في تسلّع التعليم وعنصريّته

الأحد، 11 يونيو 2017 10:41 م
في تسلّع التعليم وعنصريّته
حاتم العبد يكتب:

باعثي على كتابة هذا المقال هو أني تلقيت على موقع التواصل الاجتماعي بطريق غير مباشر وعبر خاصية المشاركة، دردشة لزميلة فاضلة تروي فيها أن ابنة أحد معارفها، ممن يتمتعون بالخلق الرفيع والملاءة المالية، لم تتمكن من الالتحاق بحضانة خاصة على قالة أن الأبوين من غير الحاصلين على مؤهل عالٍ. أعلم علم اليقين، أن تلك الحالة هي حالة من آلاف الحالات المماثلة، بل وعلى كافة المستويات والمراحل التعليمية، وإن اختلفت صور الرفض أو عدم القبول.

 

واقع الأمر أنني لا أَجِد مُستندًا ولا مبررًا لمثل تلك عنصريّة ممقوتة، وهدم لثوابت الدولة المدنية، واستهتارًا بمستقبل ليس فحسب أولادنا، بل بمستقبل بلدنا، ولا أستطيع فهم مغزى وغرض مشروطيّة غريبة كتلك!

 

 أي مستقبل ننتظره وقد تمّ بناؤه على التشرذم والعنصرية والتفويء؟ ثم على أي أساس موضوعي بُنيت القواعد، واصطفيت المعايير لقبول طفل في الحضانة؟ مؤهل الأبوين؟ ملاءة مالية، طول ذات اليد؟ معارف الأهل؟ أين المصلحة الوطنية وقواعد الموضوعية وحقوق الطفل من هذا تصرف!

 

ليس عيبًا إن لم يكن أحد الأبوين أو كلاهما غير حاصل على مؤهل عالي، فلربما لم تتح له فرصة الآخرين، ولربما كان كبير إخوته والعائل الوحيد لهم، ولربما ولربما... إذًا الموضوعية وحدها هي القادرة على بسط العدالة.

 

ثم أتساءل أين التعليم الحكومي وأين دور الدولة في توفير التعليم المتميز لأبنائها، أم أن المسؤولين وبما أنهم لا يعيشون حياة المواطن العادي، لا يشعرون به ولا بآلامه!

 

الاستثمار الحقيقي يكمن في التنمية البشرية وخاصة الأطفال والشباب، فهم قاطرة المجتمع، ووقوده في سفره، وزاده في ترحاله، ورايته في الكروب، وسنده عند الحاجة. ثم ماذا ننتظر لا أقول من والدا هذه الطفلة نحو مجتمعنا، ولكن أقول ماذا ننتظر من هذه الطفلة، ما أن همّت بأولى خطواته نحو التعليم، حتى لفظتها المؤسسة التعليمية. إننا بمسلكنا هذا إنما ننّمي روح الطائفية ونزكي الفئوية ونعمل على تفتيت أواصر المجتمع. 

 

أثناء دراستي للدكتوراه بفرنسا، كان لحارس العقار الذي كنت أقطن به ابنتان، واحدة منهما سفيرة في الخارجية الفرنسية والأخرى دبلوماسية بالأمم المتحدة، ولم يكن له ولا لزوجته حظٌ يذكر من التعليم، رغم ذلك، وفقط بفضل تميّز وتفوّق ابنتاه، وصلتا لأرفع المناصب، زِد على ذلك، أنه في الدول المتقدمة لا معيار يعلو على معيار الكفاءة، ولا راية ترفرف غير راية العدل والمساواة. الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، كما نعلم جميعًا كونه مهاجرًا فقيرًا، رغم ذلك تسنّم حكم العالم لفترتين، رشيدة داتي، وزيرة سابقة للعدل بفرنسا، والدتها عاملة نظافة بأحد الفنادق، نجاة بلقاسم، راعية الغنم المغربية ووزيرة التعليم في فرنسا سابقًا. الأمثلة كثيرة وكثيرة، لكن فقط في الدول المتقدمة!

 

غير خافٍ على أحد أن رفعة وتقدم الشعوب إنما ترتكز على النهضة التعليمية بها، فإذا ما أردنا اللحاق بركب التطور وحجز مقعدًا في قطار المستقبل، وجب وعلى الفور الاعتراف بالمشكلة وتأطير المعضلة، والتحلل من أية اعتبارات عدا الموضوعية ومصلحة الوطن.

 

وزارة التربية والتعليم، وقد لمست ممن يقبع على رأسها، الدكتور طارق شوقي سياسة واعية لإصلاح المنظومة التعليمية، وكلنا أمل في أن يوفقه الله في إصلاح ما أفسدته السنوات وغياب الرؤية. الوزارة مدعوة للاضطلاع بواجبها والقيام بدورها الرقابي في منع مثل تلك عنصرية، ومسلك بغيض. أيضًا الزوارة مدعوة لمراقبة مصاريف المدارس والجامعات الخاصة، تلك المصاريف المبالغ فيها بطريقة غير منطقية، ولعلّ أصحاب تلك المشروعات التجارية لا يبحثون إلا عن الربح، إن كانوا هم كذلك، فهنا وجب على الدولة الاضطلاع بمهامها وتحمل مسؤوليتها.

 

إننا نبحث عن مجتمع مدني متحضر، لا موضع قدم فيه لا لعنصرية دينية، ولا لتفرقة طبقية، ولا لنزعة قبلية. حق مجتمعنا علينا، وحق أبنائنا علينا أن نبني المستقبل على قواعد الموضوعية والعدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، مع وجوبية أن تتضافر الجهود، وتلتحم المبادرات، وتتحد الأهداف.

 

مهاتير محمد، معجزة إنسانية بكل المقاييس، عندما أراد أن يُحدث نهضة في بلاده، لم يبدأ بالاقتصاد ولا بالتسليح وإنما بدأ بما هو أقوى وأبقى وأنفع، التعليم، مرد النهضة في كل العصور هو التعليم، كذلك فعل محمد علي في مصر، من اهتمامه البالغ بالتعليم وإرسال البعثات للخارج.

 

دعونا لا نزرع في نفوس أطفالنا أمراض مجتمعية عانينا منها وأوردتنا المهالك، دعونا لا ننقل لفلذات أكبادنا فيروس العنصرية ووباء التشرنق، دعونا نخرجهم من قوقعة الفئوية، دعونا نعطيهم حقهم في نسائم الحرية وطقس التسامح وبيئة العدل وحقل الكفاءة، دعونا نخلق دولة مدنية متقدمة، دعونا نعلمهم المبادئ والقيم، دعونا نحمي مجتمعنا ونبني مستقبلنا بأولادنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة