30 يونيو واستقرار الدولة المصرية

الإثنين، 03 يوليو 2017 06:34 م
30 يونيو واستقرار الدولة المصرية
الدكتور عادل عامر

في 30 يونيو هذا العام نحتفل بمصر الجديدة.. مصر التي أخذت على عاتقها دحر الإرهاب واستعادة دورها المحوري في المنطقة والعالم فقد عادت مصر القوية بجيشها وشعبها واقتصادها الذي بدأ يتجاوز عنق الزجاجة نحو الانطلاق إلى آفاق رحبة.

1- بالنسبة للاقتصاد

صمد الاقتصاد المصري خلال السنوات الأربع الماضية في مواجهة التحديات.. التحديات التي واجهته نتيجة سياسات إصلاحية عززت من ثقة المؤسسات الدولية حيث استطاع منذ تولي الرئيس السيسي تقاليد الحكم أن يودع التصنيف الائتماني الذي كان قريب من التعثر ومنذ ذلك الحين بدأ الاقتصاد ومرحلة التهيئة للانطلاق وسارت أيضا معدلات النمو الاقتصادي للبلاد في اتجاهها الصاعد لتحسم قدرة اقتصاد البلاد على مواصلة النمو بعد أن صمد بشكل شهد عليه الجميع أمام شح الموارد الدولارية التي وصلت لمراحل بالغة الصعوبة نتيجة الأزمات التي واجهت قطاع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج انطلاق قاطرة الإصلاح الاقتصادي، وتحرير الجنيه من «حبسة الدولار»، وتمكُن مصر من التحكم في قراراتها السياسية والاقتصادية دون ضغوط خارجية.

إن أحد أسباب التعافي الاقتصادي للدولة المصرية هو سن قانون الاستثمار الجديد الذي يعد نهضة شاملة في المجال الاقتصادي، هذا إلى جانب حجم المشروعات القومية التي تنفذها الدولة وتخدم البنية التحتية فهي أحد أسباب جذب الأنشطة الاستثمارية، وأن حجم الناتج القومي لأول مرة حقق 1.2% فائض أولى في موازنة 2017 / 2018، إلى جانب تقليل نسبة العجز الـ 10% في الموازنة العامة للدولة، وأن التصنيف الائتماني العالمي وضع مصر في موضع المستقر، وأنه خلال عام ستتلاشى الآثار السلبية للاستثمار بالنسبة للدبلوماسية المصرية.

فقد أعادت 30 يونيو تعريف المبادئ الحاكمة لتحركات مصر الخارجية وقد استطاعت مصر أن تستلهم دورها التاريخي الذي لم يسعَ يوما للهيمنة أو محاولات بسط النفوذ وذلك عبر الموازنة الدقيقة بين مقتضيات الحفاظ على الأمن القومي المصري والتمسك في الوقت ذاته بمبادئ حسن الجوار في إدارة العلاقات الدولية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام الخصوصية السياسية والثقافية للمجتمعات.

2-  بالنسبة للسياسة الداخلية

فقد استعادت مصر عافيتها في المجال الداخلي على الصعيد السياسي من خلال صيانتها للأمن الإقليمي والحفاظ على مخطط التقسيم والحفاظ على وحدة مصر الداخلية والتصدي للإرهاب، إن الشعب المصري بجميع انتماءاته السياسية أثبت للعالم أجمع أنه على وعي ثقافي وسياسي ضد المؤامرات الخارجية لتحقيق الأمن والسلام للحفاظ على وطنه.

بدون 30 يونيو كنا سنعيش ليس فقط في مرحلة مختلفة ولكن أيضا في عالم عربي ونظام إقليمي مختلف وإذا كنا اليوم نسعى بكل الإصرار والجدية لتحقيق طموحتنا المشروعة في دولة مدنية حديثة وديمقراطية تقوم على المساواة وحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية في ظل حركة متسارعة للبناء والتنمية، وعلى الرغم من تلك الوقائع المؤسفة والأحداث المؤلمة للإرهاب الأسود من قتل وتفجيرات واستهداف للأقباط من أجل إشعال فتنة طائفية بين أبناء مصر فقد استعاد المصريون حياتهم وأصبحت مصر رأسا وقائدا للأمة العربية تأخذ بيد شعوبها لينهضوا ويلملموا جراحهم ويستعيدوا أوطانهم، لقد كانت ثورة 30 يونيو بمثابة إعلان واضح للعالم أجمع عن أن المصريين لا يمكن أن يقهروا وأن لديهم العزم والإرادة لصنع المستقبل المشرق والحياة الأفضل، ولكن وجب علينا أن نطرح ذلك التساؤل على أنفسنا وهو ماذا لو أن 30 يونيو لم يأت وماذا كان حالنا ومصيرنا؟

منذ نجاح ثورة 30 يونيو مرَ مسار الحكم في مصر بمنعطفات مختلفة، تحديات مختلفة ومخاطر عدة مرت بها الدولة المصرية كان أبرزها تحدي العنف والإرهاب، ومحاولات إفشال الدولة المصرية، لكن الدولة والأجهزة الأمنية استطاعت مجابهة أخطر موجات للإرهاب حفاظا على أمن الدولة المصرية، كان التحدي الأهم هو تثبيت دعائم مؤسسات الدولة المصرية حفظ أمن واستقرار الدولة في مواجهة قوى الإرهاب، بما يضمن استكمال تشكيل المؤسسات الدستورية.

وبالفعل نجحت الدولة في وضع دستور جديد والاستفتاء عليه في يناير 2014، وإجراء انتخابات رئاسية فاز بها بأغلبية ساحقة الرئيس عبدالفتاح السيسي في يونيو 2014، وبتولي الرئيس السيسي، مقاليد الحكم كانت الدولة المصرية مع منعطف جديد في إدارة الحكم، اعتمد فيه على علاج مشكلات وأزمات يعاني منها المواطن وبالتوازي طرح مشروعات تنموية جديدة.

الاستراتيجية التي تبناها الرئيس السيسي في فترة حكمه والذي بدأ تقريبا مع الذكرى الأولى لثورة الثلاثين من يونيو استهدفت علاج الإرث الثقيل من التحديات والمشكلات التي عانى منها المواطن المصري لسنوات من التجريف السياسي والتردي الاقتصادي والظلم الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية وطرح مشروعات كبرى تضع مصر على خريطة التنمية وتوفر فرص عمل.

إن 99% من الهجمات التي نفذتها تنظيمات السلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة، استهدفت أهدافا لـ«العدو القريب»، مشيرة إلى أنه خلال عام 2013 فقط «أي عام ثورة 30 يونيو» شهدت المنطقة العربية وحدها 3800 حادث إرهابي، من بين 9800 حادثة على مستوى العالم، أي بنسبة 40% تقريبًا.

وفي العام التالي مباشرة - أي عام 2014 - ارتفعت الاعتداءات الإرهابية بنسبة 35%، فيما ارتفعت الخسائر في الأرواح بنسبة 81% مقارنة بعام 2013، أي أن العمليات الإرهابية أصبحت أكثر فتكًا، إن منطقة الشرق الأوسط ظلت المسرح الرئيسي للهجمات الإرهابية الإنتحارية، حيث وقع خلال عام 2014، 370 هجمة انتحارية «تمثل 60% من العمليات التي شهدها العالم في ذات العام» بخسائر في الأرواح تقدر بـ 2750 فردا مقارنة بـ 163 هجمة في العام 2013، تسببت في خسائر نحو 1950 فردا، وفي العام 2015 وقع 207 هجوم انتحاري في الإقليم، من بين 452 هجوما على مستوى العالم، وأشارت إلى أنه رغم تراجع عدد الهجمات الانتحارية التي نُفِذَت في عام 2015 بنسبة 44% مقارنة بعام 2014، إلا أنها تصاعدت في مصر، حيث وقع 12 هجوما انتحاريا عام 2015، مقابل 4 هجمات فقط عام 2014، ونتيجة لذلك أيضا أن عاشت مصر أجواء حرب يمكن تصنيفها بوصفها صراعا ذو كثافة منخفضة.

وإنه بالتتبع لمجريات الحرب على الإرهاب، يمكن القول إن الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب في الداخل تندرج ضمن ما اصطلح على تسميته بـ«استراتيجية الإنهاء»، أي السعي لتقويض تنظيمات إرهابية بنزع سلاحها أساسا بالقوة العسكرية والتدابير الأمنية.

أما البعد الثاني عمل تشريعات داخلية توفر غطاءً قانونيًا لعمليات مكافحة الإرهاب على رأسها قوانين: تنظيم التظاهر، وحماية المنشآت العامة، والكيانات الإرهابية، مكافحة الإرهاب، وعلى مستوى المواجهة المصرية للنشاط الإرهابي خارجيًا.

إن المعطيات الإقليمية والدولية فرضت -حتى وقت قريب- قيودًا على التحرك المصري في الإقليم، إلا أن القاهرة اضطرت للاستجابة للتحديات الأمنية من خلال 4 طرق في مقدمتها استراتيجية العقاب المحدود، واستراتيجية التعطيل والتحييد، واستراتيجية دعم الحلفاء عبر الحدود، واستراتيجية تدعيم الاستقرار في إقليم غير مستقر، وعن استراتيجية التعطيل والتحييد، عملت مصر خلالها على إضعاف الفواعل العنيفة خارج الحدود، بما يمنعها من تصدير العنف والإرهاب، إلى داخل البلاد، بجانب قطع خطوط التواصل بين الفواعل العنيفة داخل البلاد ومثيلاتها فيما وراء الحدود، بهدف حرمان الأولى من الدعم القادم لها من الخارج، وظهر ذلك في ليبيا وغزة.

إن مصر نفذت تلك الاستراتيجية في ليبيا بغرض حماية الأمن المصري فقط بعد سنوات من المساعي السياسية لحل الأزمة، وأن القاهرة دعمت علنًا قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، استخبارتيًا وعسكريًا، وبالنسبة للاستراتيجية الرابعة عن تدعيم الاستقرار في إقليم غير مستقر، إن الدولة المصرية تركز أكثر على الاستقرار عبر الاحتواء السياسي، وظهر ذلك من موقف النظام المصري من الصراعات في سوريا والعراق واليمن أي أن «مصر- السيسي» تعارض أي تغيير في الأنظمة أو الحدود ومنها دول ليست حليفة بالضرورة مثل إيران.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق