تجربة صناديق الاستثمار في مصر (الواقع والمأمول)

الأحد، 14 مايو 2017 09:42 م
تجربة صناديق الاستثمار في مصر (الواقع والمأمول)
أحمد عبد الصبور يكتب

لقد تابعت- كما تابع الكثيرون- خلال الأيام القليلة الماضية مشكلة الإعلان الصادر عن إحدى شركات الاستثمار، والذي تضمن الترويج لوثائق صندوق استثمار عقاري مرخص له من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية، وما أثاره هذا الإعلان من مشكلات، وما ثار بشأنه من تساؤلات، وما قُدِّمَ بشأنها من إجابات، ولعل السبب الأساسي وراء كل هذه الضجة مرجعه في الحقيقة إلى أمرين، أولهما: أن الشركة صاحبة الصندوق صرحت في إعلانها عن قيامها بطرح صندوق استثمار عقاري برأس مال قدره مليار جنيه، وأنها تتوقع عوائد لهذا الصندوق تبلغ 26% خلال ثلاث سنوات، وهو ما يخالف نص المادة (145) من اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992م، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 135 لسنة 1993م، والتي تنص على أنه (...يجب ألا يتضمن الإعلان أي توقعات عن أداء الصندوق في المستقبل أو أية بيانات أو معلومات مبالغ فيها أو ذات تأثير مضلل...)، ومما لا شك فيه أن توقع حجم معين لأرباح الصندوق المستقبلية يخالف صريح نص هذه المادة، ويوقع الشركة صاحبة الصندوق تحت طائلة قانون رأس المال رقم 95 لسنة 1992م والعقوبات الواردة فيه.
 
 الأمر الآخر وراء ما أثير من ضجة حول هذا الموضوع، هو قيام الشركة صاحبة الصندوق مصدرة الإعلان  بالزج باسم أحد البنوك المشهورة في مصر في ثنايا هذا الإعلان بطريقة قد يتوهم البعض بسببها أن البنك شريك في هذا الصندوق أو على الأقل يضمنه، ويضمن تحقيق الأرباح المتوقعة والمعلنة في هذا الإعلان، وهذا ما قام البنك بنفيه، مع تأكيده على أن دوره في هذا الصندوق لا يتعدى كونه البنك الذي يتلقى الاكتتاب في هذا الصندوق بمقابل، دون أن يكون ضامنا لحسن أداء الصندوق أو تحقيق الأرباح المتوقعة والمعلنة من قبل الشركة صاحبة الصندوق، وبالتالي تنتفي أي مسئولية للبنك تجاه الغير فيما يتعلق بهذا الصندوق، وقد أحسنت الهيئة العامة للرقابة المالية صنعا عندما ألزمت الشركة صاحبة الصندوق بسحب هذا الإعلان وحذفه وبأقصى سرعة، فضلا عما سوف يلي ذلك من تحقيق في هذا الموضوع وتطبيق لصحيح نص القانون.
 
والحقيقة أن هذا الموضوع في حد ذاته لم يشغلني؛ فالأمر يتعلق بوعاء استثماري ادخاري، ينظمه القانون، صادر وفقا لأحكام القانون، وبناء على ترخيص صادر من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل في منح التراخيص، وقد حدثت بشأنه مخالفات؛ فتدخلت هذه الجهة المسئولة عن رقابة مثل هذه المؤسسات؛ لتلزم المخالف باحترام نص القانون، وإنما ما شغلني ودفعني للكتابة في هذا الموضوع هو تجربة صناديق الاستثمار في مصر، هذه الصناديق التي دخلت إلى سوق المال المصري بناءً على نصوص قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992م، كأحد الأوعية الادخارية الواعدة في سوق المال المصري، وكأداة من أدوات الإصلاح الاقتصادي عن طريق تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية، وكذلك كنتيجة حتمية لفشل تجربة شركات توظيف الأموال في مصر، وما ترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية ومالية سلبية على الآلاف من الأسر المصرية وعلي الاقتصاد والمجتمع المصري ككل، ووجدتني متحمسا للبحث في هذا الموضوع بعد مرور عدة سنوات على دراسة الدكتوراه التي أعددتها في هذا الموضوع، والتي كنت أطمح أن تساهم في تطوير هذا الوعاء الادخاري المهم، لذلك سوف أخصص لهذا الموضوع سلسلة من المقالات، تدور جميعها حول تجربة صناديق الاستثمار في مصر بين ما هي عليه الآن وما يجب أن تكون عليه، لعل ذلك يسهم في مزيد من التطوير لهذه الصناديق، ولعله أيضا يكون مشجعا للشركات على إصدار المزيد من الصناديق، ومحفزا للأفراد والمؤسسات للاكتتاب في مثل هذه الصناديق، وإسهاما كذلك في محو الأمية الاستثمارية التي مازالت تحيط بموضوع الاستثمار في البورصة بصفة عامة، وموضوع صناديق الاستثمار بصفة خاصة، فما هذه الصناديق؟ ومتى وأين نشأت؟ وما مزاياها وعيوبها؟ وما الإطار القانوني لتأسيس وعمل صناديق الاستثمار في مصر؟ وما واقع تجربتها فيها؟ وما الفرق بين واقع صناديق الاستثمار في مصر وما كان مأمولا منها؟ وما العقبات التي تحول دون تطور صناديق الاستثمار في مصر؟ وما سبل التغلب على هذه العقبات؟
 
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير سنجيب عليها- بإذن الله- من خلال سلسلة المقالات التالية في هذا الموضوع.
أ.د/ أحمد عبدالصبور الدلجاوي

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق