ملحق اقتصادى:«جنينة»: مصر تتعرض لحصار يمنع عودة التدفقات الدولارية
الثلاثاء، 06 يونيو 2017 02:48 م
الدكتور هانى جنينة المحلل المالى
كتبت - أسماء أمين
قال الدكتور هانى جنينة المحلل المالى: إن نسبة النقد المحلى إلى صافى الأصول أو« المطلوبات» الأجنبية، هى نسبة لا بد ألا نغفل عنها عند تقييم قرارات البنك المركزى فى هذه الظروف الاستثنائية، مشيراً إلى أنه عندما يطارد النمو المتزايد فى النقد المحلى موارد محدودة من الدولار النتيجة لا بد أن تكون انهيارًا فى سعر الصرف!
وأضاف أن مجموع الجنيه المصرى- فى صورة عملات معدنية وورقية، مضافة إليه الودائع بالجنيه المصرى فى البنوك- ارتفع بحوالى ١٣٠ مليار جنيه منذ التعويم، وحتى آخر مارس.. واكد أنه- فى الفترة ذاتها- انخفض صافى المطلوب، وباتت المطلوبات الأجنبية فى القطاع البنكى (البنك المركزى والـ٣٩ بنكًا تجاريًا) بحوالى ١٤٧ مليار نتيجة الزيادة فى الاصول الأجنبية لدى البنك المركزى.
ولكن كما يعلم الجميع أن ٩٠٪ أو أكثر من هذه الزيادة كانت نتيجة التدفقات قصيرة الأجل فى أذون وسندات الخزانة، وليس من موارد مستدامة، إذن لو أخرجنا الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين الحكومى من المعادلة، فإن قيمة صافى المطلوبات الأجنبية (net foreign liability position of the banking system) لم تتغير تقربيا من أعلى مستوى لها تاريخيًا فى حين أن عمليات الإقراض والإيداع اليومية للبنوك (money multiplier) أضافت ١٣٠ مليار جنيه للسيولة المحلية لو استمرت معدلات الارتفاع فى السيولة المحلية على هذا النمط- بدون ارتفاع موازٍ فى تدفقات العملة الصعبة (المستدامة)- ستنهار العملة المحلية مرة أخرى فى نهايه العام.
وأوضح «جنينة» أن مصر تتعرض إلى شبه حصار يمنع عودة التدفقات الدولارية بصوره طبيعية، وهو ما يجعل البديل كبح جماح السيولة المحلية مؤقتًا حتى لا تختل الموازين.
وأكد «جنينة» أن سعر الفائدة ليس سعرًا يوضع على شاشات البنوك بأمر البنك المركزى، ولكنه سعر يعكس العرض والطلب للجنيه، وفى هذه الحالة- ورغم ارتفاعه منذ نوفمبر- ولكنه ما يزال يعكس نموًا قويًا فى معروض الجنيه المصرى مقارنة بشبه بركود فى مصادر العملة الصعبة المستدامة.
وأشار إلى أنه فى أوقات الإصلاح الاقتصادى الشامل فى الدول الناشئة، تبدأ صناديق الاستثمار الأجنبية فى مطاردة العوائد المرتفعة خاصة فى ظل الانخفاض الشديد فى عوائد الاستثمار فى الدول المتقدمة فى الوقت الحالى.
وأضاف أن هذه التدفقات قد تمثل معضلة للبنك المركزى المصرى، لأنها تؤدى إلى زيادة فى المعروض النقدى إذا ما قرر البنك المركزى الحفاظ على سعر الصرف عن طريق شراء فوائض الدولار كما هو الحال الآن.
فلو- على سبيل المثال- قرر مديرو الاستثمار فى مورجان ستانلى استثمار مليار دولار فى أذون خزانه مصرية، قد يقوم بتحويلها أولا إلى HSBC-Egypt بالدولار ثم يقوم HSBC-Egypt ببيع الدولار للبنك المركزى للحصول على ما يقابل ١٨ مليار جنيه مصرى لشراء أذون خزانه لصالح عميله! فى هذه اللحظة، تم إصدار ١٨ مليار جنيه إضافية للسيولة بالجنيه المصرى، وتم تقديمها للحكومة لإنفاقها مقابل إصدار أذون خزانة.
لو استمر هذا الوضع لفترة- وعلى نطاق واسع دون تدخل السياسة النقدية- سيحدث ضرر رئيسى يتمثل فى أن القيمة الشرائية للجنيه قد تنخفض نتيجة ارتفاع السيولة، والتى فى الأعم الأغلب تدفع أسعار السلع والخدمات إلى الارتفاع نتيجة ارتفاع الطلب المحلى، فرغم حفاظ المركزى على سعر الصرف الاسمى (١٨ جنيهًا مقابل كل دولار)، لم يستطع الحفاظ على القدره الشرائيه لـ١٨ جنيهًا فأصبحت تساوى ١٦ أو ١٤ أو ١٠ جنيهات، ما أضعف- بشدة- تنافسية المنتج المصرى.
لذلك، فى هذه الظروف، يقوم البنك المركزى المصرى بما يسمى «تعقيم» أثر التدفقات المالية على السيولة المحلية، فبعد أن يقوم البنك المركزى بشراء المليار دولار، وضخ ١٨ مليار جنيه فى القطاع البنكى- كما ذكر سابقا- يقوم بفتح عطاءات دورية لسحب السيولة الفائضة لدى البنوك طبقا لبيانات البنك المركزى، حوالى ٤٠٠ مليار جنيه من فائض السيوله لدى الـ٣٩ بنكًا العاملة فى مصر، مودعة حاليًا فى البنك المركزى المصرى.
وأوضح «جنينة» أن استمرار عمليات «التعقيم» له كلفة عالية جدًا، لأن البنك المركزى يدفع للبنوك المودعة فوائد مرتفعة لإيداع فائض السيولة تتخطى الـ١٧٪ حاليا، ولو استمرت هذه السياسة، قد يبدأ البنك المركزى فى المعاناة من تآكل أرباحه، بل قد يعانى من تآكل رأس ماله، أولا: تآكل الآرباح يؤدى إلى تأكل حجم الضرائب المدفوعة من المركزى لوزارة المالية، ثانيا: لو بدأ رأس مال المركزى فى التآكل، فان وزارة المالية قد تبدأ فى تحمل أعباء ضخمة لرفع راس المال مرة أخرى.
فى العام المالى ٢٠١٤/٢٠١٥. حقق البنك المركزى أرباح ما قبل الضرائب حوالى ٣٣ مليار جنيه وسدد حوالى ١٠ مليارات جنيه لوزارة المالية فى صورة ضرائب دخل هذه الأرباح، تم تحقيقها بالمقام الأول نتيجة العائد على ما يمتلكه المركزى من أوراق حكومية مصرية كأصول وانخفاض مصروفات التعقيم فى ذلك الوقت فى خلال هذه السنة المالية، متوسط السيولة التى تم سحبها من القطاع المصرفى كانت لا تتعدى الـ ١٠٠ مليار جنيه، وأسعار الفائدة المدفوعة من «المركزى» للبنوك كانت اقل بحوالى ٦-٧٪ من معدلات ٢٠١٧ مع الأخذ فى الاعتبار أن حجم حيازات «المركزى» من الأصول فى صوره أوراق حكومية لم تتغيير تقريبا منذ ٢٠١٥ ولكن حجم عمليات التعقيم تضاعف ٤ مرات وسعر الفائدة ارتفع بحوالى ٦-٧٪ خلال الفترة، ففى الغالب ستنكمش أرباح «المركزى» بقوة فى ٢٠١٦/٢٠١٧ إن لم تتآكل أرباحه تمامًا، وهذا يمثل عبئًا محتملًا (contingent liability) لوزارة المالية، وسيؤدى إلى انكماش إيرادات «المالية» من الضرائب.
و كبديل لعمليات التعقيم المكلفة جدًا، قد يبدأ «المركزى» فى رفع سعر الفائده الرئيسى للتأكد من أن |أى نقد فائض تم تركه لدى البنوك بدون «تعقيم» لن يؤدى إلى ارتفاع حاد فى المعروض النقدى، وهذا الارتفاع فى المعروض النقدى قد يحدث فى المقام الأول عندما تقوم الحكومه برفع أسعار الطاقة مرة أخرى، ما قد يجعل أسعار الفائدة على الاقتراض أقل من معدل التضخم المتوقع، ما يشجع على الاقتراض لشراء أصول أو سلع معمرة على سبيل المثال، لأن لو حدثت هذه الزيادة المفرطة فى السيولة المحلية وارتفع الطلب المحلى تحسبًا لزيادة أخرى فى أسعار السلع والخدمات فى غياب تحسن ملحوظ فى التدفقات الدولارية المستدامة، سيتعرض الجنيه المصرى لضغوط قوية قد تؤدى إلى انهياره مرة اخرى.
وفى الوقت ذاته، رفع سعر الفائدة فى هذا الوقت لن يؤدى إلى زيادة مفرطة فى تدفقات الأموال الساخنة، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً فى الأغلب، رفع الفائدة سيحد فقط من التذبذب الحاد فى تدفقات رؤوس الأموال والتى قد تجد فى سعر الفائده الاضافى بعض الاطمئنان ضد ارتفاع تدريجى فى سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال ٢٠١٨ نتيجة ارتفاع معدل التضخم، وتجد فيه بعض المجاراة مع ارتفاعات محتملة فى سعر الفائدة على الدولار فى الأشهر القليلة المقبلة.