الحوار الديني طريق البناء الحضاري

الأربعاء، 07 يونيو 2017 12:48 ص
الحوار الديني طريق البناء الحضاري
بقلم د. هدى درويش

نظرا لما يمر به عالم اليوم من صراعات حادة ومجادلات عقيمة، تتداخل فيها أمور الدين في السياسة وتنفصل عنها معايير القيم الأخلاقية والسلوك المستقيم، وما يجري من أحداث إرهابية متطرفة جسيمة تهدم ولا تبني ، وتفرق ولا تجمع ،  فقد استدعى ذلك النظر في الحاجة لإعادة توجيه نظام سلوكي يرقى بالمجتمع وأفراده يقوم على أسس من الاحترام المتبادل والتسامح والموضوعية، ويوضح كيفية التعامل بالقيم الدينية المنزلة من عند الله تعالى بالحدود الواجبة من أخلاقيات وتعاملات. وكل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا ببناء حوار ديني قيمي غير متعصب لدين أو ملة أو جنس أو نوع إقرارا لمبدأ التعايش السلمي بين أفراد الإنسانية.

وفي الأصل فالديانات السماوية تتفق على وجوب التحلى بالفضائل والأعمال الصالحة واجتناب الرذائل والبعد عن كل الشرور، كما أن  الحوار الايجابى القائم على المنطق السليم واحترام حقوق الإنسان فى المعتقد والحياة هو  جوهر الديانات التى نزلت بالحق.

وليس الحوار كما يتصور البعض قضية سياسية أو مصالح دنيوية يراد تمريرها بهذا المصطلح، كما أنه ليس دعوة لإعلاء دين على آخر، بل هو بيان لاشتراك الأديان السماوية فى المبادئ والقيم الإيمانية والأخلاقية التى تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له. ويدخل ضمن هذا المفهوم، التكليف الإلهي لبنى آدم بعمارة الأرض، وصنع الحضارة، باعتباره موجهًا للناس جميعًا وليس لفئة دون أخرى، والهدف المشترك والأساس للجميع هو تحقيق السلام والأمان فى العالم.

وحقيقة الأمر فإن كل أمة من الأمم كان لها إسهاماتها الكبيرة فى إثراء التنوع الثقافى عبر العصور، وكانت كل أمة مكملة لغيرها، وكل تراث حضارى مهما كان تنوعه أو اختلافه فهو ناشئ بفعل التأثير والتأثر، ويقع تحت مضمون الأخذ والعطاء.

وفي ذلك يقول الأديب الألماني جوته فى ديوانه تعبيرًا عن الإلتقاء الفطرى بين الشرق والغرب (لله المشرق ولله المغرب وفى راحيته الشمال والجنوب معًا). فالحضارة هي حالة للعقل البشري تتوافق مع تطلعاته لحياة إنسانية تتطور من مرحلة لأخرى بغرض تحقيق ذاتها عبر التّاريخ. والتحاور بين أفراد البشرية يمثل النّقطة الحاسمة التي تحدد مسار الحضارة أي قدرتها على فهم الاستمرارية الضرورية للتراث، مع إمكانية تغيير التاريخ.

وفى عصرنا الحالي المزدحم بالأزمات والمشاكل والسلوكيات المتطرفة والعنيفة من بعض الجماعات والتيارات، وانتشار الفتن والتقلبات، والأفكار المنحرفة والفاسدة والتي تنطلق من مبدأ البعد عن الدين، والبعد عن الفطرة السليمة، آن الأوان للانطلاق نحو فتح أبواب وسبل جديدة للوفاق والتفاهم والاحترام بين شعوب العالم، لقد آن الأوان لفتح باب الحوار البناء بين الأديان والمذاهب، وفتح الآفاق والقلوب والأرواح نحو حياة أفضل تبغي التحالف الخلاق لتكوين حضارات بناءة.

و حتي تتحقق الأهداف المنشودة من الحوار  فلابد له من آليات تقف علي أرض صلبة , أولها وأهمها ضروره تفعيل الثقافة الدينية بالتعرف علي مذاهب وعقائد الديانات الأخرى , وتفعيل القيم المشتركة بينها.

فما أحوج إنسان اليوم أن يعود إلى تعاليم السماء الصافية التى استقاها أنبياؤنا العظام: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم من ربهم فكانوا خير المعلمين والهداة.. وما أحرى أناس اليوم أن يتعارفوا ويتآلفوا من جديد ، ليكونوا عائلة واحدة، تؤكد على احترام الإنسان لأخيه الإنسان ، وتعزز ثقافة الوعى وتقيم العدل والمحبة والسلام ، ولا سيما أن البشر جميعا ركاب سفينة واحدة هى الأرض التى حملنا الله أمانتها .

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق