30% من إجمالي الإنفاق. ويأتي هذا الرقم المفزع نتيجةً لتضخم هذا البند بشكل كبير خلال العقد الماضي، حيث تزايد بشكل مطرد من 45 مليار جنيه مصري في 2007 إلى الرقم "البالوني" المعلن عنه في مشروع موازنة العام المالي الجديد 2017/18، والبالغ 380 مليار جنيه مصري (بمعدل نمو سنوي مركب 20%)!. وفي نفس السياق فإن تحليلاً إحصائياً بسيطاً يوضح أن زيادة 1% في سعر الفائدة تؤدي إلى زيادة 13 مليار جنيه مصري على أعباء الموازنة. وفي المرحلة الحالية التي تشهد تفاقم باب الفوائد، فإنه لا حاجة لمزيد من الضغط على المالية العامة للدولة.

وأستندت فى تقاريرها  إلى مقولة الحكيم الصيني كونفوشيوس: "لا تستخدم مدفعاً لتقتل بعوضة". نرى هنا أن تلك الحكمة تلخص الوضع الاقتصادي المصري بامتياز، فمقارنة بسيطة بين التكلفة والعائد توضح أن أي رفع محتمل لأسعار الفائدة سيكون غير ذي جدوى اقتصادية، حيث أنه يرفع تكلفة الاقتراض لكل من القطاع الخاص وقطاع الموازنة دون أثر إيجابي يذكر على التضخم. كذلك نرى أن التضخم المرتفع هو ظاهرة مؤلمة لكنها مؤقتة وهي نتيجة طبيعية - وإن كانت قاسية - لقرارات نوفمبر 2016. وفي هذه الحالة فإن رفع سعر الفائدة لمحاولة السيطرة على التضخم ستكون مثل استخدام "مدفع" سينال من حوافز الاستثمار وأهداف الموازنة لمحاولة قتل "بعوضة" التضخم والتي سيخطئها المدفع حتماً ولكن مخلفاً الكثير من الضرر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق