خالد البلشي.. عندما يكون الصحفي فاشلا وبذيئا

الأحد، 11 يونيو 2017 05:10 م
خالد البلشي.. عندما يكون الصحفي فاشلا وبذيئا
محمد الشرقاوى

لروابط سياسية وأيديولوجية، توفرت فرصة كبيرة للصحفي الشاب، محدود القيمة والقدرات، ليصبح رئيسا للتحرير في غفلة من الزمن، متصدرا واجهة تجربة صحفية كانت واعدة وقت صدورها، ليكتب شهادة وفاتها بدم بارد، ويفوز برقم ضخم في حسابه البنكي.
 
في البديل- بدأ نجم خالد البلشي في اللمعان، المرحلة كانت مختلفة ومبشرة وتقبل الظهور، سنوات العقد الأول من الألفية الجديدة، بما حملته من حراك سياسي وتغير كبير في أطر المعادلة السياسية وصراع القوى الفاعلة في المجتمع، وانعكس الحراك على ساحة الصحافة والميديا، فبزغت عشرات التجارب الصحفية والتليفزيونية المستقلة، وبزغت معها أسماء لم يكن لها حضور من قبل، وبعضها لا يملك أية قدرات استثنائية تكفي لوضعه في الواجهة.
 
اقتراب «البلشى» من محمد السيد سعيد، وتوليه مهمة أقرب للسكرتارية الخاصة، ساعداه على اقتناص مزيد من الترقي، وصولا لرئاسة تحرير البديل عقب رحيل «سعيد»، ولم تنقض شهور حتى تراجع خالد البلشي بالتجربة، ونزف ما حققته من نجاح على أيدي مؤسسيها، بضغط من رعونته وقلة خبرته ومعرفته بأصول الصنعة، وظل قابضا على الصحيفة وخانقا لها، وعلى موقعها الإلكتروني، حتى نجح فى التخلص منه بالبيع لجهات إيرانية، عبر وسطاء مصريين، وتحصيل عمولة بأرقام من ذوات الأصفار الستة، بفضلها اشتري شقة سكنية في شارع قصر العيني بوسط القاهرة، واشتري أرضا في مسقط رأسه، واحتفظ بمبالغ ضخمة في حسابه البنكي.
 
من تجربة البديل والسمسرة الضخمة فيها، إلى تجربة «البداية» واتخاذها ستارا لتدشين علاقات مع منصات وخطوط تمويل دولية، وهو الأمر نفسه الذي تفعله زوجته الصحفية نفيسة الصباغ في تجربتها «مصريات»، التي تتلقى تمويلات مالية من جهات دولية بأرقام ضخمة، ليبدو من التجربتين أن مشروع الأسرة، البلشي وزوجته، مشروع صحافة ممولة وتغازل الدافعين والراغبين في الشراء وتجنيد الوكلاء بامتياز، ولا مانع من مسحة ماكياج وطنية الطابع، وقدر من الخطاب المعارض، إذ لا يحب ممولو الخارج الموالين ولا الموضوعيين، يحبون فقط الحناجر الصارخة.
 
ربما لا يبدو الأمر حتى الآن مثيرا في شىء، مجرد صحفي متواضع ومحدود القيمة، تواطأ على مؤسسة صحفية آوته ومنحته اسمه، خربها وباعها لوكلاء آيات الله وملالية، وحصل عمولة ضخمة، وفتح دكانا إعلاميا جديدا لتسويق نفسه، وحصل على دعم وتمويلات، وساعد زوجته في ترويج دكانتها والحصول على تمويلات أيضا، وكثيرون من أصدقاء خالد البلشي والمحيطين به يعملون بالطريقة نفسها، ويحترفون نفس الأداء، ولا يمكن اعتبار الصحفي «المديوكر» حالة شاذة أو ملفتة، مجرد ملوث في دائرة واسعة من الملوثين.
 
الغريب أن في السياق العادي يلتمس أشباه خالد البلشي الستر والمشي جنب الحيط، لا يجاهرون بما لا يتحقق فيهم من قيم ومبادئ، ولا يلفت الأنظار له بمزيد من الممارسات البذيئة، التي لا تختلف كثيرا عن إفساد الصحف، أو بيعها، أو تلقى أثمان بعضها من الخارج، ولكن خالد البلشي يصر، كما يليق بمحدود وصاحب قصة فشل عريضة، على أن يخوض حربا مع طواحين الهواء، وأن يرمي الآخرين جميعا بدائه وينسل، على طريقة «تلهيك وإللي فيها تجيبه فيك».
 
في مجلس نقابة الصحفيين الذي كان خالد البلشي عضوا فيه ورئيسا لإحدى اللجان المنبثقة عنه، ورّط الصحفي النزق وبذىء اللسان، نقابته ونقيبه ومجلسه في معركة غريبة وغبية مع الدولة، وكانت النتيجة خسارة الكيان والمنتسبين إليه في المعركة التي افتعلها «البلشي» بمنتهى السطحية وقلة الوعي، ربما لا يعنينا ممارساته المشينة مع الصحفيين الذين عملوا معه، سواء في موقع «البديل»، أو موقع «الوادي»، الذي كان سبوبته لشهور، وصولا لموقعه الملاكي «البداية»، وهو نفس ما تفعله زوجته مع العاملين لديها في «مصريات»، لا يعنينا أن يأكل جهد المحررين الشباب وأن يمنحهم الفتات ويستأثر بالمبالغ الضخمة، لا يعنينا أنه يسرقهم ويغتني من وراءهم، هم أحرار، وطالموا قبلوا ابتزازه واستغلاله لهم فليس لأحد أن يرفض هذا، ربنا يهني سعيد بسعيدُه، ولكن ما يعنينا هو ما يفرضه «البلشي» من بذاءة وخفة واعتباط وعشوائية على الأداء الإعلامي لهؤلاء الشباب، وما يعبئ به أرواحهم من أمراضه ورواكد روحه.
 
في مقال أخير نشره المحروس تحت عنوان «مصر مش للبيع.. لازم ترحل»، لا يمكنك أن تمر مرورا عابرا على تلال البذاءة التي يمتلئ بها المقال، الأمر يتخطئ حدود المقال كفن صحفي، وحدود المعارضة كخطاب سياسي، وحدود الكتابة كفن وأدب، يبدو أن البلشي لا أدب لديه، لا يُحسن الأدب، بمعناه الوظيفي المرتبط بصنعة الكتابة، ينفق كامل مقاله على سباب الجميع، من رأس الدولة لرئيس السلطة التنفيذية لنواب الشعب، ولا يرحم من يوالونهم ويذهبون مذهبهم، الأمر ليس خلافا سياسيا ولا وطنيا حتى على اتفاقية وحدود، الكتابة الركيكة والبذيئة تتجاوز الخلاف إلى سباب يعاقب عليه القانون، لا يكشف في الحقيقة عن سخونة القضية قدر ما يكشف عن برودة «البلشي»، وإخلاصه لمنطقه المعهود، كلما رفعت حنجرتك بالصراخ، وكلما انخرطت في سب الجميع والمزايدة عليهم، أصبحت مناضلا وذا شعبية في أوساط الأصدقاء والنشطاء وبوابات عبور الأموال الساخنة والرعاية الإعلامية والسياسية، الأمر لا يعدو كونه خطابا استهلاكيا، يجيده الرجل، ويتاجر به دائما.
 
الصحفي محدود التاريخ، وصاحب المشروعات الفاشلة بجدارة، الذي أفشل نقابة الصحفيين وورطها فى معركة شخصية سخيفة، ويُفشل أجيالا من الصحفيين الذين يمص دماءهم ويتاجر بعرقهم وحبر أقلامهم، يتألق جدا في البذاءة، يعرف أن لها جمهورا، وأن قدراته لا تسعفه على إنتاج أي رصانة واشتباك عاقل وناضج مع الأمور، إذن لا بديل عن سباب الجميع والصعود فوق كرامتهم وشرفهم، حقا أو زورا، المهم أن يظل البالون منفوخا حتى لا يسقط على الأرض، وتسقط معه أوسمة النضال الخشبية التي يمنحها اليسار، وتجلب أموال اليمين الخارجي.
 
في مقال خالد البلشي الأخير، كما في مقالات كثيرة له من قبل، لا تملك إلا أن تبتسم ابتسامة أسى وشفقة وأن تعبر على مستنقع موحل من البذاءة، لا يمكن أن يكون هذا الأداء إعلاما، ولكنه اختزال وتكثيف لمرحلة من السيولة والبذاءة والمزايدة على الجميع، يتقنها بعض أبناء اليسار ومن تربوا في حظائرهم، ويجيدون توظيفها لصناعة نمور من ورق، وبالونات ضخمة معبأة بهواء خفيف، يراها غير العارف فيُعجب بها، تماما كما يُعجب كثيرون من المغرر بهم بخالد البلشي وأدائه المبالغ فيه، ولكن من يقترب ويدقق، يكتشف أنه اختزال كامل وشامل للفشل والبذاءة في شخص، ولن تكون متجاوزا إن سئلت عن أكبر نماذج الفشل والبذاءة في ساحة الإعلام المصري، فقت مرتاح الضمير «خالد البلشي».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق