ماكرون سياسى شاحب لكن.. الفائز الحقيقى فى انتخابات فرنسا مسيو لامور !

الثلاثاء، 16 مايو 2017 12:50 م
ماكرون سياسى شاحب لكن.. الفائز الحقيقى فى انتخابات فرنسا مسيو لامور !
محمد حسن الألفى

هل كان شعور الناس فى أجزاء من العالم بالسعادة سببه فوز شاب فى التاسعة والثلاثين من عمره بمنصب الرئيس، وشغل مقعدا للسلطة فى قصر الإليزيه ؟ أوروبا كلها، وبخاصة ألمانيا تنفست الصعداء وارتخت أعصابها ، حين سقطت اليمينية المتطرفة مارين لوبان

 

فى تصويت كاسح، سحق أحلامها، ورفع المرشح الشاب إيمانويل ماكرون إلى عتبات السلطة بأغلبية ٦٨ فى المائة من أصوات الناخبين.
والآن فإن ماكرون هو الرئيس الرسمى منذ الأحد الماضى بعد احتفالات ومراسم التنصيب الفرنسية، والآن، صارت بقصر الإليزيه السيدة الأولى. لم يعرف الإليزيه، منصبا لسيدة أولى قط، لكنه عرف على الدوام، زوجة الرئيس المعلنة وعشيقة الرئيس الخفية، وكل رؤساء فرنساء أحبوا زوجاتهم وعاشوا معهم فى السلطة وأجوائها، لكن غرف النوم كانت للسيد الرئيس وعشيقته،خارج القصر مؤكد، داخله الله أعلم. فرانسوا ميتران ظهرت له ابنة سرية من علاقة سرية، وساركوزى كانت عشيقته الإيطالية كارلا برونى وهى موديل متعددة العلاقات والغراميات، وكانت تصاحبه رسميا فى جولاته، بل زارنا فى مصر وهى برفقته، آخر أيام الرئيس مبارك، ولم تكن زوجته، ولما كثر القيل والقال، تزوجها، وكانت قطر نفسها تزوجت عقل الرجل بأموالها فعقدت معه اتفاقيات، وآخر كوارثهما معا تدمير ليبيا، وقتل القذافى، بمباركة السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية وقتها!
 
ما علينا، فذلك وجه قمىء مقرف من علاقة الإليزيه بالشرق الأوسط، لذلك نتجه رأسا إلى بيت القصيد، وهو أن الشاب الذى لم يعرف السياسة عميقا، وكان مصرفيا ببنك روتشيلد، اختاره الرئيس السابق أولاند وزيرا للاقتصاد الرقمى الفرنسى، وأمينا عاما للرئاسة الفرنسية، وأسس قبل عام حزبه «إلى الأمام» الوسط الذى لا هو يمين ولا يسار بل ليبرالى مفتوح رافض لدور قطر وأموال خليجية أهلية فى تمويل الإرهاب !
 
وكان أولاند سببا قويا وراء انتصاره الكاسح على التطرف اليمينى وجموح مارين لوبان المجنونة بالوراثة السياسية عن أبيها، يمكن القول أيضا إن خوف الناس من جنون لوبان عزز كفة ماكرون. 
 
وراء هذا كله مشوار من الحب والتصميم على الهدف، فلقد أحب ماكرون وهو فى السادسة عشرة من عمره مدرسته بريجيت ترونيو، وكانت مديرة لورشة مسرحية بالمدرسة بمدينة اميان الهادئة بالشمال الفرنسى، لفت نظرها ذكاؤه، وكتاباته وحبه للتمثيل، وفى يوم اعترف لها بالحب وأنه سيتزوجها، كانت أما لثلاثة أبناء وزوجة، وهى بعد أربعينية وهو صبى، لكنه فى عينيها تلك اللحظة القدرية لم تره مجرد صبى، أو عيل مراهق، قاومت، لم تستطع، أقاما علاقة سرية، بلغت مسامع وعيون الأهل والمدرسة، اعترض أبو ماكرون وأمه وقالت الأم لبريجيت:  أنت انجبتى، وهو أصغر منك، ولن يكون له منك أولاد لأنك ستكونين أكبر سنا.. رجاء أن تبتعدى ! 
 
ردت بريجيت: ليس لدى ما أعد به. 
اختار ماكرون السفر إلى باريس فى دراسة جامعية وغاب طويلا، وسافرت العاشقة إلى باريس، ومضت ستة عشر عاما قبل أن يتوجا حبهما بالزواج فى عام ٢٠٠٧، انتصر الحب على التقاليد، وفرض نفسه ووهجه فى القلوب، وأصبح حقيقة وصار ماكرون زوج أم لمهندس ومحامية وطبية أمراض قلب، وجدا لسبعة أحفاد لم ينجب آباءهم ولا أمهاتهم. ليس هذا كله مهما، المهم ما الذى جذب سيدة فى الأربعين، إلى صبى وهى زوجة ومن عائلة ميسورة تمتلك مصانع شيكولاتة ومكرونة (انظر المفارقة ماكرون اسم زوجها) والمصانع تحقق مالا لايقل عن ٢ مليون يورو سنويا. هو مجرد صبى، لا مال، ولا مستقبل واضح، ولا ثروة، لا شىء يملكه غير مشاعره وحبه ورغبته فى أن يتزوجها، ولن تنسى قط قوله لها لحظة الاعتراف بحبه، «مهما كانت العقبات سأتزوجك»! لا تفسير لهذا الارتباط غير أنه القدر، وغير أن عقل ماكرون بوزن عقل بريجيت التى تكبره بربع قرن تقريبا، ولا تفسير لهذا الوله والصمود فى وجه المجتمع إلا بأن هذه السيدة قدمت له الزوجة والعشيقة والأم والمدرسة، والمستشارة الأمينة. من أجل هذا أكد فى حملته الانتخابية أن بريجيت ستكون السيدة الأولى، لها مكان ولها دور، وليس مجرد زوجة الرئيس. ماذا أعطاها الشاب؟ ربما الحنان، ربما التفانى، ربما الإخلاص، ما يعنى أنها كانت محرومة فى زيجتها السابقة من هذه المقومات الأساسية التى دونها يجف الحب فى عروق المرأة، وتشيب قبل أوانها. استمدت منه القوة والشباب، وانتقمت، أو انتقما معا من رفض الأسرة الصغيرة والبلدة الصغيرة، لزواجهما واستغرابهما، إلى قبول جماهيرى حاشد، وله صبغة سياسية أيضا، وبلغا بهذا القبول بوابات قصر العلاقات المحرمة، والخيانات الزوجية!
فهل يفعل الرئيس ماكرون ما لم يفعله الشاب ماكرون أو الوزير ماكرون أو زوج الأم ماكرون؟!
 
للكرسى سلطان الخمر، من أجل هذا يتساءل كثيرون، هل تطيح السلطة بقصة الحب التى تربط رجلا شابا بامرأة ستبلغ السبعين نهاية فترة حكمه، بينما يكون هو فى الرابعة والأربعين ! مع شىء من التأمل، ومع مد البصر من باريس إلى واشنطن، عبر الأطلنطى، سنرى الوضع مشابها لكن مقلوبا، فالزوج ترامب فى السبعين، وزوجته فوق الأربعين، وهو غنى غنى فاحش، وهى باهرة الجمال، ولو هناك توافيق وتباديل لكان ترامب أولى ببريجيت، ولكان ماكرون أقرب إلى ميلانيا !
 
لكن السيناريو الإلهى نازل هكذا، ولعل فى الكواليس الإلهية فصولا قادمة، نشهد معها دراما انسانية بالغة العذوبة والعذاب تسيل معها قلوب الأحبة فى الشرق والغرب. 
 
فى كل الأحوال، يمكن القول إن الفائز الحقيقى فى الانتخابات الفرنسية هو الحب الذى قهر وانتصر، على كل القيود انتصر، وجمع نبضات قلبين أحدهما يدق منذ تسعة وثلاثين عاما، والثانى يدق منذ أربعة وستين عاما. فيلم سياسى حقيقى يذكرنا بفيلم فرنسى رائع شهدته مصر فى السبعينيات وكنا وقتها طلبة فى قسم الصحافة اسمه الموت عشقا، كان عن مدرسة فى سن الأربعين وتلميذها الذى أحبته وتشابكت القلوب والعروق وسط مظاهرات طلابية !
لا أعلم قطعا أن كان الولد ماكرون شاهد الفيلم وتأثر أو شاهدته معلمته وتأثرت، لكن الذى أعلمه أن العالم يتنسم الآن رائحة مشاعر عاطفة حلوة وجدت مكافأة من القدر على الصبر والعطاء، تهب من قصر الإليزيه! 
إلى متى ؟! هذا هو السؤال.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق