التعايش ودراسة الأديان

الأحد، 28 مايو 2017 10:30 م
التعايش ودراسة الأديان
هدى درويش تكتب

في معهد الدراسات والبحوث الآسيوية الخاص بالدراسات العليا بجامعة الزقازيق بدأت تجربة غير مسبوقة في أي من الجامعات المصرية عام 1994 ألا وهي إنشاء قسم للأديان المقارنة، الذي أشرف برئاسته منذ سنوات عديدة، وهو متخصص في دراسة الأديان السماوية الثلاث جنبا إلى جنب الأديان الوضعية والفلسفات والمذاهب الفكرية المختلفة.

ما يميز هذا القسم أنه يدرس فيه أعداد غفيرة من خريجي جامعة الأزهر إلى جانب الطلاب المسيحيين الخريجين من جامعات مختلفة وجميعهم يدرسون بموضوعية دون تعصب أو تشدد، بل منفتحون لتفهم الآخر باعتدال ووسطية.

ويستعين القسم إلى جانب أساتذة وعلماء جامعة الأزهر الشريف، بخبرات علمية وفكرية رائدة في الفكر المسيحي حيث يقوم بالتدريس أساتذة ثقات، منهم الدكتور إكرام لمعي أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الانجيلية، وآخرون، وجميعهم يتعاملون في جو من الصفاء والنقاء العلمي الذي يهدف إلى خدمة العلم والإنسانية، حيث يقوم أولئك الأساتذة بالإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة التي تحتوى على موضوعات تقدم نموذج فريدا للتسامح الديني، من هذه الرسائل على سبيل المثال (النصوص المتشابهة بين الانجيل والقرآن) - (درء الفواحش في الأديان السماوية ) - (والخطاب الدينى بين المسيحية والإسلام) وغيرها .

كما يتم استقبال الدارسين المسيحيين الذين يرغبون في التعرف على البحوث والدراسات الإسلامية، والجميع ينشدون نبذ العنف والتطرف ومقاومة الإرهاب، حيث تنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة التدين السياسي والإجتماعي في بلدان العالم، وأخذت كل جماعة تبحث عن انتمائها الديني والمذهبي، فأصبح العالم في مرحلته الراهنة يدور في فلك إما التحالفات الدينية أو المذهبية، حتى أصبح التوجه نحو القيم الروحية هو البديل الأمثل لحالة الفوضى والتدني الأخلاقى الحادث في المجتمعات.

 

وحقيقة الأمر فالدين هو المحرك الرئيسي للجنس البشري لتحقيق الأمن الداخلى والسلام الاجتماعي، كما إنه لا يمكن فهم ثقافات الشعوب دون فهم الأديان المنتمية إليها، فالبلد الواحد يضم اليهودي والمسيحي والمسلم وغيرهم وكل ديانة تتفرع إلى فرق ومذاهب، لذا فإن الفهم العلمي الصحيح للأديان يساعد على تطور الفكر والفهم الواسع الشامل للإنسانية ومشاكلها المعاصرة.

إن البحث فى مقارنة الأديان هو علم عظيم الفائدة، يقدم للمفكرين أهم العناصر للدفاع عن الدين ضد التحديات التي تواجهه، من حركات إلحادية تنتشر في أرجاء العالم. أو صراعات مذهبية تؤجج الفتن والثورات، أو جماعات إرهابية تسعى للهدم والتدمير، أو فكر جاهل أو يُجَّهل في أمور الدين الصحيحة.

ودراسة الأديان سواء السماوية أو الوضعية تعطي أهمية معرفية كبرى للوقوف على علة حقيقة الدين، كما تُقدم لنا التفكير المعرفي لفهم الظاهرة الدينية والثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية، فعلم الأديان يَسهُم في ترسيخ التفاهم بين أهل الأديان الأخرى، ويساعد على تنشئة أجيال تقوم على المعرفة الصحيحة والفهم الواعي لخاصية كل دين.

والحقيقة فإن الواقع  يفرض علينا تفعيل القيم الدينية المشتركة في سائر الرسالات السماوية التي أمرنا بها رب العالمين، والنظر إلى الأمور المتعلقة بالمصالح الدنيوية المشتركة بيننا، فنحن نحيا معا على أرض واحدة، مصيرنا واحد، وشرائعنا مختلفة.

 

هدى درويش

أستاذ ورئيس قسم مقارنة الأديان – جامعة الزقازيق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة